Site icon وضوح الاخبارى

مفهوم الكون الكبير.. (18) خلق الكون في القرآن والسنة

مفهوم الكون الكبير.. (18) خلق الكون في القرآن والسنة 3

بقلم: د.سعد كامل 

من الفضل الإلهي أنه سبحانه وتعالى قد ترك لنا الفرصة سانحة للبحث والتنقيب حول نشأة الكون والحياة كما في قوله تعالى في سورة العنكبوت ((قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ …. (20))، ولا شك أن في ذلك مجالات واسعة للتعاون والتكامل بين العلوم الشرعية والعلوم التجريبية، بما يحقق فائدة البشرية من كل من هذه العلوم، وذلك دون تدخل أي منهم في تخصص العلم الآخر إلا بالضوابط العلمية المقبولة من الجميع لإظهار الحق والحقيقة.

آلية لتناول مثل هذه القضايا الشائكة المتشابكة

ولعل البحث الحالي يقدم نموذجا أو آلية لتناول مثل هذه القضايا الشائكة المتشابكة، فالباحث الحالي من أساتذة الجيولوجيا في تخصص دراسة الأحافير الدقيقة، حيث يقوم المتخصص في هذا العلم بجمع العينات الصخرية من طبقات الصخور، ثم يقوم بتحليلها لاستخراج ما تحتويه من أحافير دقيقة تمثل الأزمنة الجيولوجية البائدة، وبعد ذلك يقوم بتعريف الأحافير المستخرجة باعتبارها أدلة تشير إلى العمر الجيولوجي المستنتج منها… وفي ذلك المسار من البحث العلمي يرى المتخصص شواهد تدرج عمارة الأرض بصور الحياة عبر الزمن الجيولوجي، وهذا يعتبر أحد أشكال الانتشار في الأرض للنظر في كيفية بدء الخلق، وقد ذكرنا سابقا ملاحظة النجار (2005) حول عدم دخول ما يرتبط بحقيقة الخلق ضمن آليات البحث العلمي في استقراء الحقائق الكونية بالمشاهدة والاستنتاج، أما في النصوص الشرعية الواردة إلينا ضمن الوحي السماوي المُنَزَّل من عند خالق الكون سبحانه وتعالى فنجد الحقائق اليقينية الأصدق والأعلى من كل النظريات البشرية … فإلى مختارات مما ورد من النصوص الشرعية حول خلق الكون:

الآية (7) من سورة هود:

جاء في مختصر تفسير ابن كثير حول قوله تعالى من سورة هود: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)) “يخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وأن عرشه كان على الماء قبل ذلك، كما روى الإمام أحمد عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((اقبلوا البشرى يا بني تميم)) قالوا: قد بشرتنا فأعطنا، قال: ((إقبلوا البشرى يا أهل اليمن)) قالوا: قد قبلنا، فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان؟ قال: ((كان الله قبل كل شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء))، قال: فأتاني آت فقال: يا عمران انحلت ناقتك من عقالها، قال: فخرجت في إثرها، فلا أدري ما كان بعدي”، قال ابن كثير: “هذا الحديث مخرج في صحيحي البخاري ومسلم بألفاظ كثيرة، فمنها قالوا: جئناك نسألك عن أول هذا الأمر، فقال: ((كان الله ولم يكن شيء قبله، وفي رواية غيره، وفي رواية منه كان عرشه على الماء)).

 

كما جاء في مختصر ابن كثير حول نفس الآية قوله: “وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء))، قال مجاهد: (وكان عرشه على الماء) قبل أن يخلق شيئا، وسئل بن عباس عن قول الله: (وكان عرشه على الماء) على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح”. وقال الإمام الواحدي في الوجيز حول قوله تعالى: (وكان عرشه على الماء) “يعني قبل خلق السماوات والأرض”.

الأية رقم (29) من سورة البقرة:

وجاء حول قوله تعالى في سورة البقرة: (هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ لَكُم مَّافِی ٱلأَرضِ جَمِیعا ثُمَّ ٱستَوَىٰۤ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ فَسَوَّىٰهُنّ سَبعَ سَمَـٰوَ ⁠ت وَهُو بِكُلِّ شَیءٍ عَلِیم) الآية 29، أن هذه الآية توضح أن الأرض خلقت أولا، وذلك باعتبارها الأساس للبناء العظيم (البداية والنهاية لابن كثير)، لكن أي أرض؟ نحتاج لتدقيق معنى الأرض هنا.

