الفن والثقافةالكويت

مشاركة عربية متميزة في أمسية وفاء بعنوان «محمد الشارخ… من الكويت إلى العالمية»

إجماع على أهمية إنجازات الشارخ في مجالات الحاسوب والتكنولوجيا والأدب

الكويت – سيد غريب مجاهد مراسل جريدة وضوح الإخباري

نظمت جمعية الخريجين بالكويت أمسية وفاء بعنوان «محمد الشارخ… من الكويت إلى العالمية»، تم خلالها تكريم الراحل محمد الشارخ، مؤسس شركة صخر، الذي كان له الأثر الكبير في إدخال اللغة العربية في مجال الحاسوب وتطوير البرمجيات العربية. تميزت مسيرته برؤية بعيدة المدى، إذ أسس شركة صخر في الثمانينيات لتقديم حلول تقنية تعزز من وجود اللغة العربية في البرمجيات، مما ساهم في تضييق الفجوة بين اللغات الأجنبية والعربية.

وقال رئيس مجلس إدارة جمعية الخريجين إبراهيم المليفي «قد لا يعرف الكثيرون الجهود التي بذلها الشارخ لخدمة اللغة العربية وما قدمته شركة صخر لبرامج الحاسب، والتي أسسها عام 1982، من خدمات كبيرة في سبيل تعريب هذا الجهاز، وجعل اللغة العربية لغة حيَّة متجددة متطورة متفاعلة تستجيب لكل إنجازات عصرها، وبالتالي فإن أحداً لن يستطيع أن ينكر عطر البدايات العربية التي وضعها الشارخ وفريق عمله، والتي مهَّدت لخطوات أسهمت فيما بعد في نجاح المحاولات الكبيرة التي تُبذل من أجل تضييق الفجوة المعلوماتية بين اللغات الأجنبية واللغة العربية».

مشاركة عربية متميزة في أمسية وفاء بعنوان «محمد الشارخ... من الكويت إلى العالمية» 8مشاركة عربية متميزة في أمسية وفاء بعنوان «محمد الشارخ... من الكويت إلى العالمية» 9 مشاركة عربية متميزة في أمسية وفاء بعنوان «محمد الشارخ... من الكويت إلى العالمية» 10

وقال إن «صخر» عملت على تعريب بنية الكمبيوتر ورقمنة قواعد اللغة العربية (الصرف والنحو)، بعد أن كانت الإنكليزية هي السائدة بحكم الاختراع والتداول والانتشار، مما أهلها للحصول على 3 براءات اختراع من مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع والعلامات التجارية في مجالات: التعرف الضوئي على الحروف، والترجمة الآلية من العربية للإنكليزية، والنطق العربي. واستطاعت «صخر» إنشاء العديد من مراكز التدريب في الدول العربية، والمشاركة في العديد من اللجان المالية والاقتصادية المحلية والدولية.

وتابع، ولما كان الشارخ رجلا لا يعرف الجمود، واصل تأسيس عدد آخر من المشروعات، منها مشروع «كتاب في جريدة» بالتعاون مع منظمة اليونسكو عام 1997، وتطوير برنامج القرآن الكريم، وكتب الحديث التسعة باللغة الإنكليزية، ووضع المعجم العربي المعاصر عام 2019، وهو معجم محوسب يحتوي على 125 ألف كلمة وتركيب، و35 ألف مترادف ومتضاد. وجاء تأسيس مشروع عملاق آخر هو «أرشيف الشارخ للمجلات الثقافية والأدبية العربية» (مجلات العقود الخوالي متاحة للباحثين)، الذي يحتوي على مليوني صفحة، و326291 مقالة، لـ 52203 كتَّاب، من خلال أرشفة 272 مجلة، بلغ عدد أعدادها 15850 عددا.

العزيمة والإرادة والجرأة

وقال فهد الشارخ إن والده لديه العزيمة والإرادة والجرأة في اتخاذ القرار، موضحا أن الراحل أصر بعد الغزو العراقي على الكويت على الاستمرار في مشروع صخر، بعد نقله عبر سيارته إلى خارج الكويت، لتحقيق حلمه في صناعة مشروعه البرمجي في خدمة اللغة العربية.

وبين الشارخ أن الراحل كان سابقا لعصره، حيث أسس مكتبا للأبحاث الخاصة بالبرمجة ومواكبة التطور وتوظيفها لخدمة برامجه في اللغة العربية، مما ساهم في تطوير البرمجيات، مبينا أن عدد مستخدمي مشروعاته اللغوية حاليا 300 ألف مستخدم من مختلف الدول العربية.

