البحث العلمى

مفهوم الكون الكبير … (30) الأرض أو الكرة الأرضية

الحلقة الأولى: معنى كلمة الأرض

 بقلم: د.سعد كامل 

تاريخ الأرض يحقق آمال التكامل بين العلوم الشرعية والمادية:

في بداية اهتمام الباحث بقضية مفهوم الكون في الإسلام، كان في حيرة من أمره حول إمكانية التوفيق بين ما يعرفه من العلوم الطبيعية أن الأرض (بمعنى الكرة الأرضية) قد خلقت لاحقا بعد نشأة الكون المدرك بحوالي 8000 مليون سنة، وبين ما يفهمه من بعض النصوص الشرعية أن الأرض خلقت أولا، فذلك يضرب فكرة التكامل بين العلوم المادية والعلوم الشرعية في مقتل، لكن كاتبنا لم يفقد الأمل في الوصول إلى صيغة لذلك التكامل المأمول، وظل خلال السنوات الماضية ينادي بالتكامل (الشرعي-طبيعي) لصالح البشرية جميعا.

لكن بعد الخوض في مضمار بحث مفهوم الكبير، ظهرت بوادر التوافق بين مفهوم الزمن الكوني والزمن الجيولوجي وبين الإيماءات المنتشرة في النصوص الشرعية حول مراحل الخلق، فاستبشر كاتبنا خيرا، وقد تناولت مقالتين من مقالات “حول مفهوم الزمن وخلق الكون” (المقالين 25 و 26) من هذه السلسلة تفاصيل ذلك التوافق اقتباسا من طريقة كزابر (2014) حول ترتيب أطوار خلق السماوات والأرضين، وذلك باعتبار أن ترتيب الأيام الستة المذكورة في آيات سورة فصلت في قوله تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)) أن ذلك الترتيب يعتبر ترتيبا إخباريا معكوسا، متفقا في ذلك مع ما ورد في تفسير الطبري وفي غيره من التفاسير، وعليه فخلق السماوات السبع وقع أولا ثم لاحقا خلقت الأرض (الكرة الأرضية)، والشكل (1) يقدم عرضا مبسطا لترتيب خلق السماوات السبع والأرضين السبع اتفاقا مع مقال كزابر المذكور.

شكل (1): مقترح أيام خلق السماوات والأرض (معدل بعد كزابر، 2014).

((لو الشكل لا يظهر: فضلا اضغط على الفراغ أعلاه))

ويظهر على الشكل أعلاه ثلاثة مفاهيم لكلمة الأرض:

-الأرض الأولية التي تضم هيكل السماوات السبع والأرضين السبع رتقا متلاصقات.

-الأرضين السبع وهي الأسطح العليا للسماوات بعد الفتق ورفع سمك السماوات.

-الكرة الأرضية وهي هذا الكوكب التابع للشمس والذي خلقه الله تعالى ضمن المجموعة الشمسية ككل منذ ما لا يزيد عن خمسة آلاف مليون سنة مضت.

بذلك يتضح إمكانية التكامل بين العلوم الشرعية فيما يخص خلق السماوات والأرضين وبين معطيات العلوم المادية حول خلق الكون المدرك (نصف السماء الأولى الممثل بالدائرة الزرقاء) في مركز الشكل الذي يوضح مرحلة الرتق.

معنى كلمة الأرض:

ورد لفظ (الأرض) في القرآن الكريم في 458 موضعا، وقد اتفقت المراجع التي تتناول ما يرتبط بالأرض لغويا وتفسيرا وعلميا على تعدد استخدامات ذلك اللفظ، وقد ذكرنا أعلاه عددا من تلك الاستخدامات ضمن الحديث عن مراحل الخلق. وجاء في موقع (إسلام ويب) ضمن مقال بعنوان: “لفظ (الأرض) في القرآن الكريم”، أن لفظ (الأرض) من حيث الدلالة اللغوية، يفيد ثلاثة أصول:

-الأول: كل شيء يسفل، ويقابل السماء، يقال لأعلى الفرس: سماء، ولقوائمه: أرض.

