Site icon وضوح الاخبارى

مشهد عبثي:رجال مسلمون يصلّون جنازة جندي يلفّه علم “الكيان الصهيوني ” ما القصة؟

مشهد عبثي:رجال مسلمون يصلّون جنازة جندي يلفّه علم “الكيان الصهيوني " ما القصة؟ 2

متابعة هاني حسبو.

في مشهد عبثي وغير مفهوم لدى كثيرين، وقف مجموعة من الرجال يصلّون جنازة الجندي الإسرائيلي “أحمد أبو لطيف” (مسلم الديانة) في مدينة رهط البدوية جنوب فلسطين المحتلة، حيث كان التابوت الذي يحمل ربما أشلاءه ملفوفاً بعلم دولة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بعدما قُتل مع مجموعة كبيرة من زملائه (24 ضابطاً وجندياً) في عملية مركبة نفذتها كتائب القسام في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، عندما كان يتجهز هؤلاء الجنود لتفجير عدة منازل في أحد أحياء المخيم.

وتزداد عبثية وغرابة المشهد عند تصفح حساب “أحمد أبو لطيف” (26 عاماً) على “فيسبوك”، حيث تجده في صورته الشخصية واقفاً له مع والديه في المسجد الأقصى، إذ ترتدي والدته التي تقف إلى جانبه الزي الفلسطيني “الثوب”، فيما يعتمر والده طاقية الحجاج البيضاء. وتجده أيضاً يضع دعاءً في صورة غلاف صفحته كُتب فيه: “اللهم اجعل همي الآخرة… ولا تأخذنا إلا وأنت راض عنا”!

مشهد عبثي:رجال مسلمون يصلّون جنازة جندي يلفّه علم “الكيان الصهيوني " ما القصة؟ 1

فكيف لشاب مسلم وعربي يدعو الله أن “يجعل همه الآخرة” أن يقاتل مع جيش الاحتلال ويشارك في قتل آلاف الأطفال والنساء من المسلمين في غزة ويفخخ منازلهم ومساجدهم؟ وكيف لمجموعة من المسلمين أن يصلّوا على جنازة ملفوفة بعلم الاحتلال الإسرائيلي ونجمته السداسية؟ الجواب الأوّلي ببساطة: هو أن فكرة الصهيونية الإحلالية لا تعرف ديناً، وقد يكون أتباعها يهوداً ومسلمين ومسيحيين وغير ذلك.

نحاول في هذه السطور الإجابة عن هذا السؤال:

على مدار عقود من الاحتلال وتفتيت المجتمع وتقييد حركته، حاولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة زرع بذور الشقاق بين أوساط السكان العرب لمنع رصّ الصفوف لمواجهة سياسة التمييز التي تنتهجها الدولة ضدهم. ووجد السكان البدو على وجه الخصوص أنفسهم في معزل جغرافياً واجتماعياً عن المواطنين العرب جنوباً في الصحراء.

 

واستخدمت “إسرائيل” وسيلة ناجعة لسلخ البدو عن المسلمين والمسيحيين، تتمثل في الضغط عليهم لأداء الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي مثل الدروز، والعمل كقصاصي أثر في الصحراء لخبرتهم بها، علماً أن أبناء الطائفة الدرزية الصغيرة يخدمون في الجيش منذ وقت مبكر.

 

بناءً على ذلك، أنشأ الجيش الإسرائيلي في عام 1987 “كتيبة البدو”، أو “كتيبة الدورية الصحراوية”، والتي تخدم فيها مجموعة من البدو العرب (الغالبية العظمى) وغيرهم من أتباع ديانات أو طوائف غير اليهودية. في البداية كانت هذه الكتيبة تابعة لقيادة الجبهة الداخلية في لواء الجنوب في الجيش الإسرائيلي، ثم وضعت تحت إمرة قيادة منطقة غزة في الجيش الإسرائيل.

قبل ذلك نشأت هذه الكتيبة كوحدة صغيرة من الجنود البدو المحاربين لشغل مهام الاستطلاع والكشف عن الأثر والمراقبة على حدود قطاع غزة، وسميت بـ”وحدة قصاصي الأثر” في سبعينيات القرن الماضي، ومع مرور الوقت زاد عدد المنتمين لها، وتم دمج وحدة من الجيش الإسرائيلي لها، ليصبح فيها خلط ما بين غير البدو والبدو والمسيحيين، وتتطور إلى ما يعرف لاحقاً بـ”كتيبة البدو”.