الآيات (9) إلى (12) من سورة فصلت:

وجاء في آيات سورة فصلت تفاصيل خلق السماوات والأرض في قوله تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12))، فالآية الأولى تشير إلى أن الأرض خلقت (في يومين)، كما جاء في تفسير ابن كثير، وقال في المختصر: “أنه خلق الأرض أولا لأنها كالأساس، والأصل أن يبدأ بالأساس ثم بعده بالسقف” … ويرى كاتب هذه السطور أن هذه النقطة تحتاج إلى البحث والتدقيق حول المعنى الذي تشير إليه كلمة “الأرض” التي خلقت في يومين، فمن المحتمل أن المقصود هنا ليس الكرة الأرضية، فهل تشير الكلمة هنا إلى الأرضين التي فوق السماوات (بالمعنى الفلكي) أم تشير إلى الأرضين في النصف السفلي من الكون (بالمعنى الاصطلاحي)؟

أما عن قوله تعالى (وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام) فيقول مختصر تفسير بن كثير: “وهو ما يحتاج أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس، وقال عكرمة ومجاهد: جعل في كل أرض ما لا يصلح في غيرها، وهذا القول يشبه قوله تعالى في الآية 34 من سورة إبراهيم: (وآتاكم من كل ما سألتموه)”. وقال المختصر عن قوله تعالى: (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها، قالتا أتينا طائعين): “قال الله تبارك وتعالى للسماوات أطلعي شمسي وقمري ونجومي، وقال للأرض: شققي أنهارك وأخرجي ثمارك”. كما قال عن قوله تعالى: (فقضاهن سبع سماوات في يومين) “أي ففرغ من تسويتهن سبع سماوات في يومين” وفي قوله تعالى: (وأوحى في كل سماء أمرها) “أي ورتب مقررا ما تحتاج إليه من الملائكة ومن الأشياء التي لا يعلمها إلا هو”.

الآية رقم (2) من سورة الرعد:

وعن الآية 2 من سورة الرعد التي تشير إلى بعض مكونات الكون، كما توضح طبيعة خلق الكون من رفع السماوات بغير عمد نراها: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2))، قال مختصر ابن كثير: “يخبر تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه، أنه الذي بإذنه وأمره رفع السماوات بغير عمد، بل بإذنه وأمره وتسخيره رفعها عن الأرض بُعدا لا تُنال ولا يُدرك مداها، فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض وما حولها من الماء والهواء، من جميع نواحيها وجهاتها وأرجائها، مرتفعة عليها من كل جانب على السواء، وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام، ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت، وهكذا إلى السماء السابعة.” فانظر أيها القارئ الكريم إلى هذا الوصف الدقيق لبنية السماوات الذي ذكره الإمام بن كثير منذ سبعة قرون، وانظر إلى التوافق بينه وبين نموذج السمان (2017) لبنية السماوات السبع.

كما أشار الإمام ابن كثير إلى رفع السماوات بغير عمد في قوله تعالى (بغير عمد ترونها) حيث قال: “السماء على الأرض مثل القبة، يعني بلا عمد، وهذا هو اللائق بالسياق، والظاهر من قوله تعالى في سورة الحج الآية 65: (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) فعلى هذا يكون قوله: (ترونها) تأكيدا لنفي ذلك، أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها، وهذا هو الأكمل للقدرة.”، ويجدر بنا الإشارة هنا إلى أن ذلك الاختيار للإمام ابن كثير بعدم وجود عمد في رفع السماوات، هو أحد الآراء مع العلم أن الرأي الآخر يقول بوجود عمد غير مرئية. وعن قوله تعالى: (ثم استوى على العرش) يقول ابن كثير في المختصر: “يمر كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل، تعالى الله علوا كبيرا”.

الأية رقم (30) من سورة الأنبياء:

وعن قوله تعالى في سورة الأنبياء: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30))، يقول مختصر بن كثير: “ألم يعلم الجاحدون لإلهيته العابدون معه غيره، ألم يعلموا أن الله هو المستقل بالخلق المستبد بالتدبير؟ فكيف يليق أن يعبد معه غيره أو يشرك به ما سواه؟ ألم يروا أن السماوات والأرض (كانتا رتقا) أي كان الجميع متصلا بعضه ببعض، متلاصق متراكم بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر، ففتق هذه عن هذه فجعل السماء سبعا والأرض سبعا، وفصل بين السماء الدنيا والأرض بالهواء، فأمطرت السماء وأنبتت الأرض”.

ويقول مختصر تفسير ابن كثير حول قوله تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي): “أي أصل كل الأحياء، وعن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله إنني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني، فأنبئني عن كل شيء، قال: ((كل شيء خُلِق من ماء)) قال قلت: أنبئني عن أمر إذا عملت به دخلت الجنة؟ قال: ((أفش السلام، وأطعم الطعام، وصل الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام)) أخرجه الإمام أحمد وإسناده على شرط الصحيحين، وأخرج ابن أبي حاتم بعضه”.