-الثاني: الزكمة، يقال: رجل مأروض، أي: مزكوم.

-الثالث: الرعدة، يقال: بفلان أَرَضٌ، أي: رعدة.

-ومما ألحق بهذه الأصول قولهم: أرض أريضة: حسنة النبات، وأرضت الأرض: كثر كلؤها.

وذكر الموقع (إسلام ويب) أيضا أن لفظ (الأرض) يجمع على (أرضون)، و(أرضات)، و(أروض). ولم يأت في القرآن الكريم بصيغة الجمع، بل جاء في جميع مواضعه مفرداً، قالوا: لثقل وزنه والنطق به، بخلاف لفظ (السماوات). وقال المباركفوري (2014) أن الأرض تأتي مفردة لأنها بمعنى السفل والتحت، أما إذا قصد جزء محدد منها جاز التثنية والجمع.

وذكر عمري ضمن بحثه حول: “أمثلة من الآيات القرآنيّة لبعض معاني كلمة الأرض”، ذكر نحوا من 20 معن لكلمة الأرض منها ما يلي:

-أرض الجنة كما في قوله تعالى من سورة الزمر: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)).

-نعيم الأرض ومتاعها كما في قوله تعالى من سورة الأعراف: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)).

-الكرة الأرضية وذكر تحتها أكثر من عشرة استخدامات منها: الاستخلاف في الأرض، دواب الأرض، قشرة الكرة الأرضية، ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، اليابسة من الكرة الأرضية، التربة، والمقابر. كما أشار إلى أن كلمة الأرض تأتي في القرآن بمعنى المرعى والبساتين، إضافة إلى أن اللفظ قد يشير إلى جزء أو بلد محدد من الكرة الأرضية.

-الأرضون السبع أو الجزء السفلي من الكون.

ويتفق الباحث الحالي مع ما ذكرته الدراسات السابقة من معان متعددة لكلمة الأرض في القرآن الكريم، وعليه سوف يتضمن المقالين التاليين من هذه السلسلة مناقشة بعض التفاصيل فيما يخص الآيات التي تشير إلى كلمة الأرض بمعنى “الكرة الأرضية” على وجه الخصوص، وذلك باعتبار أن مقال السماوات والأرضين ومقالات خلق الكون من هذه السلسلة قد ناقشت بعض المفاهيم التي تشير إلى كلمة الأرض بمعنى “الأرضين السبع”.

وقد قام الكاتب بحصر نحوا من 150 موضعا في القرآن الكريم تتضمن لفظ الأرض بمعنى “الكرة الأرضية”، وتشمل آيات تتناول صفات عامة للكرة الأرضية (11 موضعا)، وآيات تتناول بعض أفعال البشر مثل الاستخلاف (18 موضعا) والسير في الأرض للاعتبار (12 موضعا)، ومثل الإفساد في الأرض (23 موضعا)، وآيات تتناول حالات نفسية واجتماعية للبشر على الكرة الأرضية (25 موضعا)، وآيات تتناول نزول المطر والإنبات كدليل على قدرة الخالق سبحانه وتعالى على البعث (31 موضعا)، وأخيرا آيات تشير إلى جزء من الكرة الأرضية مثل بلد أو منطقة (11 موضعا).

ولنبدأ بمناقشة بعض الآيات التي تشير إلى الأرضين السبع وذلك للتفريق بينها وبين الآيات التي تشير إلى الكرة الأرضية، ثم آيات جامعة حول نعم الله في الكرة الأرضية:

الآرض بمعنى الأرضين السبع:

يمكن القول أن أغلب الآيات الكريمة التي تذكر “السماوات والأرض” يأتي فيها لفظ الأرض للإشارة إلى الأرضين السبع، ويمكن الاستثناء من ذلك في الآيات التي تتضمن صيغة: (ما في السماوات وما في الأرض) فقد يشير لفظ الأرض فيها إلى ما يخص الكرة الأرضية وذلك يتطلب النظر في التفاسير. وكما أشارت المقالات السابقة من هذه السلسلة معاني كلمتي السماوات والأرض تتعدد في القرآن الكريم فقد يكون لها المعاني التالية:

