مفهوم الكون الكبير..(10) رؤية إيمانية مقترحة حول أبعاد الكون
بقلم: د.سعد كامل
لعل مفهوم الكون المقترح (انظر مخطط الكون) يكتمل بالتفكر في أبعاد ذلك الكون الواردة ضمن الأحاديث النبوية التي تقدم وصفا تقريبيا للمسافات الكونية، وقد وردت بعض الأحاديث في وصف السماوات عموما وما بينها من مسافات، وكذلك وردت أحاديث في وصف الأرضين السبع. وبناء على تلك الأحاديث النبوية الشريفة ناقش علماء الأمة ومنهم الشيخ محمد بن عثيمين –رحمه الله- الذي قال على موقعه على شبكة الإنترنت: “أن السماوات سبع، جعلهنّ الله طباقاً، وجعل بينهن مسافات. ويدل على ذلك حديث المعراج الثابت في الصحيحين وغيرهما، أن جبريل عليه السلام جعل يعرج بالنبي صلى الله عليه وسلم من سماء إلى سماء، ويستفتح عند دخول كل سماء، حتى انتهى به إلى السماء السابعة.
وكذلك الأرضين هي سبع، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: ﴿الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهنّ﴾، ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين، في قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: “من اقتطع شبراً من الأرض طوّقه يوم القيامة من سبع أرضين”، وهذا يدل على أن الأرضين متطابقة أيضاً، وأن بعضها تحت بعض، وأما البعد بين كل سماء والأخرى فقد ورد في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بُعد ما بين سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، وأن كثافة كل سماء مسيرة خمسمائة عام، والعلم عند الله تبارك وتعالى”.
أبعاد الكون:
ونقف هنا عند التفاصيل المذكورة في أحد الأحاديث حيث جاء في موقع الدرر السنية: أخرج الترمذي (3298)، وأحمد (8828)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (849) واللفظ له وقال فيه انقطاع: روى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نبي الله -صلى الله عليه وسلم- جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب، فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-:
-هل تَدْرونَ ما هذه الَّتي فوقَكم؟ فقالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: فإنَّها الرَّفيعُ: سقفٌ محفوظٌ، وموجٌ مكفوفٌ.
-هل تدرونَ كم بينَكم وبينَها؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: فإنَّ بينَكم وبينَها مسيرةَ خَمسِ مِئةِ عامٍ، وبينَها وبينَ السَّماءِ الأخرى مِثلُ ذلكَ، حتَّى عَدَّ سبعَ سمواتٍ.
-وغِلَظُ كلِّ سماءٍ مسيرةُ خَمسِ مِئةِ عامٍ.
-ثمَّ قال: هل تدرونَ ما فوقَ ذلك؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: فإنَّ فوقَ ذلك العرشُ، وبينَه وبينَ السَّماءِ السابعةِ مسيرةُ خَمسِ مِئةِ عامٍ.
-ثمَّ قال: هل تدرونَ ما هذه الَّتي تحتَكُمْ؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: فإنَّها الأرضُ، وبينَها وبينَ الأرضِ الَّتي تحتَها مسيرةُ خَمسِ مِئةِ عامٍ، حتَّى عَدَّ سبعَ أرَضينَ.
-وغِلَظُ كلِّ أرضٍ مسيرةُ خَمسِ مِئةِ عامٍ” انتهت رواية البيهقي.
أما عن أبعاد العرش المجيد، فقد ذكر الإمام ابن كثير في البداية والنهاية قول محمد بن عثمان ابن أبي شيبة عن بعض السلف: “أن العرش مخلوق من ياقوتة حمراء، بعد ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة”. وجاء عند ابن كثير في تفسير قوله تعالى من سورة المعارج (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)) “أن بعد ما بين العرش إلى الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة، واتساعه خمسون ألف سنة”.
وحدة المسافات الكونية (و م ك):
يقترح البحث الحالي من دراسة هذه النصوص الشرعية وغيرها حول أبعاد الكون مصطلح: ((وحدة المسافات الكونية))، وهي تلك المسافة التي تشير إليها الأحاديث النبوية المذكورة للمسافة بين الكرة الأرضية وبداية السماء الأولى، وهذه المسافة وردت في الأحاديث بأنها مسيرة خمسمائة سنة، ويرى الباحث أن ذلك التعبير يشير إلى أن المسافة كبيرة فقد يكون تعبيرا مجازيا أكثر منه وصفا للمسافة الحقيقية من الأرض التي نعيش عليها إلى البناء السماوي الكبير (أو قد يكون له تفسير آخر، والله أعلم)، وقد ذكر عمري (2004) أن أبعد مسافة تم تسجيلها بواسطة أجهزة الرصد على الأرض وهي المسافة التي يفترض علماء الفلك أنها تمثل الخلفية الراديوية للكون ((وتصل إلى حوالي 10-13 ألف مليون سنة ضوئية))، ذكر عمري أن تلك المسافة وهذه الموجات الراديوية قد تمثل بداية البناء السماوي الكبير… وحيث أن هذه المسافة تمثل نصف قطر الكون المدرك، فإن الباحث الحالي يرى أن وحدة المسافات الكونية المقترحة يمكن اعتبار أنها تساوي نصف قطر الكون المدرك ضمن مخطط الكون المقترح، وعليه يمكن تقدير المسافات الكونية الأخرى بالأخذ في الاعتبار القيمة المذكورة لوحدة المسافات الكونية.
