البحث العلمى

مفهوم الكون الكبير (46 أ) من أهوال يوم القيامة

بقلم: د.سعد كامل 

يوم عظيم وأحداث جسام:

روى الترمذي في سننه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سره أن ينظر إلى القيامة كأنه رأي العين فليقرأ: إذا الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقت)) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ورواه أحمد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة وصحيح الجامع…. والذي يقرأ هذه السور الثلاث المذكورة في الحديث وغيرها من سور القرآن الكريم التي تذكر التغيرات الكونية التي سوف تقع يوم القيامة، من يقرأ ذلك يشعر بشدة أهوال ذلك اليوم العظيم، وهو يوم تعددت أسماؤه دلالة على تعظيمه كعادة العرب في ذلك، فقد كانوا إذا عظموا شيئا أكثروا له من الأسماء.

ذكر الصلابي (2011) أسماء يوم القيامة التي وردت في القرآن الكريم وتتضمن: اليوم الآخر، ويوم الآزفة، ويوم البعث، ويوم التغابن، ويوم التلاقي، ويوم التنادي، ويوم الجمع، ويوم الحساب، والحاقة، ويوم الحسرة، واليوم الحق، ويوم الخروج، ويوم الدين، والساعة، والصاخة، والطامة الكبرى، والغاشية، والفزع الأكبر، ويوم الفصل، والقارعة، والمعاد، واليوم الموعود، والواقعة، والوعد الحق، ويوم الوعيد، والوقت المعلوم… كما وصف القرآن الكريم يوم القيامة بأنه: يوم عظيم، ويوم عقيم، ويوم عسير، ويوم ثقيل، ويوم كبير، ويوم محيط..

أولا: أهوال يوم القيامة:

لا يتوقف تعدد الأسماء على يوم القيامة نفسه فقط، بل تتعدد أسماء ما سوف يقع يوم القيامة من أهوال، فهو يوم عظيم، وسوف تقع فيه أحداث جسام، فهو يوم يجعل الولدان شيبا، كما جاء في قوله تعالى من سورة المزمل: (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17))، جاء في مختصر تفسير ابن كثير هنا سؤال للكافرين: كيف يحصل لكم أمان من يوم الفزع العظيم إن كفرتم؟ فهو يوم من شدة أهواله يشيب الولدان، ويذكر القرآن الكريم التغيير الكوني الشامل الذي يصيب الأرض والجبال والسماء والنجوم والشمس والقمر، ومن أهوال ذلك اليوم ننقل الأمور التالية عن الصلابي (2011) بشكل كبير:

1)  دك الأرض ونسف الجبال:

  • قال تعالى في سورة الحاقة: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15)).
  • وفي سورة الفجر: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21)).
  • وفي سورة المزمل: (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)).
  • وقي سورة المعارج: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)).
  • وفي سورة القارعة: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)).
  • وفي سورة التكوير: (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)).
  • وفي سورة الكهف: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً …. الآية (47))

فهذه أيها القارئ الكريم هي بعض الآيات التي تصف ما سوف يحدث للأرض والجبال يوم القيامة، فالأرض سوف تدك بما عليها من جبال فتصبح تلك الجبال الصلبة رملا ناعما، كما سيصبح سطح الأرض ممتدا بلا ارتفاع ولا انخفاض، ويتفق ذلك مع قوله تعالى من سورة طه: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)).

ونلاحظ شدة وقع المفردات المستخدمة في هذه التغييرات التي ستقع على سطح الأرض: الدك وهو الضغط بقوة لتسوية أي سطح، أو رفع الشيء وإلقائه بشدة لأسفل، كما أن تكرار الفعل في قوله (دكا دكا) يؤكد شدة الأمر، والنسف الذي يشير إلى التدمير الشامل للجسم الصلب، وكل ذلك سيؤدي بالأرض إلى أن تتسطح تماما دون أن يبرز منها شيء، كما سوف تتزلزل الأرض من هول الدك والتدمير فترتجف كما جاء في سورة الواقعة من قوله تعالى: (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6))، وتتزلزل كما جاء في سورة الزلزلة من قوله تعالى: (إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2))، فذلك إيذانا بخروج الموتى وبعثهم للحساب.