بين طرائق وطباقا:

وقف الباحث كثيرا عند معاني الكلمتين ((طرائق وطباقا)) عند مطالعة آراء المفسرين التي تتناول معاني صفات السماوات السبع، ففي سورة المؤمنون جاء قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)) وقد جاء في تفسير أضواء البيان قوله: “قيل لها طرائق: لأن بعضها فوق بعض من قولهم: طارق النعل إذا صيرها طاقا فوق طاقٍ وركب بعضها فوق بعض”. فطبقات النعل تكون متلاصقة.

أما كلمة طباقا فقد وردت في موضعين الأول في سورة الملك: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3))، والثاني في سورة نوح: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15))…. فقد جاء في أيسر التفاسير حول آية سورة الملك شرحا قال فيه: “وقوله (الذي خلق سبع سماوات طباقا) هذا ثناء بعظيم القدرة وسعة العلم والحكمة، خلق سبع سماوات طباقا سماء فوق سماء مطابقة لها ولكن من غير مماسة إذ ما بين كل سماء وأخرى هواء وفراغ مسيرة خمسمائة عام فالمطابقة المعادلة والمساواة في الجرم؛ لا بوضع سماء على الأخرى كغطاء القدر.” كما جاء في تفسير ابن كثير قوله: “(الذي خلق سبع سماوات طباقا) أي طبقة بعد طبقة، وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهن على بعض، أو متفاصلات بينهن خلاء؟ فيه قولان، أصحهما الثاني، كما دل على ذلك حديث الإسراء وغيره.”

أما عن آية سورة نوح فقد جاء في تفسير صريح العبارة قوله: “أي متطابقة بعضها فوق بعض، والرؤية هنا علمية إذ لا يُرى بالبصر إلا واحدة، وعُلِّقَتْ بالاستفهام، وعلمهم بذلك من جهة الوحي السابق، أو كانوا منجمين.” فهي سماوات متطابقة، ونلاحظ الدقة العلمية في قوله أنهم يعلمون أن السماوات سبع طباقا من الوحي السابق أو من المنجمين الذين كانوا يتصلون بالجن، فالأساس في معرفة تلك المعلومة ليس العلم البشري ولا الرؤية البصرية لاستحالة ذلك، ولكنها معلومات لا تتوفر إلا من الوحي أو من مصادر غير بشرية.

رفع سمك السماء:

يمكن القول أن مرحلة “الفتق” – المذكورة في الآية 30 من سورة الأنبياء- هي مرحلة انفصال أو رفع السماوات السبع كما في قوله تعالى في سورة النازعات ((أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29))… فيكون الفتق والبناء هو رفع سمك السماوات وتسويتها طبقات متباعدة كروية ما لها من فروج، ويمكن القول أن ذلك الرفع قد يتوافق مع ما يعرفه علماء الكونيات بتضخم الكون منذ 13.7 مليار سنة.

ويرى الباحث أن الاتفاق على تعريف مكونات الكون التي وردت في هذه الآيات الكريمات، وكذلك التي وردت في التفسير من الأهمية بمكان، فذلك التعريف يعتبر مفتاح فهم تفاصيل عملية الخلق، وذلك يتطلب أبحاثا شرعية للفصل في هذه المسألة حتى نضمن صياغة رؤية دقيقة عن خلق السماوات السبع والأرضين السبع، وعن خلق الكون الكبير وفق مراد الخالق سبحانه وتعالى، وغني عن البيان أن ذلك يتطلب تحقيق التكامل المنشود بين جانبي العلم المعاصر الشرعي والمادي.

البناء العظيم أم الانفجار الكبير:

نستنتج مما تقدم حول خلق السماوات السبع والأرضين السبع أن ذلك قد تم بالبناء العظيم الذي  بدأ بخلق الأرض الأولية (شكل 1) التي في مركزها هيكلا مصغرا للكون المدرك وتحيط به أجسام السماوات والأرضين أو الطرائق (الطبقات المتلاصقة كطبقات النعل) التي كانت  أولا في  مراحل  خلق  السماوات السبع، فكما خلق الله تعالى آدم هيكلا خاويا من الطين ثم نفخ فيه من روحه ليكون بشرا سويا، فكذلك يمكن أن يكون بدء خلق السماوات السبع هيكلا كرويا متلاصقا يجمع مادتها بكاملها. وقد تم استكمال البناء العظيم برفع سمك السماوات وفتقها طباقا ليكون بين كل سماء وسماء خلاء، ويمكن أن يكون هذا قد تم بتسخير الملائكة في ذلك الرفع وفي حمل السماوات وحمل الكون كما سيأتي في مقالات قادمة بإذن الله عن دور الملائكة في الكون.

