أراء وقراءات

وجه في قاعة الإنتظار

 

جلست منتظرا إقلاع طائرتي في رحلة عودة من مؤتمر احرص على حضوره كل فترة من الزمن .. أطلع على الجديد وألتقي ببعض القمم في تخصصي فأنعم بفسحة من الوقت يعمل فيها عقلي بكل طاقته ونادرا ما يفعل.

انتبهت على صوت يعلن تأخر الاقلاع ثلاث ساعات لظروف خارجة عن إرادة الشركة .. من كثرة السفر اصبحت لا أتأثر كثيرا من تلك الاعلانات .. فكأن الأصل هو الإقلاع في غير الموعد يالإضافة أنه لايوجد من يهتم كثيرا بقدومي والوقت أجازة  من العمل .. والاستمتاع بقاعة رجال الأعمال وما تقدمه من تسهيلات يجعل الوقت يمر سريعا .. وعلى كل الاحوال التأمل والقراءة والاسترخاء ومتابعة المسافرين فن اجيده في تلك الاحوال ..

إنتبهت لوجه جلس أمامي ايقظني من رحلة بدأتها خارج الزمن لعمر قضي دون ان ادراك . وجه مضي زمن طويل لم التق بمثله .. تمر امامك وجوه لا تترك داخلك أي انطباع .. ويمر امامك وجه يخرج من داخلك في لحظةالكثير من المشاعر والذكريات

ليست جميلة .. بل ذات وجه رشيق مريح .. عينيها بهما بريق لم تطفئه أعوامها الخمسين كما أظن .. ذات أنف ليس بالكبير أو الدقيق بل يتناسب مع حجم وجهها فيكمل بهائه .. خمرية اللون .. تعطيك إنطباع مبدئي بقوة شخصية و حزم مع قدرة على القيادة .. أخرجت كتاب وبدأت في تصفحه مع قلم يدون ملاحظات في ورق استيكر صغير تقوم بلصقه لتذكر خواطرها.

لم أنتبه لمرور الوقت أو راقبته و أنا أتأمل بتركيز شديد ومضات عينيها التي أخذتني بعيدا .. حيث بيت أحلامي وهو يبني داخله غرفة جديدة تحتويها .. ونقاش يبدأ وعمق و شرارة إبداع .. القهوة تلامس شفتيها فأتذوق رائحتها .. لاأدري مالون شعرها أو ملمسه فحجاب أنيق يحتويه فيزيدها وقاراً ..

أهي ابتسامة مرت أم جزء من ذكريات ومراهقة متأخرة .. فالغرف في مبناي كثيرة كل منها يحتوي قصة سواء قصرت أو طالت إلا إنها تترك بصمات على جدرانها .. تبدأ بإبتسامة و تنتهي بوداع .. كم تمنيت تكرار اللقاء ؟ ولكن غرف قصري ذات أبواب مصفحة إن أغلقت يصعب فتحها مرة أخري فتظل داخلها رائحة يصعب زوالها.

الإبتسامة تزداد والكتاب يغلق وصوت عميق يخرج من داخلي يذكرني بأن صوتها ورنينة مازال يعيش معي أتنفسه .. يوم إلتقينا في منزل صديق و بدأت قصة كأمواج الخريف .. تعلو و تصطدم على صخرة لتعاود الصراخ مرة أخري .. وخلال الصراع  رذاذ الماء يضرب وجوهينا و رائحة ملوحة البحر تزكم أنوفنا لتزيلا إحتقان لنعاود الإبتسام ..

أستاذ مهاب .. يشرفني لقائك اليوم .. أخذت يدها لأصافحها وأنتبه لصورتي على غلاف كتاب قد أمسكته بيدها الأخري .. بادلتها ترحيبا بترحيب ونظراتي بين الغلاف وعينيها ..

بادرتني .. أعرفك بنفسي .. أنا إبتهال المصري .. مقيمة بالخارج .. وحضرت المؤتمر الذي شاركت فيه بكلمة لمست الكثير من إهتماماتي فاشتريت كتابك أتصفحة و أنا في زيارة لأبنائي .. تأخرت الطائرة فهي فرصة أكمل معك ما بدأت قراءته ..

هل حقا هذا ما قالته أم هي محاولة لفتح باب طال إغلاقه ؟

أبنائك في مصر وتعيشي في غربة بعيدة عنهم

أطلقت ضحكة لا تختلف كثيرا عن روحها البسيطة

أنا جدة أستاذي .. وبعدي عن قبيلتي الصغيرة يزدني قيمة بينهم فالقرب الزائد يطفئ بريقك

ضحكت .. إسمحي أن أقول بريقك يزيده القرب لا البعد تألقاً.. أنا أسف .. ولكني أخذت من بريق عينيك

أستاذي .. هذا البريق قد يكون إنعكاس لألسنة لهب بعضها يحرق داخلي

مشيتك و لباسك وجلستك توحي ببريق توهج لا بريق ألم

لعل توهجه من إحتراقة

أستاذي .. هل يمكن أن تبدأ الحياة من جديد و قد أغلقت صفحات مهمة فيها؟

سؤالك يحمل الرغبة في العودة ..

قصت على قصتها بإختصار و أكملنا في الطائرة النقاش

وفجأة .. قلت لها .. إبتهال .. فارق العمر بيني و بينك قليل .. وقلبي به أبواب كثيرة قد أغلقت و قد فتح أمل جديد .. أتتزوجيني

مهاب .. أنا أعرفك منذ سويعات قليلة

قلت .. وأنا أعرفك بطول عمري

وصلت الطائرة …

إبتسم و هو يراقبها تسير بخطي بها رشاقة مستقبلة باب الخروج

 

بقلم المفكر عصام زايد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. رائعة كم من المشاعر المتلاحقه تجعل القلب يخفق لها.. طريقه السرد تشعرك انك موجود معهم في موقع الحدث 😊

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.