مفهوم الكون الكبير (28) السماء: الغلاف الجوي والسماوات والكون

الحلقة الثانية: وصف السماء في القرآن الكريم

بقلم: د.سعد كامل 

ناقش المقال السابق معنى ومفهوم السماء، واتضح من المقال تعدد استخدام كلمة السماء في القرآن الكريم: فقد تشير إلى الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية وما ينزل من هذه السماء القريبة من أمطار وأرزاق، ومن ثم قد تأتي كلمة السماء بمعنى السحاب أو المطر، وقد تشير كلمة السماء إلى مكونات الكون الكبرى بدءا من السماوات السبع بمعناها الفلكي الذي يتضمن السماوات السبع والأرضين السبع، أو تشير إلى السماء بالمعنى الاصطلاحي في النصوص الشرعية وهي السماوات العلى باتجاه العرش، كما قد تشير كلمة السماء إلى العرش المجيد.

وقد عرض المقال السابق جدولين لتصنيف الآيات التي جاء فيها لفظ السماء في القرآن الكريم (انظر الجدولين في صورة الغلاف)، ونتوقف في هذا المقال عند بعض المعاني الخاصة بخلق السماء والكون، والمعاني المرتبطة بوصف السماء وما فيها، وذلك في ضوء تفسير بعض الآيات الواردة في الجدول (2) بشكل أساسي، ونسأل الله أن ييسر لنا في الحلقة القادمة استكمال بعض المعاني التي تصف طرفا من حال السماء والكون في الدنيا والآخرة.

آيات حول خلق وأهمية السماء:

تعتبر علوم الأرض والكون من أقدم العلوم البشرية، ويصف الكثير من أساتذة علوم الأرض والكون تلك العلوم بأنها “أم العلوم”، ويشير القرآن الكريم إلى هذه القضية بقوله تعالى في سورة سبأ: (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9))، حيث يقول مختصر تفسير ابن كثير: “أي حيثما توجهوا أو ذهبوا فالسماء مطلة عليهم والأرض تحتهم، وقال قتادة: إنك إن نظرت عن يمينك أو عن شمالك أو من بين يديك أو من خلفك رأيت السماء والأرض”….. لذلك اهتم الإنسان -منذ وجد على سطح البسيطة- بالأرض وبالسماء فتلك العلوم بحق هي أم العلوم البشرية، ولذلك جاء في ختام الآية إشارة قرآنية كريمة بأن إحاطة الأرض والسماء بالبشر فيه آية لكل عبد منيب رجاع يستشعر عظمة الخلق الإلهي من حوله فيهتف قائلا: ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار.

وتأتي الإيماءات القرآنية عن خلق السماء والأرض وما بينهما بالحق وليس لعبا ولا باطلا في العديد من الآيات الكريمة مثل قوله تعالى في سورة ص: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27))، حيث يقول مختصر تفسير ابن كثير: “أي أن الله سبحانه وتعالى ما خلق الخلق عبثا، وإنما خلقهم ليعبدوه ويوحدوه، ثم يجمعهم يوم الجمع فيثيب المطيع ويعذب الكافر”، وتأتي هنا أيضا الكلمات القرآنية في ختام الآية بالتحذير من النار التي خلقها الله تبارك وتعالى في الأرضين –وهي السماوات السبع السفلى من الكون بعيدا عن العرش-، كما جاء في التفسير أن النار موجودة وكذلك الجنة، وقد أشارت هذه السلسلة من المقالات (حول مفهوم الكون الكبير) إلى ذلك ضمن المخطط المقترح للكون (شكل 1)، وكما سيأتي تفصيله ضمن مقالات (القيامة رأي العين) لاحقا بإذن الله تعالى.

مفهوم الكون الكبير (28) السماء: الغلاف الجوي والسماوات والكون 1

شكل رقم (1): مخطط مقترح للكون بمعناه الواسع في العلوم الشرعية، مع وصف موجز لمكونات الكون.