مفهوم الكون الكبير.. (18) خلق الكون في القرآن والسنة 1

شكل (1) ((لو كان الشكل غير ظاهر، نرجو الضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام))

وبناء على ما تقدم ينادي البحث الحالي بنموذج جديد لخلق الكون هو: “نموذج البناء العظيم” سيأتي شرحه في مقال قادم. ولا شك أيها القارئ الكريم أن هذه النقاط تستحق البحث العميق للوصول إلى الحقيقة حول مراحل الخلق، فهل علينا الاستسلام أمام نظرية الانفجار الكبير وجميع ما نتج عنها من مفاهيم وفرضيات؟ وقد أشرنا سابقا إلى إقرار العديد من علماء الطبيعة (مثل: عمري، 2004 أ، ب) بالقبول الكامل لتلك الفرضيات، في حين يعترض عليها الكثير من العلماء أيضا، فهل يجب علينا قبول تلك الفرضيات التي يعترض عليها عدد من العلماء باعتبارها لا تقدم مفهوما يتناسب مع عظمة ذلك الكون الكبير؟ أم أن الوقوف عند القاعدة الشرعية الواردة في قوله تعالى في سورة الكهف: ((مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)) يجب أن يدفعنا إلى البحث عن إجابة شرعية لهذا السؤال؟

الخلاصة:

استعرض هذا المقال عددا من النصوص الشرعية حول خلق الكون تشير إلى أنه في بدء خلق الكون جاء خلق الماء والعرش واللوح المحفوظ، ثم بعد ذلك خلق الله السماوات السبع والأرضين السبع، مع الحاجة إلى بحث ترتيب ذلك خاصة فيما يخص أيها كان أولا: الأرض أم السماوات؟ لكن هذا الترتيب يحتاج إلى تدقيق معنى الأرض المراد خلقها أولا. كما أشارت هذه النصوص الشرعية إلى تقديره عز وجل في كل أرض ما لا يصلح في غيرها وفي كل سماء أمرها، ويقترح الباحث مفهوم الأرض الأولية (شكل 1) حيث كانت هذه الأرض الأولية تضم هيكل السماوات والأرضين متلاصقات (مرحلة الرتق)، ومن ثم جاء الأمر الإلهي برفع سمك السماوات بغير عمد مرئية حيث رفعت عن الأرض بُعدا لا يُنال (مرحلة الفتق).

كما استعرض المقال حقيقة أن الماء أصل كل شيء، وضمن مفهوم نموذج البناء العظيم المقترح في خلق الكون ذكر المقال الطرائق (الآية 17 من سورة المؤمنون) التي جاءت أولا في القرآن الكريم، ثم جاءت الطباق ضمن وصف السماوات تاليا للطرائق (سورة الملك: 3، وسورة نوح:15) فذلك يعطينا إشارة إلى أن الطرائق المتلاصقات كانت أولا في خلق السماوات، ثم بعد ذلك تم رفع السماوات طباقا أي سماء فوق سماء مطابقة لها ولكن غير مماسة، بين كل منها مسيرة 500 عام، وذلك ليس بوضع سماء على سماء كغطاء القدر، مع العلم أن ذلك كله من العلوم التي لا يمكن تحصيلها بالرؤية المباشرة إذ لا يرى بالبصر إلا سماءا واحدة، بل نحتاج في تحصيل ذلك العلم إلى الرجوع إلى الوحي أو إلى مصادر غير بشرية.

المراجع:

-كتب التفسير والحديث الشريف المذكورة في النص.

-السمان، عبد الرحمن (2017): حول بناء السماوات والأرض، رؤية علمية إيمانية. المؤتمر العلمي الدولي الخامس بكلية اللغة العربية – جامعة الأزهر بالزقازيق، (آفاق الإعجاز في القرآن الكريم).

-النجار، زغلول (2005): من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، من آيات السماء الآية 30 من سورة الأنبياء، ص ص 95 – 109.

-عمري، حسين (2004أ): خلق الكون بين الآيات القرآنيّة والحقائق العلميّة، مؤتة للبحوث والدّراسات (سلسلة العلوم الإنسانية والاجتماعيّة)، المجلد 19، العدد 4 ، ص 11 –41 .

-عمري، حسين (2004ب): الأرضون السّبع وتوزيع الصفائح المجرِّيّة الضخمة على نطاق كوني واسع، مجلة كلية المعارف الجامعة – الأنبار- العراق عدد 6، السنة الخامسة.

مفهوم الكون الكبير.. (18) خلق الكون في القرآن والسنة 2

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

Exit mobile version