محاولات لتطوير أدمغة بشرية كاملة في المختبر
تواصل الباحثة مادلين لانكاستر العمل على إنماء 300 دماغ في معملها. الصحفية العلمية لموقع ( بي بي سي ) زاريا غورفيت تعرض لنا جانبا من تجربة لتطوير أدمغة بشرية داخل المختبر.
تقول لانكاستر، التي تترقب خروج جنينها إلى النور، “إنها تبلغ من العمر الآن ستة أو سبعة أشهر”، ولم تكن لانكاستر تشير إلى جنينها، بل إلى الأدمغة المصغرة التي تنميها في معملها، والتي وصل حجمها عند هذه المرحلة إلى أربعة ملليمترات.
وتنّمي لانكاستر بضع مئات منها، ويتضمن كل دماغ نحو مليوني خلية عصبية.
تجرى التجربة في معمل أحياء جزيئية جديد تابع لمجلس البحوث الطبية في كامبردج، وهو عبارة عن مجموعة من المعامل ذات الواجهات الزجاجية، التي تضم معدات متطورة والكثير من الممرات التي تبدو كأنها تمتد لأميال عديدة.
ولم يكن هذا المبنى محاطًا بستار من السرية، بل يضم هذا المبنى الذي بلغت تكلفة بنائه 212 مليون جنيه استرليني، عددًا من المشاريع المستقبلية الجديرة بأن تصبح موضوعات لأفلام الخيال العلمي.
وفي ركن صغير من أركان عالم الأبحاث المثالي الجديد، يعمل فريق مادلين في مهمة عجيبة، أشبه بالسحر منها إلى العلم، فهم يحولون الجلد البشري إلى أدمغة.
تقول ماديلين: “تنمو الأدمغة في المعمل بالطريقة نفسها التي تنمو بها لدى الجنين”. وقد يكون هذا صحيحًا، غير أن البيئة المحيطة مختلفة.
فقد وضعوا الأدمغة في حضانات ضخمة، لتحل محل الأرحام. ولعدم وجود مصدر للدماء، تتغذى هذه الأدمغة التي لا تتصل بجسم بشري، بسائل غني بالمواد المغذية، يتجدد كل بضعة أيام. وبالطبع، لا يحمي هذه الأدمغة جهاز مناعي، ولذا فيجب تعقيم كل شيء بالكحول قبل أن يتلامس معها.
إلا إنها عندما فتحت باب الحضّانة، لم تثر الأدمغة إعجابي كما كنت أظن، فهي لا تعدو كونها كتل عديمة الشكل في سائل وردي شاحب اللون. وقد بدت كحبات الفشار المشبعة بالماء أكثر من كونها مركزًا لتوليد القدرة الفكرية.
بيد أن المظاهر خادعة، ففي الواقع، إن “أشباه الأدمغة” (الأدمغة المصغّرة التي نمت معمليًا)، كما أطلقوا عليها، تشبه أدمغة البشر بشكل مذهل. إذ تنقسم الأدمغة المصغرة، مثلها مثل الدماغ البشري، إلى مادة رمادية اللون، مكونة من الخلايا العصبية ومادة بيضاء اللون، هي النسيج الدهني الذي يتكون من “النهايات العصبية” أو محاور الخلايا العصبية.
كما أن الأدمغة المصغرة، كشأن الدماغ البشرية، تنقسم إلى مناطق معينة، فهي تتضمن القشرة كثيرة التجاعيد (التي يُزعم أنها مركز اللغة والتفكير الواعي)، ومنطقة الحُصين (المسؤولة عن العواطف والذاكرة)، والمخيخ المسؤول عن تنسيق العضلات، والكثير من المناطق الأخرى.
وإجمالًا تعادل هذه الأدمغة في الحجم الأدمغة البشرية للأجنة في الأسبوع التاسع من الحمل
إذن، كيف يمكن الحصول على دماغ مصغّرة؟
في الواقع، تطوير الدماغ ليس صعبًا كما تتوقع، فإذا توافرت لديك بضعة عناصر بسيطة، مع المثابرة على نقع كل شيء في الكحول، يمكنك أن تصنّع دماغًا مصغرًا في غضون شهور.
أولًا، ستحتاج إلى بعض الخلايا، وقد حصل فريق لانكاستر على خلايا من عينات جلد من متبرعين، ولكن يمكنك البدء بأي نوع من الخلايا، مثل خلايا الأنف أو الكبد أو إصبع القدم.
ولأن الخلايا الجذعية فقط هي التي يمكنها أن تنمو في جميع الأنسجة البشرية، فعليك أن تحول الخلايا التي جمعتها إلى بعض الخلايا الجذعية. ولهذا الغرض، استخدم الفريق نوعًا من الأمصال التي تعيد الشباب للخلايا، وهو خليط من البروتين يعيد الخلايا إلى الحالة شبه الجنينية.
وبعد أسبوع واحد، سيصير لديك طبقة من الخلايا يمكن تشكيلها في صورة كرة.
ثم أخذت لانكاستر طبقًا مليئًا بسائل وردي اللون، وتقول: “تستطيع أن تراها هنا، إنها لازالت صغيرة عند هذه المرحلة”. يحتوي كل وعاء على نقطة بيضاء في حجم الفصلة. وتابعت: “وكأنها تريد أن تتطور لتصبح مضغة”.
وفي النهاية تبدأ كل خلية جذعية تتخصص، لتتحول هذه الكرات إلى مجموعة من أنواع الخلايا المختلفة، ومنها خلايا الدماغ.
في البداية، يعتني الباحثون بالخلايا، كما يعتني الأباء والأمهات بالجنين، فيغذونها ويشجعونها على النمو. بعد ذلك تُنقل كرات الخلايا إلى طبق جديد، يمدونها فيه بالقليل من الطعام.
وبسبب قلة الطعام، تموت أغلب الخلايا، وتبقى خلايا المخ، وتقول لانكستر: “هذه الخلايا أقوى من غيرها، وأزعم أن لا أحد يعرف السبب”.
وفي النهاية، تُغلف الأدمغة بطبقة من الهلام. وتقول لانكاستر: “على عكس الهلام الطبيعي، يبدأ هذا الهلام في صورة سائل تصبه في الحضّانة، ويتحول فيها عندما يصبح دافئًا إلى هلام”.
وهذا الهلام يشبه نسيج الدماغ الذي يحيط عادة بالدماغ لدى الجنين، ليقوم بدور الجمجمة، فيشجع الأدمغة المصغرة على النمو بطريقة طبيعية نسبيًا.
وبعد ثلاثة أشهر، سيصبح لديك منتج نهائي حجمه نحو أربعة ملليمترات ويحوي زهاء مليوني خلية عصبية. وتقول لانكستر: “يحتوي دماغ الفأر البالغ مكتمل النمو على أربعة ملايين خلية عصبية فقط، ولذا فإن هذا العدد من الخلايا العصبية سيفي بالغرض.”
وعلى الرغم من أن الأدمغة المصغرة تعجّ دومًا بالنشاط الكهربائي، كلما أرسلت الخلايا العصبية الإشارات إلى بعضها بعضًا، إلا أن لانكاستر لا تعد ذلك إنجازًا كبيرًا من جانبها.