الصراط المستقيم

الأنــــدلـــس ..من الفتح والعزة إلى السقوط والحسرة

 مؤرخ أمريكي : أوروبا جلست تتعلم تحت أقدام الأساتذة المسلمين لمدة 500 عام

 تقرير /  إيمان خالد

بلاد الأنــدلـس.. هو الاسم الذي أطلقه المسلمون على شبه جزيرة أيبيريا (اسبانيا والبرتغال حاليًا) عام 711 من الميلاد – 92 من الهجرة، بعدما دخلها “طارق بن زياد” بجيوش المسلمين، لتضم إلى الدولة الأموية وتكون تحت خلافتها عام، وكانت وقتها تعد من أكبر دول العالم ان ذاك واستمر حكم المسلمين للأندلس ما يقارب 770 عاماً، فكانت هذه الفترة تسمى ب (العصر الذهبي للإسلام) بسبب ما وصل له المسلمين من عزة و قوة في كافة المجالات و العلوم و لاهتمامهم بإنشاء الجامعات فأنشأوا جامعة قرطبة الكبيرة و مكتبة المسجد الجامع و التي كانت تضم في خزائنها ما يقارب أربعمائة ألف كتاب في كل صنوف العلم والفنون و أصبحت مدن الاندلس “طنجة و غرناطة و الزهراء و سرقسطة و بلنسية و مالقة و بطليوس و اشبيلية و حي البيازين” منارات للعلوم والفنون والمعرفة.

دخل المسلمون الأندلس فاتحين ليخلصوا أهلها من الجهل والظلم واستبداد الحكام وظلمهم وجور رجال الدين علي حقوقهم وللتخلص من فكر الظلام بقيادة الكنيسة والصراعات الدينية والهرطقة.

 

أوروبا ما قبل الفتح الإسلامي:

قبل دخول الإسلام إلي أوروبا ووصول الفتوحات الإسلامية كانت أوروبا تغرق في الظلام والجهل، فكان الظلم هو القانون الأوحد والسائد فكان الحكم استبدادياً خالصاً والحمام يمتلكون كل الثروات والخيرات يسكنون القلاع والحصون وعامة الشعب غارقون في فقر وعوذ شديدين،

ذكر المؤرخ الفرنسي رينو حال أوربا قبل الإسلام، كانت الأخلاق متدنية وابسط مقومات الحياة منعدمة فكانوا لا يهتمون بالنظافة الشخصية ولا يستحمون في العام إلا مرة أو مرتين ظناً منهم أن الأوساخ التي عليهم إنما هي خير وبركة وكانوا يتركون شعورهم منسدلة على وجوههم.

، حتى لم تكن لهم لغة منطوقة رسمية فكان يتعامل عامة الشعب بالإشارة، وتأتي نساء الميت يقطعن أيديهن ووجوههن بالسكاكين، وبعض النساء المحبات لأزواجهن يشنقن أنفسهن على الملأ، ثم تُحرق الجثة بعد الموت، وتوضع مع الميت.

 

فتح الأندلس.. طارق بن زياد:

أسلم طارق بن زياد على يد “موسى بن نصير” وحسن إسلامه، فتعلم بعد حفظ كتاب الله علوم القرآن والفقه في الدين، وكان فارسًا مغوارًا، وقائدًا محنكًا، وصل بجيوش المسلمين إلى “طنجة” في المغرب فاتحاً لها فتسلم ولايتها و توجهت أنظار جيوش المسلمين بعدها إلى الأندلس ، فعبر طارق بن زياد بسبعة آلاف مقاتل المضيق -الذي مازال يحمل اسمه حتى يومنا هذا- بتكليف من قائده الأعلى والي إفريقيا للخليفة الوليد بن عبد الملك موسى بن النصير، والذي استنجده طارق قبيل معركة وادي برباط فمده موسى بن النصير “بطريف بن مالك” على رأس 5000 مقاتل

لتبدأ معركة وادي برباط في 28 من رمضان بين طارق بن زياد على رأس 12 ألف من المسلمين ضد ملك القوط “لذريق” ومعه 100 ألف من جندي، لتنتهي المعركة بعد ثمانية أيام على نصر ساحق للمسلمين، ومقتل -أو هرب- لذريق ملك القوط، وسرعان ما استغل بن زياد الفرصة لفتح كامل الجزيرة الأيبيرية.

فكان لفتح الأندلس ودخول الإسلام خيرًا كثيرًا للعالم؛ لأنه أحدث تغيرًا كبيرًا في مسيرة العالم كله نحو العلوم ونحو الأخلاق والسلوك العام في التعامل؛ فقد علَّم المسلمون في الأندلس الأوربيين مبادئ السلوك الراقي ونشروا مبادئ الإسلام السمحة ولم يكرهوا أحداً على الدخول في الإسلام 

ما بعد الفتح:

أسس المسلمون دولة قوية وأبدعوا في كافة مجالات العلم والمعرفة في الطب والكيمياء والفلك وعلوم التشريح والعمارة الإسلامية الفريدة التي تركت لنا ارثأ وشواهد موجودة حتى الان، اهتم المسلمون بدور العلم، كالمدارس والجامعات والمكتبات الضخمة، وانتشر علماء المسلمين الذين علموا الدنيا كلها وبقي فضلهم على الإنسانية حاضراً إلى وقتنا هذا منهم (ابن فرناس – أبو قاسم الزهراوي (أكبر جراحي عصره) – ابن حزم في الفلك – أبو عبيد البكري أول الجغرافيين – ابن زهر – ابن رشد – ابن البيطار- ابن زيدون.