 

ويتدرب جنود الكتيبة في قاعدة لواء جفعاتي في كتسيعوت مع بقية جنود هذا اللواء. ومواقع قيامهم بالعمليات العسكرية في قطاع غزة والمناطق المحيطة بالقطاع. وتولت الكتيبة سلسلة من العمليات الحربية في محور فيلادلفيا جنوبي قطاع غزة، بعد اندلاع انتفاضة الأقصى. وقامت الكتيبة بشكل خاص بمراقبة الحدود مع مصر لمنع ما تسميه إسرائيل تهريب السلاح لمنظمات إرهابية. وتمكنت المقاومة الفلسطينية من تسديد ضربات موجعة جداً لهذه الكتيبة، إذ قتلت عدداً من جنودها، ومن أبرز العمليات التي حققت فيها نجاحاً تلك التي جرت في نهاية عام 2004 بالقرب من معبر رفح، وسميت بـ”أنفاق الجحيم”، حينما تمت تصفية خمسة من جنود هذه الكتيبة على يد مقاومين فلسطينيين.

تصف وسائل إعلام عبرية الجنود البدو في الجيش الإسرائيلي بأنهم يعيشون في أوضاع صعبة للغاية، حيث إنهم وجدوا أنفسهم في حالة من النبذ والعزلة هم وعائلاتهم من قِبل المجتمع العربي في النقب، الذي قدم خلال سنوات الانتفاضة الثانية العديد من الشهداء والأسرى المحكومين بمدد طويلة.

 

ومنذ سنوات الانتفاضة الثانية نظّم السكان العرب في النقب حملات عديدة لإرغام المجندين البدو على ترك الخدمة في صفوف الجيش الإسرائيلي، عبر فرض مقاطعة عليهم، ومنع التعامل معهم أو تزويجهم. وفي عام 2001 فشل الجيش الإسرائيلي في توظيف إمام مسلم للعمل في صفوفه، لمساعدة المجندين العرب الذين يخدمون في الجيش، أو حتى الصلاة عليهم بعد مقتلهم.

 

ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك آرييل شارون للاتصال برئيس هيئة السلطات المحلية العربية البدوية في النقب، حسن الهيب، للمساعدة في تأمين إمام مسلم للعمل في صفوف الجيش الإسرائيلي، بعد رفض أئمة المساجد المشاركة في صلاة الجنازة على عدد من الجنود الاسرائيليين العرب وفق الشريعة الإسلامية.

 

في الوقت نفسه لم يستطع هؤلاء الجنود الذين همّشتهم دولة الاحتلال نفسها وأفقرت مناطقهم، الاندماج في المجتمع اليهودي والحصول على وظائف بعد انتهاء خدمتهم العسكرية.

 

فقد كشف تقرير متلفز لقناة “كان” الإسرائيلية، في فبراير 2022، عن تراجع كبير في معدل تجنيد الشباب البدو خلال السنوات الأخيرة. قائلاً إنهم “التحقوا بالجيش ضد رغبة عائلاتهم”، وإنهم “يعانون من العزلة داخل مجتمعهم العربي الرافض لمثل هذه الخطوة”. ويشير التقرير إلى أن الجنود البدو “يلاقون التمييز داخل المجتمع الإسرائيلي، ولا يتم قبولهم في الوظائف التي ظلت حكراً على اليهود” منذ عقود طويلة.

 

وقالت كارميلا مينشا، وهي صحفية إسرائيلية تعمل مراسلةً عسكريةً، إنها تلقت مؤخراً العشرات من الرسائل من قِبل ضباط وجنود بدو بالجيش الإسرائيلي، يشتكون من أوضاعهم السيئة.

 

وبحسب قناة كان، لا يصل الضباط البدو في الجيش الإسرائيلي إلى الدرجات والرتب التي يحظى بها نظراؤهم اليهود، فهم لا يتخطون رتبة عقيد، وتقول مينشا حول ذلك: “أجري الكثير من المحادثات الطويلة مع جنود ومجندات عرب، ليس لديهم نقود، يجب منحهم حزمة مساعدات بعد التسريح، تختلف عن تلك التي يحصل عليها الجنود اليهود”.