((فضلا إذا كان الشكل غير ظاهر: نرجو الضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام))

ويجب هنا لفت انتباه القارئ الكريم إلى حقيقة أننا نتكلم عن الملأ الأعلى الذي جاء وصفه في سورة الصافات بقوله تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)) حيث جاء في مختصر تفسير ابن كثير أن المقصود بالملأ الأعلى هو السماوات ومن فيها من الملائكة، وأن الشهب والنيازك في السماء الدنيا تحفظ تلك السموات من تجسس شياطين الجن على الملأ الأعلى. وفيما يلي استعراض بعض الآيات التي تتناول خلق السماء وبعض أوصاف السماء:

أ‌)    السماء سقف وبناء:

ذكر الإمام الألوسي في روح المعاني حول الآية 12 من سورة الطلاق أن أبي الحسن الرضا رضي الله تعالى عنه بسط كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها فقال: “هذه الأرض الدنيا والسماء الدنيا عليها قبة، والأرض الثانية فوق السماء الدنيا والسماء الثانية فوقها قبة، والأرض الثالثة فوق السماء الثانية والسماء الثالثة فوقها قبة حتى ذكر الرابعة والخامسة والسادسة فقال: والأرض السابعة فوق السماء السادسة والسماء السابعة فوقها قبة وعرش الرحمن فوق السماء السابعة، وهو قوله تعالى: (سبع سماوات ومن الأرض مثلهن)”، وقد ذكرنا هذا النص في بحث مفهوم الكون بين النقل والعقل (كامل، 2019) على اعتبار أنه يتطابق مع نموذج السمان (2017) لبنية السماوات السبع والأرضين السبع، كما أن هذا النموذج للسمان والألوسي يعتبر –من وجهة نظر كاتب هذه السطور- نموذجا قياسيا لبنية السماوات السبع والأرضين السبع، إلا أن البحث الحالي حول مفهوم الكون الكبير أدخل تعديلات على ذلك النموذج (شكل 1)، أما الآيات التي تتناول وصف السماء بالبناء والسقف فمنها ما يلي:

-الآية 22 من سورة البقرة: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً)، والآية 64 من سورة غافر: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً)، والآية 6 من سورة ق: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا)، والآية 47 من سورة الذاريات: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)، ويأتي تفسير البناء في هذه الآيات بالسقف، أي ان كل سماء تعتبر سقفا لما تحتها، ويمكن القول أن عموم كلمة السماء يشير إلى أن صفة البناء والسقف والتوسع يمكن أن تشمل جميع السماوات حتى العرش، والله أعلم.

-وتأتي الآية 32 من سورة الأنبياء لتشرح ذلك نصا وتفسيرا: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا) حيث يقول مختصر تفسير ابن كثير: “(محفوظا) أي على الأرض وهي كالقبة، والبناء هو نصب القبة، و(محفوظا) أي عاليا محروسا أن ينال”.

-أما الآية 5 من سورة الشمس: (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) فيأتي شرحها في مختصر تفسير ابن كثير بقوله: “يحتمل أن تكون (ما) هنا مصدرية بمعنى: والسماء وبنائها وهو قول قتادة، ويحتمل أن تكون بمعنى (من) يعني: والسماء وبانيها، وكلاهما متلازم، والبناء هو الرفع كقوله: (والسماء بنيناها بأيد –أي بقوة- وإنا لموسعون)”.

-أما رفع السماء أو السماوات فيأتي في الآية 7 من سورة الرحمن: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ)، ويقول مختصر تفسير ابن كثير: “(الميزان) يعني العدل، أي خلق السماوات والأرض بالحق والعدل، ولتكون الأشياء كلها بالحق والعدل”.

-أما آية النازعات: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28))، ففيها حسم ترتيب خلق السماوات والأرض، وذلك بأن السماء –وتشمل أيضا العرش- قد خلقت أولا وتضم السماوات والأرضين السبع المذكورة في مخطط الكون (انظر شكل 1)، ثم يأتي قوله تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها) أي خلقت الكرة الأرضية لاحقا، وقد تمت مناقشة هذه التفاصيل في مقالات مفهوم الزمن وخلق الكون (كامل، 2022؛ المقالات 24 – 26 من هذه السلسلة)؛ كما أن الآيتين 27 و28 توضحان أن بناء السماء أشد من خلق البشر، ويقول مختصر تفسير ابن كثير: “(رفع سمكها) أي جعلها عالية البناء بعيدة الفناء، مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء”.

