مساعد القائد العام للجيش السودانى: البرهان مستعدّ للقتال 100 عام
بلينكن يحض البرهان على المشاركة فى مفاوضات جنيف
كتبت : د.هيام الإبس
تراجع مساعد القائد العام للجيش السودانى، ياسر العطا، عن حديث أدلى به، الأحد الماضى، لتلفزيون السودان القومى، كان قد كشف فيه عن أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أبلغه عبر اتصال هاتفى رغبته فى التنحّى، وطلب منه التشاور مع نائبه الفريق شمس الدين كباشى لنقل السلطة للأخير.
وقال العطا لدى مخاطبته، الثلاثاء، قوات الجيش بمنطقة أمدرمان العسكرية، إن “بعض الناس روّجوا أن الرئيس يريد الانسحاب من الحرب”، موضّحاً أن البرهان قال: “لولا الحرب فإنه سيذهب”، لكن طالما الحرب مستمرة لديه الإرادة للقتال 100 سنة.
وكان العطا ذكر فى المقابلة التلفزيونية أنه تمكّن من إثناء البرهان عن التنحّى، والاستمرار فى الحرب إلى حين القضاء على “قوات الدعم السريع”، على حد قوله.
تجهيز مقر لقيادة العمليات
وأضاف العطا أن القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، طلب منه تجهيز مقر له فى أمدرمان؛ لأنه سيأتى بنفسه لقيادة العمليات، واصفاً تلك الخطوة بأنها ردّ على من يُطلقون الشائعات من أصحاب الأغراض والأجندة غير الوطنية.
وأبدى زُهد قادة الجيش فى السلطة، وقال: هناك من يتّهموننا بالتشبّث بالسلطة لذلك أشعلنا الحرب، موضحاً أن البرهان لم يُشعل الحرب، وتمت مهاجمته فى منزله، يقصد بيت الضيافة بالقيادة العامة للجيش وسط العاصمة الخرطوم.
استمرار الجيش فى الحرب
من جهة ثانية اتَّهَم العطا “قوات الدعم السريع” بالتحالف مع الائتلاف الحاكم سابقاً “قوى الحرية والتغيير”؛ لمنحها الشرعية السياسية والقانونية للانقلاب، بصفتها القوى المدنية الشرعية؛ للاستمرار فى السلطة.
وشدّد مساعد البرهان على أن الجيش مستمر فى الحرب إلى حين تحقيق الانتصار على التمرد.
تغيير فى لهجة الإدارة الأمريكية
بيان يبدو فى ظاهره كالبيانات السابقة الصادرة من وزارة الخارجية الأمريكية يعرض اتصالاً بين وزير الخارجية الأمريكى وقائد الجيش السودانى عبد الفتاح البرهان، للتشديد على ضرورة مشاركة القوات المسلحة فى محادثات سويسرا، لكن الناظر فى تفاصيله سرعان ما يتفاجأ بتفصيل مهم.
فــ “البرهان”، الذى لطالما عرفت عنه الإدارة الأمريكية منذ انقلاب 25 من أكتوبر 2021 بـ”قائد القوات المسلحة”، تم التعريف عنه فى البيان هذه المرة على أنه “رئيس مجلس السيادة”، فى تغيير لافت فى لهجة الإدارة الأمريكية فسّره البعض على أنه تودد من قبلها لإقناع البرهان بالمشاركة فى المحادثات التى تسعى الولايات المتحدة جاهدة لعقدها فى 14 من الشهر الحالى.
تغيير رمزى مهم
يصف كاميرون هدسون، كبير الموظفين السابق فى مكتب المبعوث الخاص إلى السودان، التغيير فى التوصيف على أنه “تغيير رمزى مهم من قبل واشنطن”، ويفسر فى تصريحات لـه قائلاً: “إنه يمنح البرهان والقوات المسلحة السودانية أمراً طالما طالبوا به منذ البداية، وهو الاعتراف بأنه لا يزال يمثل السلطة السيادية فى البلاد، وأنه ليس مجرد طرف آخر فى الصراع على قدم المساواة مع (قوات الدعم السريع)”.
تحفيز ضرورى للقوات المسلحة
ويوافق ألبيرتو فرنانديز، القائم بالأعمال السابق للسفارة الأمريكية فى السودان، على تقييم هدسون، فيقول : إن هذا الاعتراف الأمريكى بالبرهان “يهدف إلى إظهار أنه يتعدى كونه طرفاً من طرفى الحرب الأهلية، ويتماشى مع نظرة الجيش لنفسه بوصفه مؤسسةً فريدة تمثل الأمة وتحميها”، مضيفاً: “لقد كان هذا تحفيزاً ضرورياً للقوات المسلحة لحضور المحادثات؛ لأنه يعد نوعاً من المكافأة الملموسة”.
ويعرض البيان تفاصيل الاتصال بين البرهان وبلينكن فيقول إن وزير الخارجية الأمريكية “شدد على ضرورة مشاركة القوات المسلحة السودانية فى المحادثات على وقف إطلاق النار فى سويسرا”، مؤكداً أن “الدمار والخراب اللذين شهدتهما البلاد منذ أبريل 2023 دليل على أن عقد محادثات وطنية على وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع، وتجنب انتشار المجاعة، واستعادة العملية السياسية المدنية”.
ضرورة معالجة شواغل الحكومة السودانية
من جانبه، قال البرهان فى وقت لاحق على منصة “إكس”: “تلقيت اتصالاً من وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، تحدثت معه عن ضرورة معالجة شواغل الحكومة السودانية قبل بدء أى مفاوضات، وأبلغته بأن (الميليشيا المتمردة) تحاصر وتهاجم الفاشر وتمنع مرور الغذاء لنازحى معسكر زمزم”.
الانسحاب الشامل ووقف التوسع
ورداً على دعوة حديثة لحضور مفاوضات جنيف، قالت الحكومة السودانية إنها “أوضحت أن أى مفاوضات قبل تنفيذ إعلان جدة، الذى ينص على الانسحاب الشامل ووقف التوسع، لن تكون مقبولة للشعب السوداني”، لكن الحكومة طلبت عقد اجتماعات مع مسؤولين أمريكيين لمناقشة جدول أعمال المحادثات.
ومن المتوقع أن تكون محادثات جنيف، التى وافقت “قوات الدعم السريع” على حضورها، أول محاولة كبرى منذ أشهر للتوسط بين الجانبين المتحاربين لإنهاء الحرب المستمرة منذ 15 شهراً.
انعقاد المحادثات ورقة أخيرة
تشديد واضح على أهمية عقد المحادثات التى تراهن عليها الإدارة الأمريكية بوصفها ورقةً أخيرة لحل الأزمة ووقف إطلاق النار فى بلد يعانى من أزمة إنسانية مستشرية، وصلت إلى حد المجاعة، لكن انعقادها يعتمد بشكل جذرى على موافقة طرفى النزاع؛ أى “قوات الدعم السريع” والقوات المسلحة السودانية، على المشاركة فيها، وهو أمر لم يحسم بعد من جانب البرهان.
ويرى هدسون أن التغيير فى لهجة الخارجية الأمريكية “لا يضمن أن القوات المسلحة السودانية ستحضر المحادثات”، لكنه يشدد فى الوقت نفسه على أنه يحسن من فرص تلك المشاركة.
رغم التفاؤل..النجاح غير مضمون
إلا أن فرنانديز متفائل أكثر بانعقاد هذه المحادثات، فيقول: “من شبه المؤكد أن تنعقد هذه المحادثات”، لكنه يعقّب قائلاً: “رغم ذلك، نجاحها غير مضمون، فالطرفان، وخاصة القوات المسلحة السودانية، يريدان الفوز العسكرى، ومن المحتمل أن تقبل (قوات الدعم السريع) بالتقسيم، وهو ما لا يمكن للجيش قبوله”.
ويفسر فرنانديز قائلاً: “الجيش هو الطرف الأكثر تشدداً، وأعتقد أن احتمالية النجاح الكامل لأى وقف لإطلاق النار وإنهاء القتال والتوصل إلى تسوية سياسية، هى منخفضة جداً، لكن بالنظر إلى أن هذا هو موسم الأمطار، وأن القتال قد تباطأ، فإن احتمال تحقيق نجاح جزئى عبر المحادثات دون نهاية كاملة للحرب، بل وقفة إنسانية، كما فى غزة، لإدخال المساعدات الغذائية الطارئة، كبير جداً”.
من ناحيته، يعدّ هدسون أن نجاح المحادثات هو فى انعقادها فقط، مشيراً إلى أن هناك احتمالات جيدة فى حصول هذا، مضيفاً: “أما على المدى الطويل، فمن الصعب تخيّل كيف سيتجسد النجاح”.