أراء وقراءاتشئون عربيةفلسطين

محمد الضيف اشعل الطوفان وهزَّ الأرض ورحل إلى السماء

 

 

كتب/ إبراهيم المدهون.

ها هو محمد الضيف، الذي جاب الأرض ظلًّا خفيًّا، يتقدّم الآن نحو الأبدية، حيث لا يطاله اغتيال، ولا تنال منه القذائف. رحل الجسد، لكن الروح، تلك التي قاومت بصمتٍ ونطقت بالنار، باقية لا تموت.

 

أُعلن استشهاده في معركة طوفان الأقصى، لكنه كان أحد مهندسيها الكبار، مع يحيى السنوار، في عملية زلزلت المنطقة، وأعادت القضية الفلسطينية إلى الصدارة، محققةً نجاحًا تاريخيًا، حيث قُتل الآلاف من الإسرائيليين، وأُسر المئات، في أكبر عملية منذ احتلال فلسطين.

 

كان فتًى حين حمل البندقية، وحين التحق بركب المقاومين، كانت كتائب القسام لا تكاد تُرى في زحام الزمن، حفنة رجالٍ يسيرون بين الركام، يحملون بنادق صدئة وأحلامًا لا تصدأ. كان الفجر بعيدًا، لكنه، ومنذ أن خطا خطوته الأولى، جعل الليل يخاف من انبثاق الصبح..

 

مرّت الأعوام، وكبُر الفتى، وكبرت معه القسام حتى صارت جيشًا لا يقهر، يواجه الموت بالموت، والدمار بالعزيمة، والحصار بالصبر، حتى أصبح ستون ألف مقاتل يقاتلون عامًا ونصف، صامدين كأنهم الجبال، شامخين كأنهم القلاع.

 

 

لم يكن الضيف مجرد مقاتل، بل كان رفيق المهندس يحيى عياش، الرجل الذي طوّر سلاح المقاومة، فكان دائم السعي مع عدنان الغول ورفاقه لتحويل كتائب القسام إلى قوة عسكرية ذات بأسٍ شديد، حتى بات الاحتلال يحسب لهم ألف حساب.

 

عاش ألف حياة

كم مرة قالوا: “لقد قُتل!”، وكم مرة عاد من بين الركام، يبتسم، ويتحسس موضع الجرح، ثم يكمل المسير؟

2002، 2003، 2006، 2014 … توالت المحاولات، تناثرت الشظايا، سقطت جدران البيوت، وسقط أحبّته شهداء بين يديه، زوجته، بناته ابنه علي، رفاقه الذين سبقوه. لكنه ظل واقفًا، كالنخيل في العاصفة، ينهض من بين الموت كأن الحياة لا تليق إلا به، وكأن فلسطين أبت أن تفقده قبل أن يكتب لها مجدًا يليق بها.

 

رجلٌ رحل، لكنه باقٍ في كل طلقة، في كل خطوة مقاوم، في كل قلبٍ لا يزال يؤمن أن الحرية تستحق التضحيات.

 

 

سلامٌ عليك، يا أبا خالد، يوم نزلت إلى الأرض فارسًا، ويوم صعدت إلى السماء شهيدًا، ويوم تبقى اسمًا لا يزول، ونجمًا لا يأفل، وصوتًا لا يصمت!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.