السودانشئون عربية

مباحثات سودانية مكثفة لنقل العاصمة المؤقتة من بورتسودان إلى عطبرة

كتبت: د. هيام الإبس

تشهد الساحة السودانية حالياً نقاشات مكثفة حول نقل العاصمة المؤقتة من بورتسودان إلى عطبرة. تبدو هذه الخطوة مدفوعة بالأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية التي تواجهها البلاد، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا القرار استراتيجياً أم ضرورة فرضتها الظروف.

أهمية موقع عطبرة

تقع عطبرة على بعد حوالي 310 كيلومترات شمال العاصمة الخرطوم، وتمتاز بموقع جغرافي استراتيجي يجعلها محوراً مهماً لربط مختلف أقاليم السودان عبر شبكة متكاملة من الطرق الرئيسية وخطوط السكك الحديدية. هذه الميزات تمنحها أهمية لوجستية تجعلها خياراً مناسباً لتكون مركزاً للحكومة المؤقتة، خصوصاً مع قدرتها على تسهيل حركة التنقلات العسكرية والإمدادات الحكومية.

قربها من سد مروي ومشاريع الطاقة المائية الأخرى يضمن استدامة إمدادات الكهرباء والمياه التي تحتاجها المؤسسات الحكومية، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل التحديات الاقتصادية التي تضرب البلاد.

التحديات التي تواجه بورتسودان

من جهة أخرى، تُعتبر بورتسودان، التي تقع على بعد 675 كيلومتراً شرق الخرطوم على الساحل، ميناءً رئيسياً يوفر نافذة اقتصادية للسودان. إلا أن بُعدها الجغرافي عن مناطق الداخل يجعل من الصعب التواصل السريع والفعّال مع باقي الأقاليم. إضافة إلى ذلك، فإن التدفق الكبير للنازحين من مناطق النزاع وارتفاع الضغط على الخدمات الأساسية قد أثقل كاهل المدينة، ما يضعف قدرتها على التحمُّل في ظل استمرار الأزمات.

البعد الوطني لعطبرة

علاوة على مميزاتها اللوجستية، تحمل عطبرة بُعداً وطنياً قوياً، فهي تُعد مركزاً للحركة العمالية ونقطة انطلاق نضالات وطنية عديدة ضد الاستعمار وفي الثورة ضد نظام البشير. هذا الإرث يجعل من عطبرة مدينة ذات رمزية خاصة، مما قد يعزز من شعبية القرار ويكسبه دعماً جماهيرياً.

مباحثات سودانية مكثفة لنقل العاصمة المؤقتة من بورتسودان إلى عطبرة 4

الأبعاد الأمنية والسياسية

الجانب الأمني يمثل اعتباراً رئيسياً في هذا النقاش. بينما تواجه بورتسودان تهديدات متزايدة من النزاعات المسلحة القريبة، تتمتع عطبرة باستقرار نسبي، مما يجعلها خياراً أكثر أماناً لمركز الحكومة المؤقتة. كما أن موقعها الوسطي يسهل الانتشار السريع للقوات وإعادة التموضع عند الضرورة، مما يعزز قدرة الحكومة على الحفاظ على الأمن الداخلي بفعالية أكبر.

سياسياً، يُعتبر نقل العاصمة إلى عطبرة خطوة نحو تعزيز مبدأ توزيع السلطة بين الأقاليم المختلفة، خاصة أن المركزية الشديدة كانت من أبرز الانتقادات التي وُجهت للحكومات السابقة. وجود العاصمة في منطقة أكثر مركزية مثل عطبرة قد يعزز من الشعور بالتوازن السياسي ويظهر جدية السلطة الحالية في بناء دولة شاملة تمثل جميع الأقاليم.

تحديات نقل العاصمة

ورغم أن عطبرة تبدو خياراً مثالياً، فإن هناك تحديات حقيقية تتعلق بتحقيق توازن بين الاعتبارات الأمنية واللوجستية والسياسية. نقل العاصمة المؤقتة يتطلب تخطيطاً دقيقاً وتنسيقاً بين جميع القطاعات المختلفة، خاصة الأمنية والعسكرية والسياسية. يجب أن تكون هناك رؤية طويلة الأجل لضمان استدامة هذا القرار ونجاحه.

التحسينات على البنية التحتية

ذكرت مصادر أنه تُجرى حالياً أعمال صيانة وتوسيع لمدرج مطار عطبرة، إلى جانب إنشاء صالات جديدة للمسافرين، بهدف تجهيز المطار لاستقبال الرحلات الجوية المحلية والدولية. هذه التحسينات تشير إلى جدية التخطيط لنقل العاصمة والتأكد من أن عطبرة ستكون قادرة على استيعاب المهام الحكومية التي ستُنقل إليها.

الخاتمة

نقل العاصمة المؤقتة من بورتسودان إلى عطبرة ليس مجرد تغيير لوجستي، بل هو قرار يعكس توازناً دقيقاً بين اعتبارات الأمن، السياسة والتنمية. إذا تم تنفيذه بشكل مدروس، فإنه قد يعزز من الاستقرار في السودان ويدعم جهود إعادة بناء البلاد على أسس جديدة تواكب التحديات المعاصرة.

معلومات عامة عن عطبرة

تقع مدينة عطبرة في ولاية نهر النيل شمال البلاد، وتبعد عن الخرطوم نحو 310 كيلومترات، وعن ميناء بورتسودان 611 كيلومتراً. تُعتبر من أقدم مدن السودان وأعرقها، وتُعرف باسم “عاصمة الحديد والنار” لاستضافتها رئاسة السكة الحديدية في البلاد. تاريخياً، اختار الإنجليز عطبرة لتكون نقطة انطلاق لقواتهم بعد استعادة السيطرة على مدينتي أبو حمد وبربر عام 1898، مما زاد من أهميتها الاستراتيجية في التاريخ السوداني.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.