البحث العلمى

مفهوم الكون الكبير ..(40) هل الملائكة تحمل الكون؟

الحلقة الثانية: اعترافات واعتراضات حول الجاذبية!

بقلم: د.سعد كامل  

تناول المقال السابق من هذه السلسلة حول مفهوم الكون الكبير طرفا من الصعوبات التي تواجه من يحاول تصويب مسار العلم الحديث بالبعد عن هيمنة الفكر المادي الإلحادي -خصوصا فيما يتعلق بقضية الجاذبية-، كما عرض ذلك المقال بإيجاز مسار المشكلة في التناول العلمي المادي لقضية الجاذبية، ونستكمل هنا بعض الاعترافات أو الشهادات من العلماء الماديين حول البحث عن حقيقة القوى الممسكة بالكون، وكذلك نشير إلى بعض الاعتراضات على النظريات المعروفة في هذا المجال، مع التأكيد على الحاجة الماسة للتكامل بين العلوم المادية والعلوم الشرعية في هذا المضمار.

اعترافات مادية:

يعتبر الإلحاد من أكثر الأمراض المادية انتشارا بين علماء الطبيعة إلا من عصم ربنا سبحانه وتعالى، والإلحاد يتمثل في إنكار وجود الخالق عز وجل، وهذا بالتالي يدفع أصحاب العقول الراقية من الحاصلين على جائزة نوبل إلى لي أعناق الحقائق للبعد عن أي تفسير يشير إلى عظمة الخالق عز وجل، وكذلك للابتعاد عن تسمية الأشياء بمسمياتها التي تفيد أن ذلك من صنع إله عظيم… وهذه الطريقة في البعد عن أي تفسير إيماني للظواهر والمشكلات العلمية (مثل القضية الدارونية في التطور العضوي، وقضية نشأة الكون المرتبطة بحقيقة الجاذبية، وغيرهما…) فهذه النزعة الإلحادية تزيد المشكلات العلمية تعقيدا، وتبتعد بنا عن طريق حل تلك المشكلات كما سوف نرى في المناقشات التالية:

قدم الدكتور مايكل بروكس (2010) في كتابه بعنوان: “ثلاثة عشر شيئا غير مفهوم”، الذي يذكر أمورا تستعصي عن الفهم في عصرنا الحاضر منها عدم معرفة شيء عن 96% من الكون المدرك الذي نعيش فيه، ومشكلة انحراف المسبارين بيونير 1 و 2 عن المسار مما يعني فشل نظرية الجاذبية لنيوتن عن إثبات جدارتها بعيدا عن المجموعة الشمسية، ونختار من الحوارات أو الاعترافات الكثيرة التي قدمها الدكتور بروكس المتخصص في الفيزياء الكمية في كتابه المشار إليه، نختار ما يلي:

-في مؤتمر سولفاي للفيزياء 2005 ناقش المجتمعون كيفية ربط النسبية بنظرية الكم، على اعتبار أن نظرية الأوتار هي الحل المناسب لذلك، لكنهم خرجوا بعد ثلاثة عقود من مولد نظرية الأوتار بنتيجة مفادها: “إننا ما زلنا في الواقع لا نعرف من أين نبدأ!!”، وذلك يعيد إلى الأذهان موقف نفس المؤتمر سنة 1927 الذي ناقش نظرية الكم التي تشير إلى أن بعض الأشياء في الطبيعة تعتبر عشوائية بالكلية وتحدث بلا سبب معروف، وكان رأي نيلز بور: “أن هناك بعض أشياء قد تتعدى مجال العلم”، أما أينشتين فقد قال: “هناك شيء خطأ في النظرية”، وقال عبارته الشهيرة: “الرب لا يلعب النرد”، واعتبر بور وقتها أن هؤلاء العلماء ليسوا مؤهلين لوضع القواعد بعد!! وقال أينشتين: “توقفوا عن إجبار الرب على ما يفعل”.

