مصر التي في خاطري… وملحمة العبور

بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير
مصر التي في خاطري وفي فمي… مصر التي في دمي وفي قلبي… ليست مجرد كلمات غنتها أم كلثوم في واحدة من أروع أغانيها الوطنية، بل هي وعدٌ أبدي بين المصريين ووطنهم هي الحلم الذي ظل يراود الأجيال، والأمل الذي لم يخفت نوره حتى في أحلك اللحظات وعندما نذكر مصر، لا يمكن أن نمر مرور الكرام على السادس من أكتوبر 1973، اليوم الذي استعاد فيه الوطن كرامته، وتحققت فيه أعظم انتصاراته.
من نكسة 1967 إلى عبور 1973
كانت مصر بعد نكسة 1967 جريحة، محملة بآلام الهزيمة، لكنها لم تكن منكسرة جيوشها أعادت تنظيم نفسها، وشعبها أعاد بناء ثقته، وقائدها أعد خطة محكمة للعبور كان العدو يظن أن المصريين لن يقفوا على أقدامهم مرة أخرى، وأن خط بارليف سيظل حاجزًا لا يُكسر لكن المصري، الذي يعرف معنى “الكرامة”، لم يقبل أن يُترك ترابه غريبًا في يد المعتدي ففي قلب كل جندي، كانت كلمات “مصر التي في خاطري” تُردد في صمت “أحبها من كل روحي ودمي”
صيحة “الله أكبر” التي هزّت العالم
وفي ظهر السادس من أكتوبر، ومع دقات ساعة العبور، دوّت صيحات “الله أكبر” من حناجر الجنود وهي تعبر القناة لم تكن مجرد تكبيرات عسكرية، بل كانت صرخة مزلزلة، وإعلانًا بأن هذه الأرض لنا، وأن الدم الذي يجري في عروقنا ليس أغلى من حبة رمل على أرضيها وفي لحظة، تحولت الهزيمة إلى نصر، واليأس إلى أمل، والخوف إلى شجاعة تتحدى المستحيل.
النصر الإنساني قبل العسكري
المشهد لم يكن عسكريًا فقط؛ كان إنسانيًا بامتياز وراء كل جندي على الجبهة، كان هناك أب يرفع يديه بالدعاء، وأم تذرف دموع الفخر والقلق، وزوجة تنتظر بلهفة، وطفل يرسم علم مصر على كراسته الصغيرة لقد كان النصر هدية لشعب بأكمله، لا لجيل واحد فقط، بل لكل الأجيال التي آمنت أن مصر باقية مهما اشتدت العواصف.
وربما أجمل ما في أكتوبر أنه أعاد لمصر صورتها الحقيقية: بلد لا يرضى بالهوان، ولا يقبل أن يفرط في ذرة من ترابه بلد إذا تعرض للألم ينهض من جديد، أقوى مما كان تمامًا، فالنصر لم يكن مجرد استعادة أرض، بل كان استعادة ثقة الأمة في نفسها، وبعث رسالة للعالم أن مصر تستطيع.
مدرسة في الإيمان والإرادة
اليوم، ونحن نستحضر ذكرى العبور بعد أكثر من خمسة عقود، ندرك أن حرب أكتوبر لم تكن معركة عسكرية فقط، بل كانت مدرسة في الإيمان والإرادة علمتنا أن المستحيل كلمة لا مكان لها في قاموس المصريين وأن من يضع مصر في خاطره، لا بد أن ينتصر.
لقد انتصرنا بالسلاح يومًا، لكن معركة اليوم ليست بالسلاح وحده معركتنا اليوم هي معركة البناء والعلم والعمل معركة الحفاظ على هذا الوطن من كل يد تعبث به أو فكر يضلل شبابه وإذا كان الجندي المصري قد ضحى بروحه من أجل أن تبقى مصر حرة، فعلينا نحن أن نضحي بكسلنا ولا مبالاتنا، ونقدم لوطننا جهدًا صادقًا كي تبقى رايته عالية.
عهد يتجدد كل عام
إن ذكرى السادس من أكتوبر ليست مجرد مناسبة نزين بها صفحات التاريخ، بل هي عهد يتجدد كل عام: أن نضع مصر دائمًا في خاطرنا، في قلوبنا، في عقولنا، وفي أعيننا وأن نغني لها بأفعالنا قبل أقوالنا، وأن نثبت للعالم أن مصر التي عبرت الهزيمة قادرة أن تعبر أي تحدٍّ قادم.
وختاما مصر هي الأرض التي وهبها الله الخير، وهي الوطن الذي يستحق أن نعطيه من أرواحنا وقلوبنا كل ما نملك فهي التي في خاطرنا، وستبقى في دمنا إلى الأبد.
السفير د. أحمد سمير
عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة
السفير الأممي للشراكة المجتمعية
رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية