Site icon وضوح الاخبارى

مسائل متعلقة بصيام الست من شوال

مسائل متعلقة بصيام الست من شوال 1

الحمد لله.. وبعد،

أذكر في هذا المنشور جملة من المسائل المترابطة المتعلقة بصيام الست من شوال والتي يحدث حولها شيء من الجدل كل عام ويلتبس بعضها، وأرجو منكم الصبر على شيء من الإطالة ألجأتني إليه الحاجة ودقة التفاصيل..

 

01- المسألة الأولى:

صيام ستة أيام من شوال مستحب عند جماهير أهل العلم، خلافًا للمالكية ورواية تُحكى عن الإمام الأعظم أبي حنيفة والقاضي أبي يوسف بالكراهة

 

وذهب جمهور أهل العلم لاستحبابها ومستندهم الحديث الذي خرجه الإمامان أحمد ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: [ مَنْ صامَ رمضانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ ستًّا مِنْ شوَّالٍ كانَ كصيامِ الدَّهْرِ ].

قال ابن رجب: وأما العمل به – يعني الحديث – فاستحبه أكثر العلماء، وكرهها الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف .. ثم قال: وأكثر المتأخرين من مشايخهم قالوا لا بأس به. انتهى

 

أما وجه الكراهة عند أبي حنيفة وصاحبه فخشية أن يُزاد على الفرض ما ليس منه مشايهة للنصارى .. بيد أن عامة فقهاء المذهب على خلاف هذا القول.

قال ملا علي القاري: ولا يُكْرَهُ عندنا، وعند الشافعي إِتْبَاعُ عيدِ الفطر بِسِت من شوّال، لقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَامَ رمضانَ ثُم أَتْبَعَهُ سِتاً من شوال كانَ كَصِيامِ الدهْرِ .. وكَرِهَهُ مالكٌ، وهو رِوَايةٌ عن أَبـي حنـيفة وأَبـي يوسف، لاشْتِمَالِهِ علـى التشَبهِ بأَهل الكتاب فـي الزيادة علـى الفروض، والتشبّه بهم مَنْهِي عنه، وعَامةُ الـمُتَأَخِّرِينَ لـم يَرَوْا به بَأْساً.

يعني عامة متأخري فقهاء مذهبهم على خلاف القول بالكراهة.

 

ووجه الكراهة عند مالك أنه نفى العمل بها عن من شاهدهم من أهل العلم، وخشي مع مرور الزمن أن تُلحق برمضان فيظنها الناس فرضًا فيدخل في الدين ما ليس فيه على طريقة رهبانية النصارى.

ورُوي عنه أنه كان يصومها في خاصة نفسه، ولم ينه عنها من أراد فضلها.

قال مطرف: كان مالك يصومها في خاصة نفسه. قال: وإنما كره صومها لئلا يلحق أهل الجاهلية ذلك برمضان فأما من يرغب في ذلك لما جاء فيه فلم ينهه

 

واعتذر عنه ابن عبد البر بكلام نفيس قرأته في الاستذكار مفاده أن مدار الحديث عن عمر بن ثابت المدني وأنه تفرد به ثم قال: وهو من ثقات أهل المدينة .. وهو ممن روى عنهم مالك.

وأرجع الكراهة عند مالك لأحد وجهين:

الأول: أن الحديث لم يبلغه وبقريب منه قال ابن رشد.

الثاني: أنه بلغه وقامت عنده علة تمنع وأن مالكًا يترك أحيانًا عن بعض شيوخه ما لا يتثبت في حفظه له.

ثم قال: وكان رحمه الله متحفظًا شديد الاحتياط في الدين.

 

طبعًا ثمة اعتراضات حديثية أخرى اتكاء على تفرد بعض الرواة وعلى تحسين الترمذي أجاب عنها ابن القيم والسبكي وغيرهما لن اذكرها للاختصار.

وقيد جماعة من متأخري المذهب الكراهة بأمور ككونه ممت يُقتدى به ويعتقدها نافلة لرمضان وغير ذلك.

 

وعمومًا هذه المسألة إحدى المسائل التي استدركها الإمام أحمد على مالك رضي الله عن الجميع.

ورد فقهاء مذهبنا والنووي وجماعة غيره قول المالكية فيها.

ومن ثم يتقوى قول الجمهور باستحباب الصيام فيها إن شاء الله.

 

02- المسألة الثانية:

وهي أهم مسألة في فهم مناطات النزاع بين الأئمة .. ما المقصود بأجر صيام الدهر!

يعني ما المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم في الثواب المترتب: كان كصيام الدهر.

 

الفقهاء مختلفون ابتداءً في الأجر المترتب على الصيام؛ مذهبنا ومذهب الشافعية أن المقصود أن من صامهم ينال أجر ثواب صيام سنة فريضة لا نافلة؛ ولا شك أجر الفريضة أعظم من أجر النافلة؛ ومستندهم في ذلك التفسير الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد: [ صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وستة أيام بعدهن بشهرين، فذلك تمام سنة ].

نص عليه من فقهاء مذهبنا ابن رجب ومن الشافعية ابن حجر وغيرهما.

ومرد ذلك لكون الحسنة بعشرة أمثالها؛ فصوم شهر يعدل صيام عشرة، وصوم ستة أيام يعدل صيام شهرين.

 

فقالوا: إذن الأجر المقصود هنا هو أجر صوم الفريضة؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها في سائر العام، فلو صام ستة أيام في أي شهر تعدل صيام شهرين نافلة، ولو قلنا هنا بالمثل لم يكن هناك أي معنى لورود النص بتخصيص شوال؛ فلما خصص النص شوال وقرنه برمضان وجاء حديث المسند مفسرًا تبين من ذلك أن المقصود الأجر الأعظم الذي هو أجر الفريضة.

 

 

وهذا المعنى يحتمل أن من واظب على صيام الست منذ بلوغه إلى موته= فكأنما صام عمره كله فرضًا والله أعلم؛ وهو معنى عظيم مهيب لمن تأمله!

أي يأني المرء ربه يوم الحساب بصيام دهر كامل، نسأل الله من فضله.

 

وذهب الأحناف والمالكية فيما أفهم من ظاهر كلامهم أن المقصود أجر النافلة وأن ليس لشوال خصوصية وإنما ورد النص به لكونه أيسر على النفس بالصوم بعد رمضان لاعتياد الصوم، ولكونه من باب المسارعة بالخيرات.

وثمرة هذا عندهم: أن لو صام ستة أيام في أي شهر غير شوال= نال أجر صوم الدهر نفلًا.

وتنبه لهذا الفرق جيدًا .. فعليه مدار النزاع في تجويز تأخير صيام الست.

مختارة من قناة أحمد سيف على التليجرام.

 

 

Exit mobile version