-ويشير بروكس (2010) إلى أن بعض منظري نظرية الأوتار –وهم من أعظم العقول في العالم- مقتنعون أننا لا يمكننا أن نستوعب الكون بشكل كلي…. ويشير بروكس إلى حلم الفيزيائيين بالوصول إلى صيغة شاملة لنظرية كل شيء بقوله: “سيكون من الصعب الوصول إلى تلك النظرية دون أن نكون قد تعاملنا مع حقيقة أن معظم الجسيمات والقوى –التي من المفروض أنها موصوفة- غير معروفة كلية للعلم!! فتقريبا كل الكون أو 96% منه مفقودا”.

-ويشير إلى كتاب توماس كون “بنية الثورات العلمية” الذي يقول ان تطور العلم يحدث كانحراف نموذجي على فترات من الزمن، وذلك حيث يهيمن على الأوساط العلمية أفكارا محددة تحكم تفسير الظواهر التي يدرسها العلماء مع بعض الشذوذ الذي يزداد مع الوقت، وعندما يصبح تغيير الأفكار القديمة ملحا مع الوقت يحدث الانحراف النموذجي وتظهر نظريات جديدة، ومن الآمثلة المعاصرة على ذلك ما يعرف بالطاقة الداكنة والمادة الداكنة التي لا يعرف العلماء لها تفسيرا على الرغم من أنها تمثل حوالي 96% من كتلة الكون المدرك، وحتى كمية المادة في ذلك الكون التي تمثل فقط 4% منه فنحن لا ندرسها بطريقة كاملة أيضا!!.

-ظهرت المادة الداكنة في أدبيات علم الكونيات في ثلاثينيات القرن العشرين، وظلت مهملة نحوا من 40 عاما حتى جاءت فيرا روبين الفلكية بمعهد كارنيجي حيث قالت: “إن شكل وحجم المجرات يعني إما أن هناك خطأ مع الجاذبية، وإما ان هناك شيئا ما أكبر موجود هناك في الفضاء بعيدا حتى أننا لا نستطيع رؤيته!!”.

-ومن الملاحظات الفلكية المحيرة للعلماء ارتباط النجوم الموجودة على أطراف المجرات بتلك المجرات وكانها تتحرك بتوجيه من أيد غير مرئية، فكيف تبقى تلك النجوم في الفراغ دون الهروب إلى الفضاء الخالي؟ والتفسير العلمي لذلك وجود مادة داكنة كتلتها نحو ربع الكتلة الكلية للكون المرئي، لكننا لا نعرف ما هي تلك المادة!!

-وقد برزت فكرة البحث عن جسيمات يمكن أن تكون موجودة في الكون تسمى بالجسيمات ضخمة الكتلة وضعيفة التداخل، وهذه الجسيمات لا تتفاعل مع القوى الكهرومغناطيسية، ومن هذه الجسيمات ما يسمى بالنيوترالينو الذي يعتقد علماء الكونيات أنه كان موجودا –رياضيا- منذ نشأة الكون ويعتقدون أنه لا زال موجودا. إلا أن بروكس يقول: “لا أحد يعرف ما إذا كان النيوترالينو موجودا بالفعل أم لا؟ … وهذه هي نقطة ضعفه الوحيدة!!”.

-وتتشابك مصادر الحيرة في فهم أسباب تمدد أو توسع ذلك الكون (المدرك- الذي يظن كاتبنا أنه ينمو) فهل يجب العودة إلى الثابت الكوني لأينشتين لتعويض الطاقة الكافية لذلك التمدد؟ خصوصا عند معرفة أن كمية الطاقة المحسوبة بسبب حدوث انفجارات المستعرات العظمى تقل عن الطاقة الكافية لذلك التوسع برقم مرفوع للأس 120… أم أننا نحتاج إلى العودة للبحث عن خطأ ما في قوانين نيوتن كما ينادي أصحاب فكرة ديناميكا نيوتن المحورة؟ وهذه الفكرة تسبب الكثير من المتاعب، كما أن فيرا روبين لا تفضل إقحام الجسيمات الجديدة المثيرة للمشاكل، في حين أن الغالبية مقتنعة بالمادة الداكنة… إنها حقا متاهة يعيش فيها هؤلاء العلماء بينما قد نجد في الفهم الإيماني لتلك القوى حلا مرضيا للجميع؛ لكن يجب علينا الانتباه إلى أن الطريقة الإيمانية للتفكير تحتاج للتأصيل.