أما الجبال التي تُدك وتُنسف وتتحول إلى كثيب من الرمل المفكك، الذي يهيل إذا أخذت من أسفله قبضة فيهيل ما فوقه، كما ستتحول تلك الجبال إلى هباء منثور، وستكون كالصوف المنفوش، وكل ذلك سيجعلها تسير وتتحرك من أماكنها حتى تكون الأرض غير الأرض في ذلك اليوم العصيب… وتتوالى آيات القرآن في وصف التغيرات التي سوف تطرأ على سطح الأرض من حركة الجبال ونسفها حيث يقول تعالى:

  • في سورة النبأ: (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)).
  • وفي سورة المرسلات: (وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10)).

2)    قبض الأرض وطي السماء:

  • قال تعالى في سورة الزمر: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)).
  • وفي سورة الأنبياء: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)).

توضح الآيتين أهمية الرجوع إلى العهد الذي أخذناه على أنفسنا في عالم الذر، وذلك بالشهادة يقينا أن الله تبارك وتعالى هو رب كل شيء ومليكه، فآية الزمر تؤكد على خطأ الكافرين الذين (لم يقدروا الله حق قدره) أي لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم وأنه سبحانه على كل شيء قدير كما جاء عند مختصر تفسير ابن كثير. أما قوله تعالى (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة) فقد روى الشيخان والترمذي والنسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “يا محمد إنا نجد أن الله عز وجل يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك”. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه لقول الحبر،  ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة). وروى البخاري عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين، وتكون السماوات بيمينه)) انفرد به من هذا الوجه البخاري.

أما آية الأنبياء فقد قال المفسرون في تفسيرها: يخبر الله سبحانه وتعالى أنه يوم القيامة يطوي السماوات على عظمتها واتساعها كما يطوي الكاتب السجل أي الورقة المكتوب فيها، فتنتشر نجومها وتكور شموسها وأقمارها وتزول عن أماكنها، ففي الآية تأكيد على وقوع البعث والنشور، وأن ذلك وعد مكتوب، (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ)، أي: إعادتنا للخلق مثل ابتدائنا لخلقهم، فكما ابتدأنا خلقهم ولم يكونوا شيئاً كذلك نعيدهم بعد موتهم، وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ أي ننفذ ما وعدنا لكمال قدرتنا. وقال صاحب الكشاف: “وما أول الخلق حتى يعيده كما بدأه؟ (ويجيب نفسه) قلت: أوله إيجاده من العدم، فكما أوجده أولا عن عدم. يعيده ثانيا عن عدم وقوله تعالى (وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) تأكيد للإعادة”.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يقبض الله تعالى الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟)) أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري. كما ورد عن ابن عباس قال : يطوي الله السماوات السبع بما فيها من الخليقة والأرضين السبع بما فيها من الخليقة ، يطوي ذلك كله بيمينه ، يكون ذلك كله في يده بمنزلة خردلة.

وقال ابن عطية في تفسيره: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ يحتمل معنيين: أحدهما: أن يكون خبراً عن البعث، أي: كما اخترعنا الخلق أولاً على غير مثال سابق كذلك ننشئهم تارة أخرى فنبعثهم من القبور. والثاني: أن يكون خبراً عن أن كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التي خرج بها إلى الدنيا، ويؤيد هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا، كما بدأنا أول خلق نعيده)) رواه مسلم عن ابن عباس.

وقد ذهب بعض العلماء في تفسير هذه الآية إلى أن ذلك يناظر الانسحاق الكبير الذي يعتبر من مفاهيم نظرية الانفجار الكبير، لكن كاتب هذه السطور يرى عدم صحة تلك النظرية، بالتالي فليس هناك انفجار أدى إلى نشأة الكون، وكذلك لن يكون هناك انسحاق حتى نقوم بتأويل الآية على هذا النحو، وعليه نقف عند الروايات المذكورة عن أن السماوات والأرضين تكون في يمينه سبحانه وتعالى كخردلة، وفي ذلك إشارة واضحة لعظمة الله سبحانه وتعالى وطلاقة قدرته عز وجل، وكذلك نأخذ معنى قوله (كما بدأنا أول خلق نعيده) بما ورد في نصوص الحديث المذكورة أي حفاة عراة غرلا.