 وأخذ طلاب العلم من مختلف بقاع الدولة الإسلامية، ومن غيرها يتوافدون على بلاد الأندلس، كما استقطبت عشرات العلماء والمفكرين كما نشطت حركة الترجمة من وإلى العربية، فيما كثر النساخون الذين دونوا الآلاف من الكتب ونشطت حركة التجارة والأسواق ونقل البضائع.

لم يكن المسلمون هم المستفيدين وحدهم من الفتح، بل كان المسيحيون واليهود من مختلف طبقات الشعب، الذين تعلموا القراءة والكتابة، من المستفيدين من هذه النهضة، اذ تعلم الكثير منهم اللغة العربية، ومن ثم دخلوا الإسلام.

سقوط الأندلس:

كما هو الحال دائما فعند وصول أي أمة أو دولة إلي مستويات من الرقي والتقدم والقوة تعود وتنطفئ أو تختفي مرة أخري كما حدث مع الفراعنة والبابليون وغيرهم، فبعد التماسك والقوة وانتشار العلم والمعرفة في الاندلس ونشاط حركة التجارة انقسمت الدولة إلى 21 إمارة صغيرة ضعيفة لا تستطيع الدفاع عن نفسها وبدأ السقم والضعف ينتشر في سائر الاندلس، ومع تفكك الأمراء والحكام المسلمون وانغماسهم في مجالس اللهو والترف والشهوات وبعدهم عن قواعد الإسلام وبسبب إلغاء الخلافة الأموية وبداية عهد الطوائف

ويقول الدكتور عبد الرحمن الحجي عن هؤلاء الحُكَّام: “وهكذا وجدت في الأندلس أوضاع يحكمها أمراء اتصف عدد منهم بصفات الأثرة والغدر، هانت لديهم معه مصالح الأمة، وتُركت دون مصالحهم الذاتية، باعوا أمتهم للعدو المتربص ثمنًا لبقائهم في السُّلطة، ولقد أصاب الأمة من الضياع بقدر ما ضيعوا من الحظ الخُلقي المسلم، انحرف هؤلاء المسئولون عن النهج الحنيف، الذي به كانت الأندلس وحضارته”.”

في اليوم الثاني من كانون الثاني من سنة 1492م الموافق لسنة 897هـ، قام الملكان الإسبانيان فرديناند وايزابيلا بمحاصرة غرناطة وهي أكبر المدن، مما أدى الى استسلام آخر ملوكها أبو عبد الله الصغير، وبهذا انتهى عصر الوجود الإسلامي في شبه جزيرة أيبيريا، بعد حقبة دامت ثمانية قرون من الزمن.

سقطت الأندلس بحضارتها وامجادها وبدأ تهجير المسلمين من أرضهم وتشريدهم واجبارهم على اعتناق النصرانية ويتم تلقيبهم ب (الموركسيين) و يعاملون معاملة درجة ثانية و حولت مساجد الأندلس إلى كنائس، نصبت “محاكم التفتيش” و تعد محاكم التفتيش الأبشع وقد مورست في هذه المحاكم معظم أنواع التعذيب المعروفة في العصور الوسطى، وأزهقت آلاف الأرواح تحت وطأة التعذيب، وقلما أصدرت هذه المحاكم حكمًا بالبراءة، بل كان الموت والتعذيب الوحشي هو نصيب وقسمة ضحاياها، فمن يقبض عليه مسلمًا عقوبته القتل والتعذيب حتى الجنون، من يتوضأ ويتطهر فهو مسلم وجب قتله، من لا يشرب الخمر فهو مسلم، من لبس ثيابًا نظيفة يوم الجمعة فهو مسلم، من توجه ناحية الشرق في صلاته فهو مسلم وجب قتله.

بلغ ما وقع على المسلمين من قتل واضطهاد بعد سقوط الأندلس ما لم تعرفه البشرية في تاريخها. 

اعتراف المستشرقين بفضل الإسلام علي أوروبا:

فيقول مايكل هارت في كتابه الخالدون مئة وأعظمهم محمد:

لقد اخترت محمداً في أول هذه القائمة ولابد أن يندهش الكثيرون ولكن محمداً هو الإنسان الوحيد الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستويين الديني والدنيوي وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائداً سياسياً وعسكرياً ودينياً وبعد 13 قرن من وفاته فإن أثر محمد عليه السلام ما يزال قوياً

الفرنسى جوستاف لوبون في كتاب حضارة العرب عالمية الحضارة الاسلامية فيقول:

 لم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب فهما مدينان لهم في تمدنهم، وإن هذا التأثير خاص بهم وحدهم فهم الذين هذبوا بتأثيرهم الخلقي البرابرة

ويقول جورج سارتون عن اللغة العربية وعالميتها ودورها في الحضارة الإسلامية:

 حقق المسلمون عباقرة الشرق أعظم المآثر في القرون الوسطى وكانت اللغة العربية أعظم اللغات خلال هذه العصور فلقد كتبت بها المؤلفات القيمة شديدة الأصالة وكان على أي باحث يريد أن يلم بثقافة العصر أن يتعلم اللغة العربية ولقد فعل ذلك الكثير من غير العرب”.

قال المؤرخ الأمريكي مارك جراهام – قنطرة قرطبة :أوروبا جلست تتعلم تحت أقدام الأساتذة المسلمين لمدة 500 عام”

لا نذكر اقوال المستشرقين اعتدادا بأرائهم والإعجاب بها أو للتفاخر بإسلامنا و حضارتنا و لغتنا العربية بل فقط مجرد لفت أنظار المسلمين الي قوتهم و عزتهم و امجادهم السابقة و للتحسر على ما بقي منها ، فمتى يعود المسلمين يداً واحدة و متي يعود للإسلام قوته و عزته ؟!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.