-وختاما لهذا الاستعراض السريع لبعض الأفكار أو الاعترافات التي وردت في كتاب مايكل بروكس عن الفهم غير الكامل للكون المدرك وللقوى المؤثرة عليه تظهر عدة أسئلة:

o             هل المادة والطاقة الداكنة موجودة فعلا؟

o             هل تنطبق قوانين الفيزياء في كل مكان بالكون (المدرك)؟

o             وهل تلك القوانين قابلة للتطبيق في كل زمان في التاريخ؟

o             وماذا عن المسبارين بيونير الذين غادرا الكرة الأرضية في سبعينيات القرن العشرين لاختبار صحة قوانين نيوتن، لكنهما انحرفا عن المسار مما يدل على عدم صحة تلك القوانين خارج المجموعة الشمسية، فما هو التفسير الصحيح لذلك؟

-ويقول بروكس: “لا يمكننا أن نقول أي شيء راسخ عن مستقبل العلم. وكل ما نستطيع عمله هو أن نواصل الضغط ونضيف نتائج جديدة إلى كوم الأدلة”…. فهذه هي بعض مقتطفات من اعترافات أو شهادة الدكتور مايكل بروكس المتخصص في الفيزياء الكمية، الذي يقول عنه الأستاذان الذين ترجما كتابه عن “13 شيئا غير مفهوم”: أنه قدم هذه الحزمة من الأمور الشاذة في الفيزياء والفلك والطب والبيولوجيا بطريقة عالم وكاتب متمكن يعرف جيدا كيف يثير شهية القارئ.

اعتراضات على نظريتي الانفجار العظيم والأوتار:

يمكن القول أن نظرية الانفجار العظيم (النظرية السديمية) التي وضعها جورج لومتر سنة 1927 هي أكثر النظريات شيوعا في الأوساط العلمية عن نشأة الكون، ولم ينافسها إلا نظرية الحالة الثابتة لهويل (1949)، ويمكن إيجاز صيغة هاتين النظريتين فيما يلي، وبعد ذلك نبدأ في استعراض بعض الاعتراضات على نظرية الانفجار:

‌أ. نظرية الحالة الثابتة:

وهي أهم نظرية بديلة لنظرية الانفجار العظيم، وقد اقترحها فريد هويل وآخرون عام  1949 (Hoyle, 1949) والتي تنص على أن “الكون المرئي حالياً هو في الأساس الكون نفسه في أي وقت مضى أو حالي أو مستقبلي، وكذلك هو نفسه في أي مكان”، وتضيف النظرية أن “كثافة المادة في الكون الآخذ في الاتساع  ثابتة دون تغيير بسبب خلقٍ مستمر للمادة”، لكن هذه النظرية تعتبر أن الكون أبدي ليس له بداية وسيستمر إلى ما لا نهاية، كما أن بروز أدلة تم تأويلها للدلالة على صحة نظرية الانفجار العظيم جعل نظرية الحالة الثابتة تخرج من المنافسة… فهل هي خرجت من المنافسة فعلا؟ أم يمكن عودتها إلى الحلبة مع بعض التعديلات؟ ونلاحظ أن عمري (2004 أ) يؤكد أن الكون حادث وليس أبديا.

جورج لومتر

‌ب. نظرية الانفجار العظيم:

(النظرية السديمية) وضع جورج لومتر 1927 هذه النظرية وهي أكثر نظريات نشأة الكون قبولا بين العلماء (Wollack, 2010)، وتقوم على افتراض  بأن الكون كان في حالة حارة عالية الكثافة وتمدد بسبب الانفجار العظيم، وتلا ذلك تكون سحب عملاقة نتج عنها النجوم والمجرات أو ما يسمى بالكون… ويمكن إيجاز أبرز المفاهيم المرتبطة بنظرية الانفجار العظيم في وصف الكون المدرك كما يلي: توسع الكون يتمثل في تباعد المجرات عن بعضها البعض (وهو توسع لا ينطلق من نقطة مركزية، بل هو توسع متعدد المراكز في جنبات الكون المدرك)، ويقوم الكون على ما يسمى بالمادة والطاقة السوداء التي تمثل 96% من مادة الكون، والقوة التي تمسك الكون هي قوة الجاذبية وهي قوة غير معروف حقيقتها حتى الآن عدا مفهوم الأوتار الفائقة التي جاءت ضمن نظرية كل شيء (هوكنج، 1988).

‌ج. اعتراضات على نظرية الانفجار:

  • يذكر سعيد (2017) أن معارضي نظرية الانفجار العظيم يعتبرون أن واضعي النظرية قدروا بشكل غير صحيح كثافة بعض العناصر الخفيفة، وأن المسافات بين المجرات كبيرة جدا لتكون ناتجة عن الانفجار، وسطوع أسطح المجرات في الكون الآخذ في الاتساع ينبغي أن تكون أقل مما هي عليه، وأن النظرية تتطلب الكثير من الافتراضات كالتضخم والمادة المظلمة مما يشكل انتهاكا لقانون حفظ الطاقة.

 

  • ويؤكد عمري (2004 ب) أن الفراغات الكونية تعكس أماكن المجرات عند خلقها، أي أن خلق الكون له تصميم عظيم، ويشير إلى أن تلك الفراغات لا يمكن أن تكون نتجت عن توسع الكون بسبب الانفجار العظيم وإلا كانت قد استغرقت زمنا يزيد عن عشرة أضعاف عمر الكون (المدرك).

 

  • وقد ذكر معلمي (2011) عدة أسباب لرفضه نظرية الانفجار العظيم كما يلي: (1) عدم تضمن نظرية الانفجار العظيم ذكر السماوات العلى التي لا يتراءى لنا منها سوى السماء الدنيا. (2) تنص النظرية على أنه لم يكن هناك مخلوقات قبل وقوع الانفجار، بينما كان هناك العرش والماء. (3) تقدم النظرية نموذجا بسيطا بالنسبة لأعظم مخلوق. (4) كما أن الضعف البشري لا يخول للإنسان الجزم فيما يخص ذلك الخلق العظيم.

‌د. اعتراضات على نظرية الأوتار:

 

  • استعرض الحاج عبد (2009) بعض عناصر نظريات الأوتار الفائقة التي تفسر طبيعة قوة الجاذبية، وتنافش تأثير تلك القوة على نشأة الكون، وقد أشار إلى أن الرياضيات المعقدة في نظرية الأوتار الفائقة التي تفوق في التعقيد رياضيات النسبية العامة جعلت هذه النظرية تجتاز الواقع وتصبح ضربا من الخيال، وبناء عليه توقع الحاج عبد أن مستقبل تلك النظريات يتفاوت بين اللجوء إلى الفلسفة بشكل أكبر، أو مزج النظرية بالمصادر الغيبية ما لم يتم الوصول إلى صيغة أبسط رياضيا للنظرية.

 

  • كما استعرض موقع ويكبيديا أهم أفكار نظرية الأوتار ثم أتبعها بالتحليل التالي المنسوب إلى جون شوارتز، أستاذ الفيزياء بمعهد كاليفورنيا التقني )كالتيك) الذي يحدد الصعوبات التي تواجه نظريات الأوتار:

 

1. ذلك الجسيم عديم الكتلة )الوتر أو التاكيون) عبارة عن جسيم ذو كتلة افتراضية تخيلية )وتفرزه الرياضيات إلزاميًا) لا ينتمي إلى مجموعة الجسيمات التي يصادفها المرء في العمليات النووية.

2. إن تماسك النظرية رياضيًا يتطلب أن يكون الزمكان ذا أبعاد أكثر من أربعة وهي مسألة خطيرة جدًا في مجال توصيف الجسيمات.

3. لا يوجد في المرحلة الراهنة أية طريقة للاختيار بين هذه الحلول سوى القول بأن أحدها يتفق مع الطبيعة بشكل أفضل من غيره.

4. التعويل على فكرة أن العالم قائم حقا على مبادئ رياضية وأنه يوجد تفسير رياضي لكل شي،.

5. صعوبة، بل استحالة، اختبار النظرية بصورة عملية في المختبر بسبب الحيز الذي هو عبارة عن مسافات بالغة الصغر.

وذكرت ويكيبيديا أيضا ما كتبه أحد كبار الفيزيائيين في العالم وهو البروفيسور راسل ستانارد في الجارديان: إن فلسفة -هوكن- هي تحديدا ما أعارضه فهي كما وصلتني مثال واضح على التعالم –ساينتزم -فطرح أن العلم هو مصدر المعلومات الوحيد وأننا لدينا فهم كامل لكل شيء هو هراء فهو يشعر العلماء بالكبر والغرور بشكل مبالغ فيه. ويضيف ستانارد: نظرية الأوتار تحتاج لمصادم هيدروني بحجم مجرة لاختبارها وهذا غير ممكن…حسنا لو قلنا – طبقا للنظرية إم – ان الكون خلق نفسه فمن أوجد النظرية إم؟ ومن أوجد القوانين الفيزيائية الخاصة بها؟

  ونقلت ويكيبيديا عن روجرز بنروز الفيزيائي الشهير قوله: “على عكس ميكانيكا الكم فإن النظرية إم لاتملك أي إثبات مادي إطلاقا”. كما أشارت ويكيبيديا إلى ما كتبه البروفيسور بول ديفيز الفيزيائي الإنجليزي في الجارديان منتقدا هوكن بشدة يقول: “تبقى القوانين المطروحة غير قابلة للتفسير! هل نقبلها هكذا كمعطى خالد؟ فلماذا لانقبل الله؟ حسنا وأين كانت القوانين وقت الانفجار الكبير؟ إننا عند هذه النقطة نكون في المياه الموحلة”.

الكاتب التركي هارون يحي

‌هـ.  شواهد من كتاب خلق الكون لهارون يحي:

ذكر الكاتب التركي هارون يحي (2003) في كتابه خلق الكون تحت عنوان: “التوازن العجيب في الانفجار الكبير” عدة أمور حول الدقة العجيبة في ذلك الانفجار الذي يشبه انفجار صوامع القمح حيث تتناثر محتوياتها، لكن في حالة ما يسمى بالانفجار الكبير ترجع حبيبات القمح تلك للهبوط وتتجمع في أجولة مع التراص على حافلات النقل!! فما أعجب ذلك الانفجار، والغريب في وصف علماء الفلك والفيزياء لذلك الانفجار الكبير أنهم يدركون الدقة الكبيرة في وقائع ذلك الانفجار إلا أنهم لا ينسبون تلك الدقة إلى الخالق العظيم، ومن الأمثلة التي ذكرها هارون يحي ما يلي:

  • يقول بول ديفيز أستاذ الفيزياء النظرية: “رافقت قوة انفجار الكون العشوائية دقة في طاقة جاذبيته الثقالية لا يمكن تخيلها، فضربة ذلك الانفجار القديمة تلك لم نراها، إلا أن مقادير انفجارها كانت مرتبة بعناية فائقة مختارة”.

 

  • ويقول هارون يحي: “إذا كان الانفجار الكبير في الحقيقة هو انفجار هائل وعظيم، فمن المعقول أن المادة تبعثرت في كل مكان بشكل عشوائي، لكنها حاليا ليست كذلك ونراها منظمة في كواكب ونجوم ومجرات وعناقيد مجرية وعناقيد عملاقة… فكيف نتج ذلك عن انفجار عشوائي؟ ألا يقودنا ذلك إلى حقيقة أن الكون كله كان نتيجة الخلق الكامل من قبل الله تبارك وتعالى؟”.

 

  • التوازن العجيب بين قوتين متضادتين: قوة الجذب الشديدة التي جمعت مكونات الكون في حيز صغير قبل الانفجار، وقوة التوسع الهائل بعد الانفجار، لو كانت الأولى أكبر قليلا سوف ينهار الكون داخليا على نفسه، وإذا كانت قوة الانفجار أكبر قليلا لتبعثرت المادة في كل اتجاه، والغريب أن بول ديفيز قام بحساب معدل التمدد اللازم لوجود الكون فوجده إذا اختلف بمقدار واحد مقسوما على 10 مرفوعة للأس 18 من الثانية (واحد من كوانتيليون من الثانية) فيجب ألا يكون هناك كون!! وقل مثل ذلك في دقة مقادير الكثافة في مادة الكون المتفجر!! فما أعجب ذلك الانفجار الذي كان منظما بعناية فائقة وإتقان؟

وقد أشرنا إلى أقوال بعض العلماء أن الكون ثابت لا يتوسع ولن ينكمش، فكيف نفهم ذلك؟  وما الداعي إلى وضع افتراضات توسع الكون التي تم تفسيرها في ثوب نظرية الانفجار الكبير؟ فهل هناك ضرورة لتلك النظرية التي ينجرف البعض ويجعلها حقيقة ثابتة؟!!

ولقد دفع ذلك الإتقان في ضبط هذه الأرقام (وغيرها الكثير) من ملامح الانفجار الكبير، دفع ذلك العديد من العلماء الماديين إلى التسليم بوجود قوة خارقة خلقت الكون كما ذكرنا أعلاه، لكنهم لم يقولونها صراحة أن صاحب تلك القوة الخارقة هو الله تبارك وتعالى!! فهل هذا الانفجار حقيقة مشهودة أم أنه مجرد نظرية قابلة للتبديل؟ إذ ليس عليها دليل؟

 

  • كما يذكر هارون يحي (2003) تحت عنوان: “النظام الدقيق في الكون” أن الكون (المدرك) يتميز بنظام دقيق في عدة جوانب منها توزيع ما يعرف بالمستعرات العظمى (السوبر نوفا)، وهي تعتبر من مراحل تطور النجوم حيث تزداد طاقة النجم فينفجر ويشع طاقة كبيرة للكون من حوله تعتبر أكبر آلاف المرات من ضوء النجم العادي، وقد شاهد الفلكيون الصينيون انفجار السوبرنوفا في عام 1054م حيث ظهر في السماء نجما شديد الإضاءة حتى أنه يظهر نهارا وفي الليل يكون ضوءه أقوى من ضوء القمر، ويظن العلماء أن السوبرنوفا يلعب دورا أساسيا في تشكيل الكون، فهو مصدر تكوين العناصر الثقيلة، وينتج عن تجمع المواد الناتجة عن الانفجار تكون مجرات أو نجوما (مثل النظام الشمسي).

 

  • وينقل يحي كلام ميشيل دنتون أن المسافة بين السوبرنوفات تعتبر مسافات حرجة أي محسوبة بدقة، فالمسافة بين النجوم في مجرتنا هي حوالي 50 تريليون كيلومتر (3 إلى 4 سنوات ضوئية)، فإذا كانت تلك المسافة أقل من ذلك فالمدارات الكوكبية ستكون غير مستقرة، وإذا كانت أكبر قليلا فسوف تنتشر نواتج انفجار السوبرنوفا ولا ينتج عنها الأجرام المعهودة (فمن غير المحتمل أن تكون شمسنا ومجموعتها قد تكونت)، فالمسافات بين النجوم وبين السوبرنوفا محسوبة بدقة لاستقرار الكون الذي نعيش فيه.

 

  • ويواصل يحي (2003) في بيان مدى اتساع الكون فيقول: لو كانت الكرة الأرضية كرة زجاجية قطرها 1م، فيكون قطر الشمس يساوي طول ملعب كرة القدم (حوالي 100م)، وتكون المسافة بينهما حوالي 280م على نفس المقياس، وتكون المسافة إلى الكواكب الخارجية قد تصل إلى عدة كيلومترات بعيدا عن الشمس، وكل ذلك لا يساوي شيء في المسافات الهائلة بين مكونات مجرة التبانة، فأقرب النجوم من الشمس (نجم ألفا سنتورس) يكون على مسافة 640 كم على نفس المقياس السابق. وإذا نظرنا إلى الكون المدرك الذي يضم حوالي 300 بليون مجرة على تفس المقياس سوف نجد أن المجرات تفصل بينها مسافات تتعدى ملايين المرات أكبر من تلك المسافة بين الشمس وألفا سنتورس.

 

  • ويذكر هارون يحي تعليق جورج غربنشتاين في كتاب “الكون التكافلي” على هذا الاتساع بقوله: “إن ذلك الاتساع في الفضاء من حولنا يجعل من الممكن أن تترتب بعض المتغيرات الفيزيائية كي تكون ملائمة لحياة الإنسان، وذلك للسماح للكرة الأرضية أن تبقى موجودة بتخفيض أخطار التصادم مع النجوم الأخرى”. ونستنتج من ذلك أن تلك المسافات الشاسعة تم وضعها نتيجة تصميم مقصود لغرض ما وليس نتيجة المصادفة.

 

  • ويضيف يحي (2003) أن حجم كوكب المشتري أكبر كوكب في المجموعة الشمسية يحمي الأرض من الاصطدام بالمذنبات والشهب عبر التاريخ، فلو لم يكن المشتري موجودا فلن نكون موجودين لندرس أصل النظام الشمسي، وقد أشار النجار (2005) إلى أن وجود المدارات المحددة لجميع الأجرام السماوية يعتبر من معاني حبك السماء في ظلال قوله تعالى في سورة الذاريات: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)).

 

يعرض الجدول رقم (1) مقتطفات من أقوال العلماء المذكورة أعلاه  حول قضية الجاذبية والأمور المرتبطة بها، كما يتضمن الجدول تعليق الباحث حول المدخل الإيماني للسير في طريق الحل لقضية الجاذبية ونشأة الكون، ويرى الباحث أنه على الرغم من هذا الكم الهائل من النظام والدقة في الكون من حولنا فإن العلماء الماديين المعاصرين يرفضون نسبة ذلك النظام إلى الخالق العظيم، لكن أوائل العلماء رواد العلم الحديث في بدايات عصر النهضة الأوروبية مثل كيبلر وغاليليو فقد أشاروا إلى التدخل الإلهي في كل الكون. وكذلك قال نيوتن: “النظام الرائع للشموس والكواكب والمذنبات يمكن أن يشير إلى سلطة عليا لكائن قدير وعبقري.. وهو يحكمها كلها ليس كروح بل كسيد مالك لكل الأشياء وبسبب سلطته العليا الغالبة فهو يدعى بالسيد الإله القدير”.

المراجع:

    الحاج عبد، جلال (2009): النظريةM – نظرية الأوتار الفائقة (عرض وتحليل) 31 ص.

  النجار، زغلول (2005): من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، من آيات السماء الآية 7 من سورة الذاريات، ص ص 309 – 322.

   بروكس، مايكل (2010): ثلاثة عشر شيئا غير مفهوم. ترجمة: السماحي، أحمد؛ والشيخ، فتح الله، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 305 ص.

   سعيد، علي (2017): نشأة الكون: ما نظريات بداية الكون غير الانفجار العظيم؟ موقع تسعة

   عمري، حسين (2004أ): خلق الكون بين الآيات القرآنيّة والحقائق العلميّة، مؤتة للبحوث والدّراسات (سلسلة العلوم الإنسانية والاجتماعيّة)، المجلد 19، العدد 4 ، ص 11 –41 .

             عمري، حسين (2004ب): الأرضون السّبع وتوزيع الصفائح المجرِّيّة الضخمة على نطاق كوني واسع، مجلة كلية المعارف الجامعة – الأنبار- العراق عدد 6، السنة الخامسة.

             معلمي،  خليل  (2011) وهم نظرية الانفجار العظيم ووجود الأراضي السبع:

             موقع ويكيبيديا: نظرية الأوتار

             يحي، هارون (2003): خلق الكون، 200 ص.

             Hawking, S. (1988): A brief history of time. Bantam Books, 256p.

             Hoyle, “A New Model for the Expanding Universe,” MNRAS 108 (1949) 372.

             Wollack، E. J. (2010). “Cosmology: The Study of the Universe”. Universe 101: Big Bang Theory. NASA.

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.