وهنا يؤكد الباحث على أن هذه الأخبار عن أحد أهوال يوم القيامة (طي السماوات وقبض الأرضين)، وغيرها من المفاهيم المستنتجة من بحث مفهوم الكون الكبير تؤكد بما لا يدع أي مجال للشك أن الله تبارك وتعالى خالق عظيم، ويدل على عظمته سبحانه وتعالى ما توصل إليه البحث من ضخامة الكون من حولنا بدءا من الكون المدرك، ثم السماوات السبع والأرضين السبع التي لا تكاد تمثل 1% من حجم الكون الكبير -رغم أن أقطارها تفوق قطر الكون المدرك بثلاث عشرة مرة-، ثم العرش العظيم الذي يمثل 98.85% من الكون الكبير حجما، ثم ما وراء ذلك من الخلق الذي لا نعلمه واالله يعلمه سبحانه وتعالى، وليس أقل في ذلك من الملائكة المقربون الذين يطوفون من حول العرش بما يليق بجلاله وعظمته.

ويضاف إلى ذلك عظمة الزمان فهو سبحانه لا يحده زمان، وقد ذكرنا في مقال مفهوم الزمن وخلق الكون  ذكرنا كم هو طويل ذلك الزمان الأرضي والكوني والغيبي…. فكل ما له علاقة بربنا العظيم فهو عظيم… فهو سبحانه وتعالى “الكبير” حقا وصدقا ويقينا.

3)    تفجير البحار وتسجيرها:

  • قال تعالى في سورة الطور: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)).
  • وفي سورة التكوير: (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)).
  • وفي سورة الانفطار: (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)).

تشير هذه الآيات إلى علاقة بين البحر وخروج النار منه وهو ما يفهم من قوله تعالى (البحر المسجور)، وقوله (وإذا البحار سجرت)، ينقل الصلابي (2011) قول صاحب معارج القبول: سجرت أي أوقدت فصارت نارا تضطرم، وقيل يبست، وخلاصة أقوال العلماء أنها يفجر بعضها ببعض فتمتلئ، ثم تسجر فتصبح نارا، ثم يذهب ماؤها. وجاء في مختصر تفسير ابن كثير عن قوله تعالى (والبحر المسجور) قال الربيع بن أنس: هو الماء الذي تحت العرش الذي ينزل منه المطر الذي تحيا به الأجساد في قبورها يوم معادها، وقال الجمهور: هو هذا البحر”. ونقل الصلابي (2011) قول المفسرين عن قوله تعالى (وإذا البحار فجرت) أي فجر الله بعضها في بعض، وقيل: ذهب ماؤها، وقيل: اختلط عذبها بمالحها.

ومن المعروف في علوم الأرض أن شقوق قاع المحيط تخرج منها صخور بركانية ملتهبة، فتبدو النار تخرج من هذه الشقوق، ويقول بعض علماء الجيولوجيا أن (البحر المسجور) يشير إلى تلك الحمم البركانية التي تخرج من قاع المحيط، فإذا كان الأمر كذلك، فإن ما سيحدث يوم القيامة من تغير كوني كبير قد يشير إلى انفجار البحار بشكل عام وليس في مواقع صغيرة منها -كما يحدث حاليا-، بل من المحتمل أن تنفجر جميع البحار بهذه الحمم البركانية  ومن ثم تصير بحرا واحدا ثم تيبس ويذهب ماؤها كما جاء في التفسير، والله أعلم.

4)   موران السماء وانفطارها:

  • قال تعالى في سورة الحاقة: (وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)).
  • وفي سورة الانشقاق: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2)).
  • وفي سورة المزمل: (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)).
  • وفي سورة الانفطار: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)).
  • وفي سورة المرسلات: (وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9)).
  • وفي سورة النبأ: (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19)).
  • وفي سورة الطور: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)).
  • وفي سورة الرحمن: (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)).
  • وفي سورة المعارج: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8)).

تنشق السماء يوم القيامة وتفتح فيها أبواب لنزول الملائكة، ويظهر النور المبهر أو الغمام إيذانا بمجيء الله سبحانه وتعالى للفصل بين الخلق كما جاء في قوله تعالى من سورة البقرة: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)) وقوله في سورة الفرقان: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25))، فالانشقاق أو الانفطار في الآيات المذكورة أعلاه بمعنى أن السماء سوف تنشق وتفتح أبوابا أو فُرَجَاً لنزول الملائكة من السماوات العلا، والسماء المقصودة هنا هي السماوات العلا وما فوقها، حيث مأوى الملائكة الكرام في السماوات السبع وحول العرش المجيد.