وحتى تتخيل أيها القاريء الكريم الحجم الحقيقي للكون الكبير؟
-نحن نتكلم –والله أعلى وأعلم- عن السماوات السبع في صورة سبع كرات متحدة المركز سماكة كل منها تساوي تقريبا نصف قطر الكون المدرك (أو وحدة واحدة من وحدات المسافات الكونية).
-وبين كل سماء وسماء مسافة تناهز أيضا نصف قطر الكون المدرك (أو وحدة واحدة من وحدات المسافات الكونية).
-وكذلك غلظ كل أرض من الأرضين السبعة، وأيضا المسافة من أرض إلى أرض تمثل أيضا نصف قطر الكون المدرك (أو وحدة واحدة من وحدات المسافات الكونية) استرشادا بما ورد في الأحاديث المذكورة عاليه.
-وتكون المسافة من الأرض التي نعيش عليها إلى أعلى السماء السابعة تناظر ما مقداره 14 وحدة من وحدات المسافات الكونية، أو مسيرة سبعة آلاف سنة.
-في حين أن المسافة من الأرض السابعة السفلى إلى أعلى العرش تصل إلى مائة وحدة من وحدات المسافات الكونية.
-وكذلك اتساع العرش يصل إلى مائة وحدة من وحدات المسافات الكونية، هذا والله أعلى وأعلم.
ولعلك أيها القاريء الكريم تتذكر أبعاد الكون المرئي الذي تدرسه أدوات البحث البشرية، وكيف أن نصف قطره يصل إلى حوالي 10 آلاف مليون سنة ضوئية، ويقترح الباحث الحالي أن هذه المسافة الهائلة يمكن اعتبارها وحدة واحدة من وحدات المسافات الكونية (باعتبار أن الكون المدرك يمثل المسافة بين الكرة الأرضية وبين السماء الأولى وفق فهم بعض علماء الفلك المسلمين للأحاديث النبوية كما ذكر معلمي، 2011) أي أن:
نصف قطر الكون المرئي = وحدة واحدة للمسافات الكونية
فيكون حجم الكون المرئي = 2.415 وحدة حجوم كونية
وبناء عليه يمكن أن نأخذ في الاعتبار الأرقام المدرجة في الجدول (1) للاسترشاد به عند مقارنة أقطار وحجوم مكونات الكون الكبير، وذلك باعتماد الشكل الكروي للكون المدرك، والسماوات السبع والكرسي، مع اختيار شكل رباعي مجسم للعرش وفق النصوص أعلاه واتباعا لما ورد في التفاسير من أن العرش ليس فلكا كرويا بل له قوائم.
جدول (1) ..((لو الجدول غير ظاهر فضلا إضغط على الفراغ أعلى هذا السطر))
-راجع أيها القارئ الكريم هذا الجدول وتخيل كيف أن السماوات السبع والأرضين السبع من هذا الكون الكبير ليست إلا أقل من جزء واحد من مائة جزء حجما من الكون الكبير الذي يمثل العرش العظيم فيه ما يقرب من 100% منه.
-راجع وتذكر أن ما يعرفه البشر من آلاف ملايين المجرات في الكون المدرك ليست إلا أقل من ثلاثة أجزاء من مليون جزء حجما من الكون الكبير، أو 0.00026 % منه.
-راجع واستنتج وتفكر وكن على يقين أن علوم البشر جميعها ليست إلا قطرة في بحور العلم الإلهي.
-راجع وتعالى نقول سويا: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)) كما ورد من دعاء المؤمنين المتفكرين في عظيم خلق الله في نهاية سورة آل عمران.
الخلاصة:
يقدم هذا المقال مفهوما مقترحا للكون من وجهة النظر الشرعية (الكون الكبير)، ويتضمن:
-الكرة الأرضية ويحيط بها الكون المدرك الذي لا يمثل نصف قطره أكثر من 1% مما نعرفه من الكون الكبير، أما من حيث الحجم فلا يصل حجم الكون المدرك لأكثر من ثلاثة أجزاء في المليون من حجم ما نعرفه من الكون الكبير، وعند نهاية ذلك الكون المدرك يقف علم البشر ولا يمكن لهم أن يعلموا عن بقية الكون الكبير إلا من خلال الوحي السماوي.
-ويحيط بالكون المدرك السماوات السبع في صورة قشرات كروية متحدة المركز (وفق نموذج السمان والألوسي، مع أخذ التعديلات المقترحة في البحث الحالي على ذلك النموذج -كما يوضح مخطط الكون المقترح)، ويمثل نصف قطر السماوات السبع والأرضين السبع حوالي 14% من نصف قطر الكون الكبير، أما من حيث الحجم فيمكن القول أن حجم هذه السماوات السبع أقل من 0.75 % من حجم ما نعرفه من الكون الكبير، وهذا يوضح دقة الوصف النبوي من أن كل جزء من أجزاء الكون يمثل حلقة في فلاة بالنسبة لما يعلوه من ذلك الكون الكبير.
-وضمن بقية ما نعرف من ملك الله في الكون الكبير يأتي الكرسي والماء والعرش الذي هو أعظم المخلوقات وأجملها، ولا يقدر قدره إلا الله.
المراجع:
-عمري، حسين (2004): خلق الكون بين الآيات القرآنيّة والحقائق العلميّة، مؤتة للبحوث والدّراسات (سلسلة العلوم الإنسانية والاجتماعيّة)، المجلد 19، العدد 4 ، ص 11 –41 .
-معلمي، خليل (2011) وهم نظرية الانفجار العظيم ووجود الأراضي السبع، (موقع أهل القرآن).
بقلم: د.سعد كامل
أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر
saadkma2005@yahoo.com