Site icon وضوح الاخبارى

مفهوم الكون الكبير .. (36) مدخل حول أعمال الملائكة

مفهوم الكون الكبير .. (36) مدخل حول أعمال الملائكة 4

بقلم: د.سعد كامل  

يتفق كلام الإمام ابن القيم المذكور أعلاه مع قول الإمام الطحاوي في العقيدة الطحاوية: “ووكل بالأفلاك ملائكة يحركونها، ووكل بالشمس والقمر ملائكةً”، كما يتفق معه ما جاء في الموسوعة العقدية التي تقول: “وقد دل الكتاب والسنة على أصناف الملائكة، وأنها موكلة بأصناف المخلوقات، وأنه سبحانه وكل بالجبال ملائكة، ووكل بالسحاب والمطر ملائكة، ووكل بالرحم ملائكة تدبر أمر النطفة حتى يتم خلقها، ثم وكل بالعبد ملائكة لحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته، ووكل بالموت ملائكة، ووكل بالسؤال في القبر ملائكة، ووكل بالأفلاك ملائكة يحركونها، ووكل بالشمس والقمر ملائكة، ووكل بالنار وإيقادها وتعذيب أهلها وعمارتها ملائكة، ووكل بالجنة وعمارتها وغرسها وعمل آلاتها ملائكة”.

وقد تناول الكثير من المؤلفين أعمال الملائكة بالشرح والتفسير والتصنيف ومنهم القصير (2016) الذي اعتبر أن أعمال الملائكة يمكن تقسيمها إلى مجموعات تتضمن:

(1) عبادة الله تعالى.

(2) تدبير أمر الملكوت.

(3) تدبير أمر المكلفين من الخلق.

وقد نقلنا في المقال السابق أمثلة من تلك الأعمال ضمن ذكر أسماء الملائكة. أما الصلابي (2010) فقد أفرد فصلا في كتابه عن الإيمان بالملائكة بعنوان: “أعمال الملائكة” ويقسم تلك الأعمال (صورة 1) إلى المجموعات التالية:

مفهوم الكون الكبير .. (36) مدخل حول أعمال الملائكة 1

صورة رقم (1): أعمال الملائكة نقلا عن الصلابي (2010).

((لو كانت الصورة غير ظاهرة: فضلا اضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام))

أولا: أعمال الملائكة المتعلقة ببني آدم. (أي أعمال المكلفين)

ثانيا: أعمال الملائكة المتعلقة بالكون. (أي أمر الملكوت)

ثالثا: قيامهم بأعمال آخرى.

ونلاحظ أن الصلابي صنف عبادة الملائكة في فصل مستقل بنفس العنوان حيث ناقش تفاصيل تلك العبادة موضحا أن العبادة والتسبيح عند الملائكة الكرام كالنفس عند البشر.

النظام البديع في شؤون الملائكة الكرام:

إن الذي يتفكر في عالم الملائكة الكرام يلاحظ ترابطا قويا بين جوانب وصف ذلك العالم العلوي الكريم، فالذي يتكلم عن صفات الملائكة يجد نفسه يذكر أسماء الملائكة وصفاتهم الخَلْقية العظيمة، وكذلك من يناقش صفات الملائكة الكرام من خزنة النار مثلا فهو يتكلم عن أحد الأعمال الموكلة إلى الملائكة الكرام في تسيير أمور العالم في الدنيا والآخرة، وأيضا من يعدد أعمال الملائكة لا بد أن يذكر أسماء الملائكة العامة والخاصة بالإضافة إلى أنه سيتكلم عن صفات الملائكة الكرام التي جعلها الخالق سبحانه وتعالى ملائمة لتلك الأعمال وهذه الصفات (جدول 1).

مفهوم الكون الكبير .. (36) مدخل حول أعمال الملائكة 2

جدول (1) ((لو كان الجدول غير ظاهر: فضلا اضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام))

ولنتوقف مع قوله تعالى في سورة السجدة: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5))، جاء في مختصر تفسير ابن كثير: “أي يتنزل أمره من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة، وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا، ومسافة ما بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة سنة، وسمك السماء مسيرة خمسمائة سنة. وقال مجاهد والضحاك: {النزول من الملك في مسيرة خمسمائة سنة وصعوده في مسيرة خمسمائة سنة، لكنه يقطعها في غمضة عين}”. فهذه المسافات الهائلة التي تساوي نصف قطر الكون المدرك يقطعها الملك في غمضة عين، وقد ورد في قصة المجادلة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنها لم تسمع الحوار الذي دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المجادِلة ولا يفصل بينها وبينهما إلا بضعة أمتار، إلا أن المولى سبحانه وتعالى قد سمع شكواها وأنزل الملك بالوحي بآيات مطلع سورة المجادلة من فوق سبع سماوات في نفس اللحظة… فما أعظم خلق الملائكة الكرام وصفاتهم الجليلة المناسبة لتلك المهام العظيمة.