ب‌)   رفع السماء بلا عمد:

جاء في تفسير ابن عطية حول شرح قوله تعالى من سورة الطلاق: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)) قوله: “لا خلاف بين العلماء أن السماوات سبع، لأن الله تعالى قال (سبع سماوات طباقا) –الملك3/ نوح15- وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهن في حديث الإسراء، وأما (الأرض) فالجمهور على أنها سبع أرضين، وهو ظاهر هذه الآية، وأن المماثلة إنما هي في العدد، ويستدل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين” رواه البخاري”. وقد جاء رفع السماء في الآيات التالية:

-تشير الآية 18 من سورة الغاشية (وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) إلى أهمية نظر العباد إلى ذلك الخلق العظيم وكيف رفع الله تبارك وتعالى السماء بكل مكوناتها ذلك الرفع العظيم؟

-ومن آيات تسوية السماوات سبعا ورفعها تأتي آيات سورة فصلت ببعض التفاصيل: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12))، وقد أشار المؤلف إلى تلك التفاصيل ضمن مقالات مفهوم الزمن وخلق الكون، ومن ذلك أن هذه الآيات جاءت بترتيب إخباري وليس ترتيبا زمنيا (اتفاقا مع كزابر، 2014)، وذلك يؤكد التوافق بين ترتيب الخلق في القرآن والسنة وبين معطيات العلم الحديث الذي يشير إلى أن السماء خلقت أولا قبل الكرة الأرضية. وقد ذكر مختصر تفسير ابن كثير ما يلي: “(فقضاهن سبع سماوات في يومين) أي ففرغ في تسويتهن سبع سماوات في يومين آخرين، (وأوحى في كل سماء أمرها) أي ورتب مقررا في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا الله”.

-وبعد تسوية السماوات ورفعها يأتي الأمر الإلهي بإمساك تلك السماوات حتى لا تقع على الأرض، وذلك في آيتين: الأولى قوله تعالى في سورة الحج: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)) ويقول مختصر تفسير ابن كثير “أي لو شاء لأذن للسماء فسقطت على الأرض فهلك من فيها، ولكن من لطفه ورحمته وقدرته يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه”. ويؤكد ذلك قوله تعالى في سورة الروم: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25))، فسبحان من رفع السماوات وأمسكها أن تقع على الأرض بلا عمد نراها.

ويرى كاتب هذه السطور أن اشتمال كلمة السماء على العرش العظيم يعطينا فرصة للتفكر حول فهم الأمور التي ترتبط بالسماوات وفق ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة حول العرش، فمثلا في ضوء الحديث الشريف التالي: “عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما أن رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم قال: “إنّ ملكا من حملة العرش يقال له: إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله قد مرقت قدماه في الأرض السابعة السفلى، ومرق رأسه من السماء السابعة العليا ” حديث صحيح رواه أبو داوود في سننه ورواه أبو الشيخ وأبو نعيم في الحِلية. نرى في هذا الحديث أن العرش العظيم مرفوعا على كاهل الملائكة، والملائكة كائنات نورانية لا نراها بأعيننا. لذلك يعتبر كاتب هذه السطور ان مبدأ الملائكة تحمل الكون يمكن تأكيده وفق هذا الحديث الشريف، وأنه يمكننا فهم قوله تعالى في سورة الرعد: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا (2)) أن ذلك الرفع يتم بواسطة الملائكة المكرمون الذين سخرهم الله لتنفيذ أوامره في العالمين السفلي والعلوي كما اتفق على ذلك العلماء، وهذا يتوافق أيضا مع قوله تعالى في سورة الأنفال عن أحداث غزوة بدر (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17))، فالآية تتكلم عن نصرة الله لرسوله وللمسلمين وعن دعم الملائكة للمؤمنين، ونرى هذه الآية تنسب الرمي والقتل لله عز وجل بينما ذلك قد تم بأيدي المسلمين أو بأيدي الملائكة.

ج)   بعض وظائف السماء:

السماوات أجسام (أو قشرات كروية سميكة) شديدة الصلابة، ويشير إلى ذلك قوله تعالى في سورة مريم: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90))، نعم كل ذلك لادعائهم أن للرحمن ولدا، ويقول الألوسي في روح المعاني حول تفسير هذه الآية: “يقال: إناء مفطور، ولا يقال ثوب مفطور بل مشقوق، وعليه يكون في نسبة التفطر إلى السماوات والانشقاق إلى الأرض في قوله تعالى (وتنشق الأرض) إشارة إلى أن السماء أصلب من الأرض”. فهيا أيها القارئ الكريم لاستعراض بعض الإشارات القرآنية حول صفات السماء:

-السماء مزينة بالكواكب والنجوم ومتماسكة ليس فيها (فروج) أي شقوق أو صدوع، كما جاء في الآية 6 من سورة ق: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ).

