Site icon وضوح الاخبارى

مفهوم الكون الكبير ..(38) مقتطفات من أعمال الملائكة (ب)

مفهوم الكون الكبير ..(38) مقتطفات من أعمال الملائكة (ب) 2

بقلم: د.سعد كامل

ناقش المقال السابق من هذه السلسلة بعض أعمال الملائكة وفق تصنيف الصلابي (2010) الذي يتضمن: (أ) أعمال الملائكة المرتبطة ببني آدم، و(ب) أعمال الملائكة المرتبطة بالكون، ونستكمل في هذا المقال المجموعة الثانية من تصنيف الصلابي حيث تضمن المقال السابق استعراض اثنين من هذه الأعمال وهي: (1) حملة العرش ومن حوله، (2) نفخهم في الصور، ونستكمل هنا بقية الأعمال المرتبطة بالكون:

3)  الملائكة الموكلون بالجبال:

يذكر الصلابي (2010) حديث رحلة الطائف للرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء في الصحيحين، وكيف أنه عليه الصلاة والسلام أثناء عودته إلى مكة جاءه جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال مرسلا من ربه ليطبق على أهل مكة الأخشبين إذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم (وهما: جبل أبي قبيس الذي عليه القصر الملكي اليوم، وجبل قعيقعان، وهما مطلان على المسجد الحرام من المشرق)، ويقول الصلابي أن في هذا دليل على أن للجبال ملائكة موكلون بها، وفيه كذلك دليل على ضخامة خلق هؤلاء الملائكة الموكلون بالجبال. كما يؤكد الصلابي أن قدرة ملكٌ واحد على أن يطبق جبلين على أهل مكة يعني أنه من الضخامة والقوة بحيث يكون إطباق الجبلين عنده أمر هين ينفذه فور موافقة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، لكن يأتي رده عليه الصلاة والسلام أنه يرجو أن يخرج الله من بين أظهرهم من يؤمن بالله عز وجل، صلى الله عليك يا رسول الله، فأنت حقا وصدقا الرحمة المهداة.

4)  الملائكة الموكلون بالسحاب والمطر:

-جاء في تفسير ابن كثير حول قوله تعالى من سورة الصافات: (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4))، أن الله تعالى أقسم بالملائكة الصافات بين يديه سبحانه وتعالى، وبالملائكة التي تزجر السحاب وتسوقه إلى حيث أمرها الله، وبالملائكة التي تنزل بالقرآن والكتب من عند الله سبحانه وتعالى.

-وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: “أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: ((مَلَكٌ من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله))، فقالوا: فما هذا الصوت الذي يُسْمَعُ؟ قال: ((زجرة السحاب إذا زجره حيث ينتهي إلى حيث أُمِرْ)) قالوا: صدقت الحديث” رواه الترمذي والألباني في السلسلة الصحيحة. ويقول الصلابي (2010) أن هذا الحديث يفيد أن للسحاب ملائكة يسوقونه، وأن هذا الصوت الذي يسمع قد يكون صوت هذه الملائكة، وقد يكون اصطكاك السحاب… ولا يدل الحديث على تسمية الملك الموكل بالسحاب باسم الرعد، وقد صح أن الملك الموكل بالقطر هو ميكائيل عليه السلام ومعه أعوان يعملون ما يأمرهم به.

-وقد احتج ابن كثير على إثبات عمل ميكائيل عليه السلام بحديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عليه السلام: ((على أي شيء ميكائيل؟ فقال: على النبات والقطر)) رواه مسلم (الصلابي، 2010).

-كما جاء في صحيح مسلم قصة الرجل والسحابة وذلك فيما يرويه أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حَرَّةٍ، فإذا شُرْجَةٌ من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان –للاسم الذي سمع في السحابة-، فقال له: يا عبد الله لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فماذا تصنع فيه؟ قال: أما إذا قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثا، وأرد فيها ثلثه)). وقد علق الصلابي (2010) على هذا الحديث بقوله: “وفي هذا الحديث إثبات  الملائكة الموكلين بالسحاب، وأنهم يسوقونه ويأمرونه ويكلمونه، وربما كان الكلام الذي سمعه الرجل كلام الملائكة بعضهم لبعض، ثم تلاه قيام الملك الموكل بهذه السحابة بدفعها تجاه الحديقة المقصودة، وفيه فضل الصدقة على المساكين والمحتاجين، حيث عوض الله المتصدق وأرسل ملائكته يسوقون السحاب ليسقي أرضه جزاء على صدقته وإحسانه إلى الفقير وإلى أهل بيته.

-ونشير هنا إلى المواقف التي يؤدي المسلم فيها صلاة الاستسقاء، أو يدعو أئمة صلاة الجمعة بدعاء الاستسقاء فينهمر المطر بأمر الله استجابة لدعاء المخلصين من عباده، فلا شك هنا أن الله سبحانه وتعالى يأمر ملائكة المطر بأن يسوقوا السحاب ليغيث المتضرعين، وقد سمعت من تسجيلات خواطر الشيخ الشعراوي – رحمه الله – حول قوله تعالى من سورة البقرة: (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا … الآية (60)):

“المتشدقون بالعلم يقولون: ماذا تصنع هذه الدعوات مع نواميس الكون؟ فيقول الشيخ: هناك قوانين ثابتة في الكون مستمرة في التفاعل تحت كل الظروف، مثل تبخر الماء، وارتفاع السحب إلى الطبقات الباردة حتى يتكون المطر وينزل. لكن هناك قوانين متغيرة مرتبطة بنزول الأمطار أهمها تغير سرعة وشدة الرياح من وقت لآخر، وهنا يقوم الملائكة المدبرات أمرا بتنفيذ أمر الله عز وجل بتوجيه الريح لدفع السحب إلى ارتفاعات عالية ذات برودة مناسبة لتتكون الأمطار ثم تسقط فوق المناطق التي يريد الله أن يسقيها الغيث. ويخلص الشيخ الشعراوي إلى أنه لم تتغير بالضراعة ناموس ثابت وإنما تغير بالضراعة ناموس متغير… تنفيذا لوعد الله سبحانه وتعالى في سورة الجن: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16))“.

-وقد ذكرنا سابقا ما جاء في تفسير ابن كثير لقوله تعالى من سورة الأنعام: ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59))، حيث قال: “إن ملائكة السحاب والقِطْر ينزلون مع المطر فيأتون لله -وهو أعلم- بمآل كل قطرة أين ذهبت”. وكذلك ما ذكره ابن كثير حول قوله تعالى من سورة الحجر: ((وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22))، من أن الله قد قيد ملائكة يأتونه سبحانه – وهو أعلم – برطب ويبوسة كل نبتة.

ثالثا: قيام الملائكة بأعمال أخرى:

يشير الصلابي (2010) إلى أن للملائكة وظائف أخرى جاءت في القرآن الكريم دون بيان تفصيلي عنها:

وقد أعد الباحث الحالي قائمة ببعض أعمال الملائكة نقلا عن موقع الدرر السنية (الصورة الرئيسية).

الخلاصة: 

وبعد أيها القارئ الكريم فقد استعرض الباحث جانبا من أعمال الملائكة الكرام مع التركيز على أبرز الأعمال المرتبطة بالكون والملكوت، وذكرنا قول الإمام ابن القيم – رحمه الله – أن الملائكة أعظم جنود الله، لأنهم موكلون بأصناف المخلوقات مثل الجبال والسحب والمطر ، وفيما يخص بني آدم هناك ملائكة حفظة وملائكة كتبة وملائكة الموت وسؤال القبر، ومن شؤون الكون خارج الكرة الأرضية هناك ملائكة موكلون بالشمس والقمر وبالأفلاك يحركونها، وملائكة موكلون بالنار وإيقادها وتعذيب أهلها، وهناك ملائكة موكلون بالجنة وعمارتها وغراسها وعمل الأنهار فيها… فسبحان الخلاق العليم.

ونلاحظ قيام الملائكة الكرام بأعمالهم في سرعة هائلة، حيث يقطعون المسافات الضخمة بين السماوات في غمضة عين، كما أن الملائكة الكاتبين يكتبون الأعمال كتابة حقيقية لإقامة الحجة على العصاة، وكذلك توكيل الملائكة لتنفيذ الأعمال المتعددة في العالمين السفلي والعلوي – رغم عدم احتياج المولى عز وجل للأسباب – لكن من رحمته تعالى أنه جعل ذلك يتناسب مع مألوف الخلق باعتبار ذلك التوكيل مظهرا لسلطان الله تعالى, وذلك يؤكد حقيقة أنه سبحانه قد وكل ملائكته لتنفيذ القوانين التي تحكم سير المخلوقات ورعايتها تناسبا مع مألوف الخلق، كما أن رعاية الملائكة الكرام لتلك الأعمال تعتبر رعاية إلهية كاملة لبني آدم في كل ما يخصهم في الدنيا والآخرة.وقد ذكرنا عدة أمثلة من أعمال الملائكة الكرام منها:

المراجع:

-مراجع التفسير والحديث الشريف المذكورة في النص.

-الصلابي، ع. (2010): سلسلة أركان الإيمان، (2) الإيمان بالملائكة، مركز الكتاب الأكاديمي، 213ص.

-الموسوعة العقدية: المبحث الخامس عشر: ملائكة صفوف لا يفترون، وقيام لا يركعون (موقع الدرر السنية).

مفهوم الكون الكبير ..(38) مقتطفات من أعمال الملائكة (ب) 1

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

Exit mobile version