وأضاف أن والده كرس جهوده للحفاظ على اللغة العربية، باستخدام التقنية الحديثة، كالتدقيق الإملائي والنحوي والتشكيل والنطق الآلي وحفظ النصوص وكتب الحديث، بالإضافة إلى أرشيف الشارخ الثقافي والمعجم اللغوي الضخم.

مشاركة عربية متميزة في أمسية وفاء بعنوان «محمد الشارخ... من الكويت إلى العالمية» 11
في الوسط الملحق الثقافي المصري محمد عبد النبي

اعتبر الملحق الثقافي بسفارة مصر محمد عبدالنبي أن محمد الشارخ شخصية أثرت في مجال العلم والفكر، وكان له عظيم الأثر في النهوض بالثقافة العربية في مجالات متعددة من الإبداع والتميز في الرؤية العصرية التي سبقت موعدها لخدمة الوطن العربي.

وبين عبدالنبي أن الثقافة في مجال الاقتصاد، التي تمتع بها الراحل، كان لها الدور الأساسي في بناء الشخصية المنفتحة علميا، فقد كان من الداعين إلى دعم خريجي الجامعات من الشباب وتوظيفهم كمتخصصين في مجال الكمبيوتر.

من جانبه، ذكر رئيس تحرير مجلة «إبداع» الثقافية والكاتب الصحفي بصحيفة الأهرام ابراهيم داوود أن «الراحل لديه خصال تجمع بين الثقافة والأخلاق، فمن خلال مزاملتنا له عرفنا مدى ثقافته وحبه للأدب والثقافة»، مبينا أن «الشارخ له دور في تقريب المسافات بين الدول العربية، وكان يلعب دورا كبيرا في التفتيش عن الأصوات الأدبية في مختلف الدول العربية».

مشاركة عربية متميزة في أمسية وفاء بعنوان «محمد الشارخ... من الكويت إلى العالمية» 12
الكاتب الصحفي ابراهيم داود يلقي كلمته

وبين داوود أن الراحل انشغل عن الكتابة لسنوات، لكنه لم ينشغل عن الثقافة ومتابعة ما ينتجه جيله من كتابات وروايات حديثة، مستذكرا زياراته لمصر ولقائه بالأدباء والمفكرين هناك، ومناقشتهم حول آخر الإصدارات التي نشرت.

شهدت الأمسية حضور العديد من الأدباء والمفكرين الذين أشادوا بإنجازات الشارخ في مجالات الحاسوب والتكنولوجيا والأدب. تم التأكيد على دوره في رقمنة اللغة العربية وتطوير برامج مثل القارئ الآلي، المدقّق اللغوي، والعديد من البرامج التعليمية والتثقيفية.

وتعرض جريدة ( وضوح )  مقالين لتأبين الراحل لكل من الباحث والكاتب عبد العزيز بومسهولي والكاتب والباحث حسن أوزال من المغرب

عبد العزيز بومسهولي :محمد الشارخ الرجل الاستثنائي

مشاركة عربية متميزة في أمسية وفاء بعنوان «محمد الشارخ... من الكويت إلى العالمية» 13
عبد العزيز بومسهولي

من الصعب أن تكتب عن شخص من طينة نادرة كمحمد الشارخ، كونه شخصا استثنائيا بامتياز، ومن الصعب الكتابة عنه باقتضاب خاصة إذا كان صديقا بكل ما تمثله كلمة الصداقة من معنى أصيل، لاسيما وأن خيوط صداقته تمتد بعيدا في نسج علاقات ثقافية متينة، تستهدف المساهمة الفعالة ليس فقط في ترسيخ الجسور بين المشرق والمغرب وحسب، وإنما أيضا في المساهمة في تمكين الثقافة العربية عامة من ولوج الفضاء الكوني الفسيح. و لذلك لا نبالغ قط حينما نقول بأن الشارخ رجل استثنائي، لأنه لم يضع قدمه فقط في التاريخ الإنساني الإنساني، بل مكن اللغة العربية من الدخول إلى الكونية عبر بوابة تقنية الكومبيوتر، وهو بهذا الإنجاز التاريخي يكون الشارخ بالفعل مسهما في إحياء اللغة العربية وتمكينها من منافسة اللغات الحية الأكثر تداولا وانتشارا في العالم.