-السماء جميلة ذات حبك كما في الآية 7 من سورة الذاريات: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ)، ويقول مختصر تفسير ابن كثير: “قال ابن عباس: {ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء}، فإنها من حسنها مرتفعة شفافة، شديدة البناء، متسعة الأرجاء، أنيقة البهاء، مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات، موشحة بالكواكب الزاهرات”.

-السماء ذات رجع وفق قوله تعالى في سورة الطارق: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)) وأوضح أنواع الرجع هو المطر، وجاء في التفاسير أنها ترجع رزق العباد، كما أن انتشار موجات الاتصالات تعتبر من أشكال الرجع، وقد ذكر الدكتور زغلول النجار (النجار، 2005) عدة أنواع من ذلك الرجع.

-السماء فيها أعمال وشئون، وذلك وفق قوله تعالى في سورة السجدة: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5))، جاء في مختصر تفسير ابن كثير: “أي يتنزل أمره من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة، وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا، ومسافة ما بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة سنة، وسمك السماء مسيرة خمسمائة سنة. وقال مجاهد والضحاك: {النزول من الملك في مسيرة خمسمائة سنة وصعوده في مسيرة خمسمائة سنة، لكنه يقطعها في غمضة عين”. وقد ذكرنا ضمن المقال رقم 13 من هذه السلسلة (كامل، 2022)، ذكرنا اللوح المحفوظ المكتوب فيه الأقدار قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما جاء في مختصر تفسير ابن كثير عن الآية 4 من سورة الدخان ما يلي: “(فيها يفرق كل أمر حكيم) أي في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق وما يكون فيها إلى آخرها”.

الخلاصة:

إن المتأمل في خلق السماء والأرض وما بينهما يستشعر الحكمة الإلهية في جعل الجنة في السماوات العلى ويستعيذ به عز وجل من النار التي هي في أسفل سافلين (انظر المخطط المقترح للكون، شكل 1)، وقد تم بناء ذلك المخطط انطلاقا من نموذج بنية السماوات والأرضين للسمان (2017) والألوسي (صاحب روح المعاني)، وذلك بالإضافة إلى فهم الباحث للنصوص الشرعية التي تصف السماء أنها سقفا وبناءا وأنها مرفوعة بلا عمد، ويرى الكاتب أن الحديث النبوي حول وصف أحد حملة العرش (والعرش يمثل 99.85% من الكون)، يرى أن هذا الحديث يدعم المبدأ المقترح في هذا البحث أن الملائكة تحمل الكون بما فيه من السماوات وكواكبها ومجراتها وعناقيدها المجرية عوضا عن المادة السوداء.

والسماوات عبارة عن قشرات كروية سميكة شديدة الصلابة، ومزينة بالكواكب، وليس فيها فروج أو شقوق، وهي ذات رجع متعدد الأشكال بما يحقق الكثير من الفوائد والأرزاق للبشر، وفي السماء أعمال وشؤون للخلق تتم بتسخير الملائكة، وتتنزل بينها الأقدار من اللوح المحفوظ للسماء الدنيا، ومن تلك الشؤون ما فيها من جنود وأبواب وبروج جعلها الله لتسيير أمور الخلق في الدنيا والآخرة.

 المراجع:

مراجع التفسير والحديث الشريف المذكورة في النص.

-السمان، ع. (2017): حول بناء السماوات والأرض، رؤية علمية إيمانية. المؤتمر العلمي الدولي الخامس بكلية اللغة العربية – جامعة الأزهر بالزقازيق، (آفاق الإعجاز في القرآن الكريم).

-النجار، ز. (2005): من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم (السماء: والسماء ذات الرجع)، دار المعرفة، بيروت، ص ص 293 – 308.

-كامل، س. (2019):  مفهوم الكون بين النقل والعقل، دار نور للنشر الإلكتروني.

-كامل، س (2022): سلسلة مفهوم الكون الكبير، موقع وضوح الإخباري.

-كزابر، ع. (2014): كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه؛ الفصل (أ20) – محمد الصادق عرجون.

.

مفهوم الكون الكبير (28) السماء: الغلاف الجوي والسماوات والكون 2

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

Exit mobile version