-قد تشير كلمة “السماوات والأرض” إلى المعنى الفلكي للسماوات السبع والأرضين السبع، ونقصد بذلك القشرات الكروية للسماوات التي تحيط بالكون المدرك، والتي تضم أعلى كلا منها أرضا، فتكون السماوات السبع والأرضين السبع التي بينها مسافات كبيرة متساوية كما ورد في الأحاديث التي تصف بنية السماوات السبع والأرضين السبع.

-وقد تشير كلمة “السماوات” إلى المصطلح القرآني بمعنى السماوات العلى، وهي الجزء العلوي من السماوات باتجاه العرش، والذي يضم جنة الخلد؛ وفي المقابل يشير لفظ “الأرض” إلى المصطلح القرآني للسماوات السفلى بعيدا عن العرش، والذي يضم النار وجحيمها والعياذ بالله.

-وفي بعض الآيات التي تتناول خلق السماوات والأرض تأتي كلمة الأرض للإشارة إلى الأرض الأولية التي تضم هيكل السماوات السبع متلاصقات في مرحلة الرتق (انظر شكل 1).

وفيما يلي لمحات تفسيرية لبعض الآيات التي تتناول كلمتي “السماوات والأرض” بمعنى السماوات السبع والأرضين السبع:

-يشير صاحب أضواء البيان ضمن شرح قوله تعالى في سورة نوح ((وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)) إلى عرض القرآن لأطوار الخلق في الظواهر الكونية بقوله: “من سماء وأرض، فالسماء كانت دخانا وكانت رتقا ففتقهما، والأرض كانت على غير ما هي عليه الآن، وبَيَّنَ الجميع في قوله من سورة النازعات: ((أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها. رفع سمكها فسواها. وأغطش ليلها وأخرج ضحاها. والأرض بعد ذلك دحاها. أخرج منها ماءها ومرعاها. والجبال أرساها (27-32)”.

-ويتفق الباحث الحالي مع هذا الكلام من تفسير أضواء البيان، فتلك الأطوار تناقشها العلوم الكونية والعلوم الجيولوجية فيما يخص الكون المدرك (أو النصف السفلي من السماء الأولى)، وذلك في الكلام عن خلق النجوم والمجرات أولا، ثم خلق المجموعة الشمسية بما فيها الكرة الأرضية لاحقا، ويمكننا الجمع بين معطيات تلك العلوم وبين الإيماءات الشرعية حول ترتيب خلق أجرام السماوات والأرضين بالترتيب الموضح في شكل (1)، حيث يقترح الباحث أن الأرض الأولية تتضمن هيكل السماوات والأرضين كاملا رتقا (متلاصقات)، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة رفع السماوات (وفوق كل منها أرضا) أو مرحلة الفتق، ثم تأتي مرحلتي تقدير الأقوات وخلق الكرة الأرضية.

-أما حول قوله تعالى في سورة البقرة: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)) فيقول عمري في بحثه عن “الأرض” أن الأرض هنا تعني الأرضين السبع ويؤكد: “الأرض هنا تعني الأرضين السّبع مجموعة ورتقاً، وهي تمثّل الجزء السفلي من الكون في بداية خلقه. ويؤكده الزّمخشري: {فإن قلت: هل لقول من زعم أنّ المعنى خلق لكم الأرض وما فيها وجه صحّة؟ قلت: أنّ أراد بالأرض الجهات السّفليّة دون الغبراء (الكرة الأرضيّة) كما تُذكر السّماء وتُراد الجهات العلويّة جاز ذلك، فإنّ الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السّفليّة (الزمخشري م 1، ص 270.)}، وهو عين ما قاله كثيرٌ من أئمّة التّفسير”.