لقد كنت محظوظا بالتعرف على محمد الشارخ الإنسان والمثقف ورجل التكنولوجيا الذي يملك لحسن حظ اللغة العربية منظورا فكريا، جعله يستثمر كل ثروته في استعادة موقع هذه اللغة في المسار الكوني؛ ويعود الفضل في هذه الصداقة إلى المفكر الكبير محمد عابد الجابري، ففي ربيع 1999 تلقيت اتصالا هاتفيا من الجابري يخبرني فيه بزيارة محمد الشارخ إلى مراكش، والتمس مني أن ألتقي معه رفقة بعض مثقفي المدينة، وهكذا ترسخت منذ ذاك الحين علاقة صداقة مازالت متينة لحد الساعة، وكان من بين المثقفين الذين حضروا جلساتنا فيما أذكر كل من المفكر عبد الصمد الكباص، والشاعر عبد الرفيع جواهري، والكاتب والناشر عبد الصمد بلكبير، والشاعرة مليكة العاصمي، والمفكر حسن أوزال، والناقد محمد أيت لعميم، والفنان التشكيلي والفوتوغرافي أحمد بنسماعيل.

تعددت زيارة الشارخ للمغرب ولمراكش التي عشقها بالفعل، والتي تسلم فيها جائزة الرواد من مؤسسة الفكر العربي أواخر نونبر 2004، وقد تسلمتها نيابة عنه ابنته المصون العانود؛ ومع ذلك فقد حضر الشارخ في الأيام التالية لمؤتمر الفكر العربي، حرصا منه على توزيع مجلة “فكر ونقد” التي كان محمد عابد الجابري رئيسا لتحريرها، على المؤتمرين، وذلك لأنه كان داعما لخط هذه المجلة الفكري، ومشجعا لاستمرارها، بهدف نشر الثقافة المغربية والعربية، ولهذا جمعت بين الشارخ والجابري عدة لقاءات في بيت هذا الأخير بالدار البيضاء.

من الخصائص النادرة في شخصية محمد الشارخ، اهتمامه الكبير بالثقافة والفنون وحرصه على الاستماع والاستمتاع بتفاصيل الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية المغربية، وفي ذات الآن قدرته على خلق الدهشة في جلساته، وعبر ذلك اكتشفنا فيه ساردا يثقن بناء المفارقات، وهذا ما ظهر بعد ذلك في منشوراته القصصية والروائية، وبعضها طبع في المغرب، وانعقدت حولها ندوات بالصويرة وطنجة.

والأجمل في شخص محمد الشارخ كونه حريصا على تمتين العلاقات الفكرية، فمن خلاله تمكنت شخصيا رفقة صديقي عبد الصمد الكباص من عقد علاقات واسعة مع المثقفين في في مصر وتونس، وبفضل مبادرته تمكنا من حضور مؤتمر جمعية الفكر العربي المصرية الذي عقدته ببيت الحكمة في تونس في فبراير 2005.

باختصار شديد، إذا كان للشارخ من خاصية، فهي كونه شخصا استثنائيا قلما يجود التاريخ بمثله، لا سيما في هذا الزمن الذي أضحى فيه الرأسمال داعما للتفاهة والاتجار في بؤس الشعوب.

حسن أوزال :الصديق “محمد الشارخ” باعتباره حدثا عربيا بامتياز

 

يكاد الحديث عن محمد الشارخ لا يستقيم بنظري دون استحضاري لتلك اللقاءات النادرة و الرائعة التي لقتني بالرجل منذ بداية الألفينات ، حيث جمعتني الصدف به لأول مرة في إطار دعوة موجهة لي من أجل المساهمة في ندوة  ثقافية  تخص مجموعته القصصية بعنوان :”عشر قصص”.

هكذا إذن ساقتني الأقدار لمجالسته ذات مساء جميل  بمطعم “طاروس بالصويرة” حيث تعشينا سويا بحضور زوجته موضي الصقير أم فهد كما يحلو له أن يناديها و كان برفقتي عندها أيضا الصديق الشاعر عبد الحق ميفراني .

لقد كان اللقاء شيقا للغاية لا من حيث نوعية الضيوف و روعة الفضاء فحسب بل أيضا جراء النغمات الموسيقية الممتعة  التي كانت تتخلل حواراتنا المتشعبة حينها و التي دارت على ما أتذكر حول الإبداع و هوس الكتابة وما بوسعه أن يجعل الفلسفة تتقاطع مع الرواية و إدمان سبك القصص و غيرها من المواضيع.

ولعل من  بين محاسن  هذا اللقاء الأول بالمناسبة، ما خلفه في أنفسنا من أثر جميل تكلل بتحفيزي على استثماره  فكريا فيما بعد ، حيث انتهيت إلى كتابة بحث بعنوان “هوس الكتابة” شكّل كفقرة من بين فقرات أخرى  صلب  مؤلفي الصادر عام 2013 عن دار إفريقيا الشرق “منطق الفكر و منطق الرغبة” .