وقد يكون خير مثال على هذا التهميش الجندي أحمد أبو لطيف نفسه،  حيث كان أحمد يعمل في وظيفة متدنية، وهي حارس أمن في جامعة بن غوريون في النقب. ونجحت العديد من وسائل الإعلام العبرية خلال الحرب باستخدامه في دعايتها للعالم، بأن المجتمع الإسرائيلي موحد فيما أسمته مواجهة “إرهاب حماس”، وأن “الجيش الإسرائيلي يضم مقاتلين مسلمين مستعدين للموت في سبيل استمرار هذه الدولة”.

 

حيث نشرت “تايمز أوف إسرائيل”، ما زعمت  أن “أحمد أبو لطيف يؤكد إيمانه بالتعايش المشترك بين مختلف المجموعات في إسرائيل”. مضيفاً أنه “يفتخر بأنه بدوي يخدم في جيش الدفاع الإسرائيلي… وأن له الشرف في الدفاع والحماية في خدمة ذات قيمة كبيرة لن ينساها أبداً”.

 

وفي لقاء آخر مع موقع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بعد بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، قال أبو لطيف: “اليوم، غزة مختلفة تماما. هناك منظمة إرهابية لا تفرق بين يهودي وعربي. مجتمعي البدوي، أعطى الكثير للبلاد، أثبتنا من نحن وما هي قيمتنا. قُتل الكثير من البدو. جنودنا في الجيش أعطوا كل ما يملكون للدولة”.

 

بالفعل، أعطى أبو لطيف وأمثاله من الجنود البدويين كل ما يملك وأغلى ما يملك لإسرائيل، وهي روحه التي باعها في سبيل دولة احتلال قاتلت أجداده وسرقت أرضه في النقب، وتركته في براثن الفقر والتهميش، وحتى عزلة ستمتد لأولاده وربما أحفاده بعد مقتله خلال محاولته مع زملائه الإسرائيليين الآخرين، تفخيخ منازل مدنيين عزّل في قطاع غزة، تمهيداً لتفجيرها، والاحتفاء بذلك في مقاطع فيديو على “تيك توك”، لولا أن خرج مقاتل غير معروف يحمل على كتفه قذيفة الياسين (105) في مخيم المغازي، ليحيل أحمد ومن معه إلى قتلى، في أكبر مقتلة لجيش الاحتلال الإسرائيلي في معركته البرية بقطاع غزة.

السؤال الأهم الان:هل يجوز الصلاة على هذا الجندي في مثل هذه الحالة ؟

يجيب الدكتور إياد قنيبي الباحث في الشؤون الإسلامية عن الموضوع برمته بقوله:

‏لا يصح أبداً في الحديث عن الفطيسة الذي هلك أمس ضمن الواحد والعشرين جندياً صهيونياً أن يوصف بأنه “جندي مسلم في الجيش الإسرائيلي”!! ففي هذا معارضة لقول الله تعالى:

قال الله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوْلِيَآءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ). الله يقول: (فإنه منهم)..يعني ليس من المسلمين.

هل نحتاج أن نشرح أن استباحة دماء المسلمين بالقتال جنباً إلى جنب مع الصهاينة الذين يقتلون المسلمين ويهدمون مساجدهم هو قمة التولي؟!

بل إن التولي الذي يخرج صاحبه من دائرة الإسلام يكون فيما هو أقل من ذلك مما هو ظاهر في هذه الأيام بين من باعوا أنفسهم لأعداء الله.

هناك أعمال تُخرج صاحبها من دائرة الإسلام، حتى وإن وضع صورته في الأقصى على بروفايله وكتب أدعيةً وصوَّر نفسه في مساجد المسلمين.

الكفر والإسلام أحكام شرعية، فإياك أن تعارض أحكام الله تعالى من قبيل التكفيروفوبيا!

حرِص الصهاينة على إبراز قصة هذا الفطيسة لتتحول مسألة حكم هذه النماذج الممسوخة إلى مسألة خلافية قابلة للنقاش وإبداء “الآراء”. وهذا مكسب للمبطلين دائماً: زعزعة بالثوابت وهزُّ المقدسات وفتح باب النقاش فيها، حتى تميع مواقف المسلمين وتنكسر حدة عداوتهم لهؤلاء المجرمين.

فاحرصوا على استخدام الألفاظ الصحيحة إخواني..فهذا الفطيسة “يدعي الإسلام” ولا يوصف أبداً بالمسلم. والله المستعان.

 

 

Exit mobile version