عن الضحَّاك بن مزاحم رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 22]: “إذا كان يوم القيامة، أمر الله السماءَ الدنيا بأهلها، ونزل من فيها من الملائكة، وأحاطوا بالأرض ومن عليها، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فصفُّوا صفًّا دون صفٍّ، ثم ينزل المَلِكِ الأعلى على مجنبته اليسرى جهنم، فإذا رآها أهلُ الأرض ندُّوا، فلا يأتون قطرًا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه فذلك قول الله: ﴿ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِم ﴾، وذلك قوله: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ﴾ وقوله: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ ﴾ وذلك قول الله: ﴿ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا﴾ أخرجه الطبري في تفسيره جامع البيان في تأويل القرآن (24: 418).

تمور السماء يوم القيامة وتصير كالمهل، وقد جاء ذلك في قوله تعالى من سورة الطور: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)) وقال مختصر تفسير ابن كثير هنا ما يلي: “قال ابن عباس: تتحرك تحريكا، وقال مجاهد: تدور دورا، وقال الضحاك: استدارتها وتحركها لأمر الله وموج بعضها في بعض، وهذا اختيار ابن جرير التحرك في استدارة”. وجاء صيرورة السماء كالمهل في قوله تعالى من سورة المعارج: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8))، قال مختصر ابن كثير: “قال ابن عباس ومجاهد: كدردي الزيت”.

ويظن الباحث أن آية سورة الرحمن تكمل هذه القصة: (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)) حيث يقول مختصر تفسير ابن كثير حول هذه الآية: “(فكانت وردة كالدهان) أي تذوب كما يذوب الدردي (قال الصابوني: الدردي ما يركد في أسفل كل مائع كالشراب والأدهان) والفضة في السبك، وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها…. وقال ابن جريج: تصير السماء كالدهان الذائب، وذلك حين يصيبها حر جهنم”. وقيل: المعنى تصير في حمرة الورد وجريان الدهن، أي تذوب مع الانشقاق حتى تصير حمراء من حرارة نار جهنم، وتصير مثل الدهن لرقتها وذوبانها”. ويعتقد كاتب هذه السطور أن تلك السماء التي تذوب من حرارة نار جهنم محتمل أنها سماء الأرضين السبع في نصف الكون السفلي بعيدا عن العرش، بالتالي يكون تشقق السماء في جهة الجنة والنعيم مجرد انفراج لإيجاد الأبواب والطرق لحركة الملائكة، أما في جهة الجحيم فيكون الانصهار للسماء الصلبة من حر جهنم ويكون فيها فُرَجاً لسقوط المجرمين إلى أسفل سافلين، وهذا ما يتقدم به الباحث للتأكيد أو التراجع إن لم يكن هذا الرأي موافقا لأراء العلماء والأئمة. وبالله التوفيق.

الخلاصة: 

استعرض هذا المقال أهوال يوم القيامة، من خلال الآيات والأحاديث وأقوال بعض المفسرين، ومن هذه الأهوال ما يلي:

1) دك الأرض ونسف الجبال حيث يؤدي دك الأرض إلى ذهاب الجبال، وبقاء الأرض دون معلم لأحد.

2)  قبض الأرض وطي السماء التي ستكون كخردلة في يده سبحانه ما أعظمه، وقد أكد الباحث على ان طي السماء لا يجب تفسيره على أنه هو الانسحاق الكبير -أحد مفاهيم نظرية الانفجار المرفوضة-، مع الاكتفاء بالمعنى الظاهر في الآيات والأحاديث من ان السماوات ستطوى، وأن إعادة بدء الخلق يكون ببعث البشر حفاة عراة غرلا كما جاء في الحديث.

3) تفجير البحار وتسجيرها بالنار وصيرورتها إلى بحر واحد ثم جفافها.

4) موران السماء وانفطارها بأن تتشقق السماء فتفتح فيها أبواب لنزول الملائكة من جهة السماوات العلى، كما ستذوب السماء من حر جهنم من جهة الأرضين السفلى.

ونستكمل بعض أهوال القيامة في المقال القادم بإذن الله مع أمور أخرى من أحوال القيامة والحساب.

المراجع:

  • مراجع التفسير والحديث الشريف المذكورة في النص.
  • الصلابي، ع (2011): سلسلة أركان الإيمان، (5) الإيمان باليوم الآخر (فقه القدوم على الله)، دار المعرفة، بيروت – لبنان، 435 ص.
  • مفهوم الكون الكبير (46 أ) من أهوال يوم القيامة 2بقلم: د.سعد كاملأستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

    saadkma2005@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.