و قد حاولت فيه ما أمكن أن أفكك شفرات  هوس الكتابة باعتباره ما يؤسس لنوع من العلاقات المُحطِّمة للفوارق الطبقية و المُبدِّدة للتفاوتات الإجتماعية جاعلة كما تساءلت حينها الأثرياء يُنصِتون لأندادهم الفقراء. ذلك أن فضل هذا النزوع للكتابة حدّ الهوس إن كان يتجلى في شيء ما فإنما يتجلى  على ما يبدو في قدرته على اختراق الحدود الطبقية ليعْقِد صلات متينة بين الناس شريطة أن تكون هي الأخرى عاشقة للحياة ومتذوقة للفنون بشتى أصنافها.

بهذا الشكل إذن يمكنني القول على نحو نتشه و هو يستحضر غوته :”إن سي محمد الشارخ هو آخر عربي أكِنُّ له تقديرا و احتراما كبيرا…” وذلك لاعتبارات عدة . أوّلها كونه “رجل كامل « un être intégral » بكل ما ينطوي عليه هذا الوصف من معنى. ذلك أن “سي محمد”  فضلا عن كونه قاص متميز و روائي متمكّن،  فهو أيضا و كما لا يخفى على جل أصدقاءه  من المولعين كثيرا بالموسيقى و المسرح و الغناء و التلحين .

لنقل إذن أنه  بقدرما كان يحيا حياة الأناقة و الغندرة بتعبير بودلير il vit en dandy بقدرما كان يجد نفسه مهووسا بالأدب حدّ الجنون و متورطا في الفن حتى الثمالة. هذا على الأقل ما عرفته  عن كثب عن هذا الرجل الذي يملك أكبر مكتبة سينيمائية تحوي أعظم الأفلام العالمية ناهيك عن توفره على سلسلة من اللوحات الفنية النادرة لرسامين عرب و أجانب.

و على مقاس ما أورده  مُحِقا ، صديقنا المشترك “ابراهيم داوود” ، ألاحظ بدوري كذلك  أن الشارخ من طينة أولئك الذين يتركون أعمالهم التجارية جانبا و يدعون أشغالهم المقاولاتية الربحية من أجل أن يحضر “أوبيرا” في فيينا أو أن يقرأ رواية جميلة حديثة  الصدور أو أن يمتطي الطائرة لزيارة الأصدقاء بشكل مباغث.

ولعل آخر لقاء جمعني به بمراكش ذات ليلة بمطعم “السلام” بجليز أنا و صديقَيَّ عبد العزيز بومسهولي و عبد الصمد الكباص ،يؤكد هذا الأمر السالف الذكر و يعضده حيث لا يسألنا “سي محمد” إلا عن الإبداع و ما استجد  في الساحة الثقافية من مؤلفات فكرية قبل أن يفاجئني شخصيا، كقارئ حصيف ، باستشكال ماركسي يتعلق بمقال لي منشور في مجلة عربية.

إن للرجل عين لا تنام و يتمتع بذاكرة قوية لا تضاهى ، جعلته يحظى باحترام عز نظيره بين كل أصدقاءه و معارفه .لذلك ربما  وغيره أحتفظ  للشارخ بهذا الود الكبير كصديق ظل منصفا مع ذاته حتى في لحظات الظلم و عاش متواضعا بالرغم من كونه المزهو بنفسه. و على حد تعبير “بتهوفن” الذي عشق موسيقاه حتى الثمالة أجرؤ على القول أن “سي محمد” دائما ما كان في قرارة نفسه يعتقد “على أن كل إنسان خطاء لكن على نحو مختلف عن الآخرين”.

لعل استفراده بهذه الخصال التي نادرا ما تجتمع في إنسان واحد، هو ما دفعه إلى التشبث بالصداقات أكثر من التشبث بالمال و رجال الأعمال. و خلافا حتى “لبتهوفن” نفسه ،يمكنني أن أضيف على أنه دائما ما كان يتحدث عن الفن و الأدب و الفكر أكثر من حديثه عن المال .

ولئن كان قدر الرجل  إذن  هو أن يعيش مكتملا وغير منقوص من أي شيء كما أوردت فذلك ليس لأنه  لم يدع غريزة الإمتلاك تُسمِّم حياته  فحسب بل أيضا لأنه  كان يُغَلِّب عليها نزعة الوجود. يتبدى هذا الأمر من خلال تلك الزيارات المتكررة التي يحط فيها الرِّحال بمدينة مراكش  ، حيث يفاجئك بدعوة للعشاء بالمامونية أو بمطعم السلام بجليز دون سابق إنذار.

