محو الأمية القرآنية”1″

كتب: هاني حسبو.
مع اقتراب شهر رمضان المبارك يتجدد الحديث عن القران والتفاعل معه وتدبره والاقتراب منه حيث أن رمضان هو شهر القرآن.
في هذه السلسلة نحاول إن نقترب من هذا الكتاب العظيم ونحاول أن نتدبره ونعمل به.
بداية لابد أن نعرف أن المقصود الأعظم من القرآن هو التدبر والعمل به وإلى هذا أشار الله عز وجل في كثير من آيات القرآن:
‘كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب “ص29.
فالانتفاع بالقران يكون بمحاولة تدبره وفهمه والعمل به.
ولتدبر القرآن لابد من استقبال الآيات استقبالاً صحيحا عندئذ ستؤتي الآيات ثمارها وتؤثر في المتلقي التأثير الصحيح.
﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 37]، آدم تلَّقى الكلمات تلقيًا صحيحًا، وبالتالي أثمرت هذه الكلمات وأنتجت التوبة.
إذًا، فالمشكلة هي في كيفية تلقِّي معاني القرآن؛ وبذلك تكون المقدمة:
انَّ المستقبِل -وهو الإنسان- عنده موانع منعته من استقبال القرآن بطريقةٍ صحيحة، وأنك مطالب بالبحث عن ذلك.
فالقرآن أنزله الله ﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ [يونس: 57]، ﴿رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، هدى وبيانًا للناس و﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: 89]، روحًا وفرقانًا، أنزله الله للناس.
أول الخطوات للتعامل الأمثل مع القرآن هو محاولة فهم محتوى القرآن وما يريده الله منك في هذا المحتوى.
ولفهم المحتوى القرآني لابد من معرفة توصيف وماهية الخطاب القرآني.
أول وصف للخطاب القرآني: أنه خطاب يقيني، فمن أوائل ما بدأ به القرآن عندما تفتح المصحف، تجد قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: 2]، هل تتخيَّل أنك تقرأ كتابًا فتجد كلمة فيه: “انتبه، أنَّ ما ستقرأه في هذا الكتاب يقينيات”، إذًا هو ليس نظريات! ليس آراء ووجهات نظر، هل تتخيَّل هذه الصدمة؟!.
عندما دخل موسى عليه السلام على فرعون بطريقة قوية تدلُّ على يقينه: ﴿إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ﴾ [طه: 47]! هل تتخيَّل؟! يدخل على فرعون الملك الظالم الطاغية المتجبر، ويقول له: “أنا قادم لك من عند سيدك!” لم يقل: إنا رسولا ربِّي، بل قال: ﴿إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ﴾ [طه: 47]، إياك أن تمسهم بسوء، فأنا لم آتِ لألهو ﴿قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ﴾ [طه: 47]، أنا جئتك ببينةٍ وآية من سيدك، من ربِّك، فإن أطعتني؛ فلا تخف، ﴿وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾ [طه: 47].
هل تتخيَّل أن موسى عليه السلام يقول ذلك لفرعون أمام الناس؟! هل تتخيَّل الصدمة! ولما كان هذا الخطاب يقينيًا، فماذا أجاب فرعون؟ تخيَّل أن يدخل أحد على ملك ظالم طاغية ويقول له هذا الكلام، فماذا سيكون رده غير أن يطرده ويستنكر كلامه؟! ولكن اليقين الذي تحدَّث به سيدنا موسى أثَّر فيه تمامًا، فقال: ﴿فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى﴾ [طه: 49]؟
وهذا ما حدث لفرعون، حيث قال: ﴿فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى﴾ [طه: 49]، على مَنْ تعتمد؟!
ونفس الأسلوب أيضًا في سورة طه الذي استعمله سيدنا موسى مع السحرة عندما أخافهم، بأن قال لهم: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [طه: 61]، فكانت النتيجة أنهم: ﴿فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ﴾ [طه: 62]، اليقين يُفْقِد مَنْ أمامك الثقة، فيجب أن يكون خطابك خطابًا يقينيًا وهذا مبثوث في القرآن.
فأول وصف للخطاب القرآني هو: أنه خطاب يقيني لا شك فيه، ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: 2]، بداية قوية وقمة الثقة، كأنه يقول: دعك من وهم النسبية -لا أقصد نسبية أينشتاين-.
– فبعض الناس يقولون: “ليس هناك حقيقة مطلقة”.
– “بل هناك حقيقة مطلقة، وهذا هو الحق من عند الله، وهذا الكتاب يهدي للتي هي أقوم، ويهدي للحق ولا ريب فيه”.
– يقولون: “مستحيل نصل للحقيقة”.
– “لا؛ بل نستطيع أن نصل للحقيقة بهذا الوحي”.
هذا الكلام مقتبس من محاضرة للدكتور احمد عبد المنعم بعنوان مميزات الخطاب القرآني.