كتب. ابراهيم عوف
بقلم الدكتور نادر الصيرفي المحامي والباحث المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين
تمهيد :
تنص المادة الثالثة اصدار من القانون رقم (1) لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع واجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية على أنه :
” تصدر الأحكام طبقاً لقوانين الأحوال الشخصية والوقف المعمول بها، ويعمل فيما لم يرد بشأنه نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة، ومع ذلك تصدر الأحكام في المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية بين المصريين غير المسلمين المتحدي الملة والطائفة الذين كانت لهم جهات قضائية ملية منظمة حتى 31 ديسمبر سنة 1955 – طبقاً لشريعتهم – فيما لا يخالف النظام العام ” .
والإشكاليات التي تثور في هذا الصدد :
ما هو المقصود بالنظام العام في الأحوال الشخصية ؟
ما هو المقصود بشريعة غير المسلمين ؟
متى تطبق الشريعة الإسلامية على المسيحيين ؟
ما هو المقصود بالجهات القضائية الملية المنظمة ؟
ما أهمية تحديد القانون تاريخ 31 ديسمبر سنة 1955 ؟
ما هي قوانين الأحوال الشخصية والوقف المعمول بها ؟
أولاً : ما هو المقصود بالنظام العام في قانون الأحوال الشخصية ؟
يمكن تعريف النظام العام في الأحوال الشخصية على أنه : ” القواعد التي ينظمها المشرع لحفظ الأمن والاستقرار والسكينة داخل الأسرة باعتبارها أساس المجتمع “. فالأسرة هي أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتعمل الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها، ( المادة العاشرة من الدستور القائم ).
لذلك لا يمكن فصل مبادئ النظام العام عن الدين، وأما الدين المرتبط بتشريع الأحوال الشخصية فهو الدين بالمعنى الواسع، أي مبادئ جميع الأديان السماوية. عملاً بالمادتين الثانية والثالثة من الدستور.
ثانياً : ما هي الشريعة الواجبة التطبيق في الأحوال الشخصية ؟
تثور اشكالية في الواقع تتعلق بالشريعة الواجبة التطبيق في الأحوال الشخصية للمسيحيين، فهل هي الشريعة الاسلامية باعتبارها شريعة أغلبية المواطنين في الدولة أم أن حرية العقيدة التي يحميها النظام العام في الدولة تقتضي تطبيق الشريعة المسيحية على المصريين المسيحيين.؟
وقد حسمت محكمة النقض المصرية هذه الإشكالية وقررت أنه عملاً بالمادة الثالثة اصدار السالفة البيان بالتفرقة بين حالتين :
الحالة الأولى : في المسائل التي تتعلق بجوهر العقيدة المسيحية فتطبق شريعتهم في الأحوال الشخصية استناداً إلى مبدأ حرية العقيدة.
وكمثال لذلك : حظر تعدد الزوجات في المسيحية.
الحالة الثانية : في المسائل التي لا ترتبط بجوهر الشريعة المسيحية – سواء نظمتها شريعتهم أم لا – فتطبق الشريعة الاسلامية، باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع .
وكمثال لذلك توحيد سن الزواج أو سن الحضانة بين المصريين جميعاً.
ثالثاً : شروط تطبيق الشريعة الإسلامية على المسيحيين :
ذكرت أن قواعد النظام العام والمبادئ الدستورية تقتضي احتكام المسيحيين لشريعتهم في الأحوال الشخصية وهي تتمثل في القواعد الموضوعية الواردة في لائحة 1938 بالنسبة للأقباط الأرثوذكس إلا أن هناك اشكالية تتعلق بحالة اختلاف الملة أو الطائفة بين الزوجين فهل يمكن تطبيق لائحة الأقباط الأرثوذكس على زوجة أصبحت انجيلية قبل تاريخ رفع الدعوى، أجيب على هذا التساؤل بالنفي فلا يمكن تطبيق الشريعة الأرثوذكسية أو حتى الانجيلية في هذه الحالة، بل تطبق الشريعة الإسلامية والتي تجيز الطلاق بالإرادة المنفردة دون تعدد الزوجات لاتصالة بجوهر الشريعة المسيحية.