وبالنسبة لملائكة السحاب والقِطْر الذين ينزلون مع المطر فيأتون لله -وهو أعلم- بمآل كل قطرة أين ذهبت، وبرطب ويبوسة كل نبتة كما جاء في تفسير ابن كثير لقوله تعالى من سورة الأنعام: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59))، وأيضا في تفسير قوله تعالى من سورة الحجر (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)). ويمكن إيجاز أمثلة من كلام أهل العلم حول هذه القضية في النقاط التالية:

-من رحمته عز وجل أنه جعل تكليف الملائكة الكرام بتسيير أمور العالمين العلوي والسفلي يتناسب مع مألوف الخلق، فالملائكة ينفذون أمر الله وليسوا شركاء في الفعل (ابن القيم)، ويقول صاحب كتاب كبرى اليقينيات أن ذلك يعتبر مظهرا لسلطان الله تعالى.

-وبالنسبة للقوانين الفيزيائية وغيرها يستنتج الصلابي (2010) أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق القوانين -التي تحكم سير المخلوقات جميعا-، وأنه تبارك وتعالى هو خالق الأسباب، وقد وكل عز وجل الملائكة بهذه القوانين وتلك الأسباب لرعايتها.

-كما يذكر الشيخ الصلابي أن الملائكة الكاتبين الذين يحصون أعمال بني آدم (ملك اليمين الذي يكتب الحسنات، وملك الشمال الذي يكتب السيئات)، يذكر الشيخ أن هؤلاء الملائكة الكرام يكتبون كتابة حقيقية لإقامة الحجة على العصاة مع علم الله سبحانه وتعالى بكل شيء. وتتضح رحمة الله تبارك وتعالى في توكيل الملائكة الكرام لتنفيذ الأعمال المتعددة في العالمين العلوي والسفلي -رغم أنه سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى الأسباب.

فتأمل أيها القاريء الكريم كيف أن عالم الملائكة الكرام تحكمه قوانين وضوابط، ويسير ضمن نظام صارم وضعه الخالق عز وجل بدقة وإحكام، ولهم صفات تتناسب مع المهام التي خلقهم الله سبحانه وتعالى للقيام بها، كما أن هذه المهام يتضح منها حكمة الخالق العظيم سبحانه وتعالى في جعل تلك التكاليف تتناسب مع مألوف الخلق (من حيث سنن السببية في وجود جنود يتم تكليفهم بتنفيذ كل عمل من الأعمال).

كما تتفاوت شدة تلك الأعمال من إحصاء عدد قطرات المطر، وتسجيل يبوسة النبتات، وتوجيه السحب إلى أرض دون أخرى، إلى تدوير الأفلاك، إلى حمل السماوات، وفوق ذلك كله حمل العرش المجيد، ناهيك عن رعاية شؤون البشرفي الدنيا والآخرة، يتضح لنا أن كل عمل من هذه الأعمال يتطلب قدرات تختلف عن غيره، فمن ذا الذي قام بترتيب كل هذه الأمور؟ ومن الذي وضع لها الضوابط المحكمة وفق سنن ماضية إلى يوم الدين؟

إنه الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، مالك الملك ذو الجلال والإكرام. الذي خلق فسوى وقدر فهدى، خلق كل شيء فقدره تقديرا… من كون شاسع، وبشر رائع، وملك خارق، وجنة في الجهة العليا من الكون عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفي المقابل نار في الجهة السفلى من الكون أعدت للكافرين المعاندين… فنستفيد من هذه الجولة بين أعمال الملائكة الكرام الذين نراهم بقلوبنا في كل زاوية من زوايا الكون من حولنا، نستفيد زيادة اليقين في حقيقة وجود ذلك العالم العلوي…. عالم الملائكة أعظم جند الله.

المراجع:

مفهوم الكون الكبير .. (36) مدخل حول أعمال الملائكة 3

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

Exit mobile version