أجاب على هذا السؤال الشيخ عطية صقر رحمه الله رئيس لجنة الفتوى بالازهر الشريف فقال قول اللَّه سبحانه { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم اللَّه إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين } البقرة : 222 .
تنهى الآية عن قربان الحائض حتى تطهر والطهر يكون بالغسل عند جمهور للعلماء ، فيحرم الجماع قبله ، وقال أبو حنيفة : يجوز الجماع بمجرد انقطاع الدم ولو قبل الغسل إذا كان الانقطاع لأكثر مدة الحيض ، فإن انقطع قبل ذلك حرم إلا بعد أن تغتسل أو تتيمم أو يمضى عليها وقت صلاة ، والقربان يصدق بالجماع وبغيره ، أما الجماع فهو حرام باتفاق العلماء، ويؤكد حرمته ما نصت عليه الآية وما اقره المختصون من الأذى .
وأما غير الجماع فقد ورد فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن فى البيوت فسأل أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل اللّه هذه الآية وقال صلى الله عليه وسلم ” اصنعوا كل شىء إلا النكاح ” وكل شىء ما عدا النكاح جائز فيما عدا ما بين السرة والركبة، كالقبلة وغيرها ، تقول السيدة عائشة رضى اللّه عنها : كنت أشرب وأنا حائض ، ثم أناوله النبى صلى الله عليه وسلم-أى تناوله الإناء – فيضع فاه على موضع فمى فيشرب ، وأتعرَّق العَرْق -أى العظم الذى عليه بقية من لحم – وأنا حائض ثم أناوله النبى صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على فمى رواه مسلم ، وتقول أم المؤمنين ميمونة رضى اللَّه عنها : كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يضطجع معى وأنا حائض ، وبينى وبينه ثوب ، رواه مسلم أيضا ، كما روى مثل هذا عن أم سلمة ، قال النووى تعليقا على ذلك : قال العلماء : لا تكره مضاجعة الحائض ولا قبلتها ولا الاستمتاع بها فيما فوق السرة ولحت الركبة، ولا يكره وضع يدها فى شيء من المائعات ، ولا يكره غسل رأس زوجها أو غيره من محارمها وترجيله ، ولا يكره طبخها وعجنها وغير ذلك من الصنائع ، وسؤرها-بقية شربها – وعرقها طاهران ، وكل هذا متفق عليه .
أما الاستمتاع بما بين السرة والركبة من غير جماع فالآراء فيه مختلفة، فأبو حنيفة ومالك والشافعى يحرمونه ، بدليل ما سبق عن ميمونة وأم سلمة من اضطجاع الرسول معها مع وجود ثوب حائل كما روى البخارى عن عائشة قالت : كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يأمر فأتزر فيباشرنى وأنا حائض .
وروى أحمد وغيره عن عمر أنه سأل الرسول عما يحل للرجل من امرأته وهى حائض فقال ” له ما فوق الإزار ” . أما أحمد بن حنبل فقد أباح الاستمتاع بما بين السرة والركبة، بناء ، على فهمه من اعتزال النساء فى المحيض أنه نهى عن موضع الحيض وهو الفرج لا غير، وهو احتمال لا يدل على الحرمة فى غيره ، مع عموم قوله صلى الله عليه وسلم ” اصنعوا كل شيء إلا النكاح ” وقال بقول أحمد الثورى وإسحاق ، ومن قبلهم عطاء وعكرمة والشعبى، ورأى الجمهور أقوى .
وهنا يثار سؤال ، هل تجب كفارة على من وطئ زوجته وهى حائض ؟
هناك رأيان ، رأى يقول بوجوب كفارة ، بناء على حديث رواه أبو داود والنسائى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى ذلك “يتصدق بدينار أو نصف دينار ” ورأى لا يقول بذلك ، بناء على حديث رواه ابن ماجه ” من أتى كاهنا فصدقه بما قال ، أو أتى امرأة فى دبرها ، أو أتى حائضا فقد كفر بما أنزل على محمد ” صلى الله عليه وسلم ، حيث لم يذكر الحديث كفارة ، ولأنه وطء نهى عنه لأجل الأذى فأشبه الوطء فى الدبر .
وعلى هذا الرأى أبو حنيفة ومالك وأكثر أهل العلم ، والشافعى له قولان فى ذلك . وعلى القول بوجوب الكفارة هناك روايتان فى مقدارها ، رواية تقول : إنها دينار أو نصف دينار، وأخرى تقول : إن كان الدم أحمر أو فى أوله فدينار وإن كان أصفر أو فى آخره فنصف دينار . ولو كان من فعل ذلك جاهلا بالحكم أو ناسيا هل تجب عليه ؟ قيل تجب وذلك لعموم الخبر ، وقيل لا تجب ، لحديث ” رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ” رواه ابن ماجه .
والمرأة المختارة المطاوعة قيل تجب عليها كفارة، وقيل لا تجب لعدم تناول النص لها