لذلك فإن القاعدة الثابتة في هذا الشأن هي تطبيق الشريعة الاسلامية على المسيحيين في حالة اختلاف الملة أو الطائفة بمفهوم المخالفة من نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة اصدار من القانون رقم (1) لسنة 2000
رابعاً : قصر تطبيق القاعدة على الطوائف الموجودة بمصر قبل 31 ديسمبر 1955 :
وهذه المسألة شائكة في الحياة العملية فكثير من قضايا اثبات الطلاق يتم رفضها في المحاكم ويعتبر غير المتخصصين أن السبب يرجع إلى تعنت القضاء أو عدم رغبته في تطبيق الشريعة الإسلامية على المسيحيين ارضاء للكنيسة، إلا أن هذا النظر يفتقر إلى الدقة والموضوعية، ذلك لأن القاضي لا يحكمه إلا القانون، والكنائس لا تعارض الطلاق والخلع من الناحية المدنية طالماً أن الزواج الثاني بعد الطلاق والخلع لا يخضع إلا لشريعتها وقوانينها الخاصة.
والسبب في رفض دعوى الطلاق أو الخلع لمختلفي الملة أو الطائفة يرجع إلى عدم صحة شهادات الملة والطائفة ويمكن حصر أسباب رفض الدعوى في الآتي :
يفرق القضاء بين حالة حرية العقيدة في الانتقال من ملة إلى أخرى ومدى امكانية استخدام هذا الانضمام لطلب الطلاق أو الخلع.
يجب أن يكون للطائفة وجود في مصر قبل 31 ديسمبر لسنة 1955 وهذا لا ينطبق إلا على الطائفتين الأرثوذكسية والانجيلية بمللهما.
يجب اعتماد شهادة تغيير الملة من رئاسة الطائفة دون غيرها، لأن المحاكم تستعلم عن تلك الشهادات من رئاسة الطائفة.
هناك عدة طوائف منشقة عن الطائفة الانجيلية، فلا تقبل الشهادات الصادرة منها باعتبار أن القانون لا يعتبرها مستقلة بل يشترط توقيع رئاسة الطائفة الانجيلية وليس رئاسة الطائفة الفرعية.
خامساً: لماذا قصر المشرع اختلاف الملة أو الطائفة على الطائفتين الأرثوذكسية والانجيلية:
لم يوجد في مصر قبل قانون توحيد القضاء إلا ثلاث طوائف بمللهما، وهما الأرثوذكسية والانجيلية والكاثوليكية، فعندما تم إلغاء المحاكم الملية نقل المشرع قوانينهم لكي يطبقها القضاء وكان ذلك بصدور القانون 462 لسنة 1955
يتم استثناء الطائفة الكاثوليكية بمللها بالمادة رقم (17) من القانون رقم (1) لسنة 2000 لأنها طائفة لا تدين بالطلاق.
سادساً : شروط قبول دعوى إثبات الطلاق والخلع للمسيحيين في حالة اختلاف الملة أو الطائفة :
اللجوء أولاً لمكتب تسوية المنازعات الأسرية بالمحكمة المختصة.
أن يكون اختلاف الملة والطائفة قبل رفع الدعوى.
أن يستمر هذا الاختلاف حتى صدور حكم في الدعوى.
أن تكون الشهادة صادرة من رئاسة طائفة لها وجود قانوني في مصر قبل سنة 1955
أن تراعى الشروط الموضوعية لإثبات الطلاق والخلع، مثل يمين الطلاق، رد مقدم الصداق.
عدم التعرض في الدعوى إلى إساءة العشرة أو الخلافات الزوجية أو محاضر الشرطة، فهذه الأمور تعتبر خارج موضوع الدعوى.
أن يكون سبب الانضمام لطائفة أخرى هي حرية العقيدة وليس رغبة في الطلاق أو الخلع. لأن هناك فرق بين أسباب الدعوى وشروطها.
يمكن اختصام رئاسة الطائفة المنضم إليها في الدعوى.
لا يشترط موافقة الطائفة المنتقل منها أو أخطارها.