-والبحث الحالي يتفق مع ما ذهب إليه عمري وأئمة التفسير مع اختلاف في معنى “الجزء السفلي من الكون”، حيث يرى عمري (2004) أن الأرضين السبع عبارة عن سبعة كرات متداخلة وفي وسطها جهنم، ويعلوها من الخارج البناء السماوي الكبير في صورة سبع قشرات كروية متطابقة، أما البحث الحالي فيتبنى نموذج السمان (2017) لبنية السماوات السبع والأرضين السبع مع بعض التعديلات (شكل 2)، حيث يوضح المخطط المقترح للكون التماثل بين السماوات العلى (الجنة)، والسماوات السفلى (الأرضين السبع او النار).

شكل (2): مخطط تخيلي للكون بمعناه الواسع في الإسلام، مع وصف موجز لمكونات الكون.

((لو الشكل لا يظهر: فضلا اضغط على الفراغ أعلاه))

-أما آيات سورة فصلت وهي قوله تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12))، فقد ناقش مقال “مفهوم الزمن وخلق الكون” من هذه السلسلة طريقة كزابر (2014) حول اعتبار ترتيب الخلق هنا ترتيبا إخباريا معكوسا،  ومن  ذلك يمكن  إيجاز  قصة  خلق السماوات والأرض (انظر شكل 1) كما يلي: ففي البداية خلق الله تعالى الأرض الأولية، ثم رفع السماء وهي دخان فسواهن سبع سماوات يعلوها الأرضين في يومين، ثم قدر فيها (يمكن أن يكون المعنى في الأرضين التي تعلو جسم كل سماء) أقواتها في تتمة أربعة أيام، وبعد ذلك تم دحو الأرض (الكرة الأرضية) بإخراج ماءها ومرعاها وذلك تمام الأيام الستة من أيام خلق السماوات والأرضين.

-ونشير هنا إلى ما جاء في الكشاف للزمخشري حول تفسير قوله تعالى من سورة الأنبياء: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30))، يقول الزمخشري: “أي: كانتا شيئا رتقا، ومعنى ذلك: أن السماء كانت لاصقة بالأرض لا فضاء بينهما. أو كانت السماوات متلاصقات، وكذلك الأرضون لا فرج بينها ففتقها الله وفرج بينها، وقيل: ففتقناها بالمطر والنبات بعد ما كانت مصمتة؛ وإنما قيل: كانتا دون كُنَّ؛ لأن المراد جماعة السماوات وجماعة الأرض؛ ونحوه قولهم: لقاحان سوداوان، أي: جماعتان، فعل في المضمر نحو ما فعل في المظهر”.

-نقف عند ما ذكره الزمخشري في تفسير الآية أن السماء كانت لاصقة بالأرض لا فضاء بينهما، أو كانت السماوات متلاصقات وكذلك الأرضون… وقد أدى فهم هذه الآية وغيرها من الآيات مثل قوله تعالى في سورة المؤمنون: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)) أدى بالباحث الحالي أن يقترح مفهوم الأرض الأولية التي كانت تضم أجسام السماوات السبع متلاصقات على الأرضين كما ذكر أعلاه (شكل 1)، ثم رفع الله سمك السماوات فحدث تضخم أولي للكون منذ 13.7 مليار سنة مضت، وذلك عوضا عن نظرية الانفجار العظيم.

آيات جامعة عن نعم الله في الكرة الأرضية:

تتعدد العلوم البشرية في عصرنا الحاضر بشكل كبير، ولعل إسهامات العلماء المسلمين في مجالات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة، لعل تلك الإسهامات المباركة تؤكد على أن الوحي الشريف بشقيه: القرآن الكريم والسنة النبوية يعطيان الدليل الدامغ على وحدانية الخالق عز وجل، وقبل الدخول إلى مناقشة بعض الأمثلة من الآيات القرآنية التي تتناول معاني كلمة الأرض (الكرة الأرضية)، نأخذ جولة بين آيات المصحف الشريف الجامعة (أي الآيات التي تصف عظيم خلق الله على الكرة الأرضية بصورة جامعة تتضمن مجالات متعددة من ذلك الخلق وبالتالي تتضمن إيماءات للعديد من العلوم البشرية بشكل كبير)، ومن هذه الآيات الجامعة ما يلي:

-قوله تعالى في سورة البقرة: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)) وتتضمن علوم الفلك والبحار والمناخ والزراعة وعلوم الحياة بشكل عام في إطار التأكيد على وحدانية الخالق عز وجل لقوم يعقلون.