وما أن تشرع في مجالسته حتى تغمرك رقة الرجل و خفة دمه إذ لا يمل المنصت إليه  من حكاياته و طُرفِه التي تنساب كالنهر قولا قبل أن تُدَوَّن  على الورق حبرا و مِدادا . هذا من جهة أولى أما ثاني الإعتبارات التي جعلتني أحترمه احترام نتشه للشاعر غوته، فتعود بنظري إلى كونه بالفعل “حدث عربي” un événement arabe بامتياز .و ذلك ليس فحسب لتمويله للعديد من المشاريع الثقافية في الوطن العربي ،بدءا بمشروع “كتاب في جريدة” مع اليونسكو عام 1997 وصولا إلى مساهمته في دعم مركز دراسات الوحدة العربية و المنظمة العربية للترجمة ،بل أيضا جراء تلك الخدمة الجليلة التي قدّمها للغة العربية من خلال تشييده لشركة “صخر” التي حصلت على ثلاث براءات اختراع من مكتب البراءات الأمريكي في حقل اللغة العربية للنطق الآلي و الترجمة الآلية و المسح الصوتي.

وخلافا لدعاة التعريب و المتعصبين مجانا للغة الضاد، يجب على المرء  أن يتحلى بقدر وافر من الحصافة ليلاحظ كيف مضى “الشارخ” بعيدا جراء عشقه للغة العربية و غَيْرتِه عليها أكثر من أي كان حيث لم يكتف بالإبداع فيها روائيا و فنيا فحسب ،بل تجاوز ذلك، حدّ إقدامه على  تحويل قواعد اللغة العربية و تصريفها إلى “Binary system ” في خضم علم جديد حديث النشأة حينئذ هو علم معالجة اللغة الطبيعية الذي يستعين بتقنيات الذكاء الإصطناعي .

فبادر الشارخ حينها باستقدام إحدى المتخصصات البريطانيات في البرمجيات لتفيدنا في هذا العلم الجديد الذي لم يكن يُدرَّس في الجامعات العربية. وعلى هذا النحو استطاع “سي محمد”  لوحده ، أن يقيم  أرشيفا للمجلات العربية يضم حوالي مليوني صفحة من الصحف و المجلات الأدبية (لقد ضم مشكورا مجموعة من مقالاتي المنشورة ببعض المجلات العربية إلى هذا الأرشيف الضخم )فضلا عن المعجم المعاصر للغة العربية الذي يتكون في نسخته الأولى من 125 ألف معنى و تركيب تحت 80 ألف مدخل و 35 ألف مترادف و مضاد و 150 ألف مثال حديث .

هذا طبعا دون أن ننسى القاموس العربي/ الإنجليزي  الذي ييسر لكل متصفح للجرائد أو الكتب أو البريد الإلكتروني العثور بسهولة على معنى كل كلمة بالعربية و لغات أخرى. لنقل بالأحرى ،أن سي محمد حدث و استثناء في نفس الآن جراء ما يتمتع به من خصال نادرا ما تجتمع  كما أسلفت في غيره من الناس بحيث أنه أنجز لوحده أشياء لم يستطع مئات الرجال مجتمعين أن ينجزوها، فندر حياته خدمة للفن و الإبداع و الثقافة مؤمنا بأن الإنسان لا يخلد إلا من خلال ما يُخلّفه من وراه من أثر جميل ،إذ خلافا للجموع التي لا تصنع التاريخ نلاحظ أن الرجل ابتكر و أبدع في كل مناحي الحياة ،فأعطى شكلا لهذه القوة الإبداعية التي كان ينطوي عليها حتى لا تبقى مخفية و بلا شكل.

و مثل كل عظماء التاريخ يمكنني أن أضيف على أن صاحب رواية “العائلة” كان يصر على أن يمنح الأشياء” شكلا ما ” il informeحتى لا تبقى بـ”لا شكل” sans forme .ذلك ما تعهَّد به معي شخصيا كصديق له دون اتفاق مسبق و على نحو مفاجئ ،ما أنْ أصر ذات عام على طبع قولة لي على ظهر روايته  السالفة الذكر إلى جانب  “شذرات ” ثلة من الكتاب العرب من عيار صبري حافظ و سامي خشبة و فيصل دراج و عبد المالك التميمي .

قولة  ارتأيت أن أختتم بها هذا المقال و هي مقتبسة للذكرى من مداخلة لي بالصويرة  أفردتها لمجموعته بعنوان :”عشر قصص”  كالتالي :”أسلوب السبك و الحكي عند محمد الشارخ يمنح المخيلة إمكانية هائلة للإنفجار، كما لو كان الأمر يتعلق بالحلم”.

 

 

 

 

 

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.