-وقوله تعالى في سورة الرعد: (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)) وتتضمن علوم الأرض والجيومورفولوجيا والنبات والفلك والمساحة والاقتصاد في إطار إبراز قدرته عز وجل لقوم يتفكرون ويعقلون.

-وقوله تعالى في سورة الحجر: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)) وتتضمن علوم الأرض والزراعة والنبات والاقتصاد المنزلي وأخلاق البذل والعطاء، مع التذكير بسعة القدرة الإلهية وعظمة العطاء الرباني، ثم تتناول علوم المناخ والجريان السطحي للموارد المائية وتشير أيضا للمياة الجوفية وتخزينها بفضله سبحانه وكرمه الكبير.

-وفي سورة النحل يأتي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)) وتتناول علوم المناخ والنبات والزراعة والفلك والجيولوجيا والبحار والجيومورفولوجيا تذكيرا بوحدانية الخالق عز وجل وبعظيم نعمه التي لا تعد ولا تحصى.

-وقوله تعالى في سورة المرسلات: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28)) وتتضمن ذكر استخدامات الأرض (الكرة الأرضية) كمستقر لحياة البشر ومقابر للأموات، وتتناول علوم الأرض والمياه مع توضيح مصير المكذبين بقدرته عز وجل.

-وقوله تعالى في سورة عبس: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)) وتتضمن علوم المناخ والزراعة والنبات مع ذكر موجز لأنواع النباتات وأهميتها للإنتاج الحيواني.

هذه أيها القاريء الكريم بعض نماذج من الآيات القرآنية الجامعة التي تتناول عددا من العلوم البشرية بشكل موجز وبسيط يناسب مختلف الأفهام والدرجات التعليمية، وفيها ذكر للعديد من العلوم مثل: علوم الأرض والفلك والمناخ والنبات والزراعة (مع ذكر أنواع النباتات والإنتاج الحيواني)، وعلوم الحياة بشكل عام والجيومورفولوجيا والموارد المائية (أنهار وخزانات جوفية) والمساحة والاقتصاد، وكذلك أخلاق البذل والعطاء…  ومما لا شك فيه أن الكثير من العلماء في التخصصات المذكورة أعلاه وفي غيرها يمكنهم تناول هذه الآيات وغيرها بالبحث والوصف والاستنباط..

المراجع:

-مراجع التفسير والحديث الشريف المذكورة في النص.

-السمان، ع. (2017) حول بناء السماوات والأرض، رؤية علمية إيمانية. المؤتمر العلمي الدولي الخامس بكلية اللغة العربية – جامعة الأزهر بالزقازيق، (آفاق الإعجاز في القرآن الكريم).

-المباركفوري، أبو فايز (2014): جمع السماوات وإفراد الأرض. مجلة الداعي الشهرية، دار العلوم ديوبند، الهند، العدد : 1-2 ، السنة : 39.

-عمري، ح. (بدون تاريخ): أمثلة من الآيات القرآنيّة لبعض معاني كلمة الأرض.

-عمري، ح. (2004): الأرضون السّبع وتوزيع الصفائح المجرِّيّة الضخمة على نطاق كوني واسع، مجلة كلية المعارف الجامعة – الأنبار- العراق عدد 6، السنة الخامسة.

-كزابر، ع. (2014): كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه؛ الفصل (أ20) – محمد الصادق عرجون.

-موقع إسلام ويب: لفظ الأرض في القرآن الكريم.

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.