البحث العلمى

مفهوم الكون الكبير (51) خلود الجنة والنار

بقلم: د.سعد كامل 

نصوص شرعية عن خلود الجنة والنار:

يقول الصلابي (2011) أن الجنة والنار خالدتين أبدا، ويؤكد أن الأدلة على ذلك كثيرة في الكتاب والسنة، وأنها تدل على خلود أهل الجنة والنار، وهذا يستلزم خلود الجنة والنار حيث ان لازم الحق حق. ومن الأدلة في القرآن الكريم ما يلي:

-قال تعالى في سورة هود: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)).

-وقال تعالى في سورة الزخرف: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74)).

-وقال تعالى في سورة الحجر: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)).

-وقال تعالى في سورة النساء: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)).

-وقال تعالى في سورة الأعراف: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)).

-وقال تعالى في سورة الأحزاب: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)).

-وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت)) ثم قرأ: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)). ففي هذا الحديث الشريف نبأ ذبح الموت الذي يفيد اليقين بأنه لا موت، وفي الحديث تأكيد على ذلك بقوله: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت.

وقد تكرر ذكر الخلود في الجنة أو في النار أكثر من مرة في الآيات المذكورة أعلاه، والخلود يفيد الأبدية بمعنى أن أهل الجنة خالدين فيها أبدا وأهل النار خالدين فيها أبدا، وقد تنوعت أساليب التعبير عن ذلك الخلود من الذكر المباشر صراحة بلفظ خالدين فيها، أو الإشارة الضمنية مثل قوله تعالى (وما هم منها بمخرجين) الذي يفيد استمرار بقاؤهم في النار دون انتهاء لفترة المكث فيها، ثم يتأكد ذلك بذبح الموت الذي يفيد الحياة الأبدية كل فيما هو فيه من جنة أو من جحيم.

حول قوله تعالى (ما دامت السماوات والأرض):

نتوقف هنا مع قوله تعالى في سورة هود (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) وقد تكرر نفس النص في سورة هود مرتين الأولى في الآية 107 عن خلود الذين شقوا في النار، والمرة الثانية في الآية التالية رقم 108 عن خلود الذين سُعِدوا في الجنة، وقد جاء في مختصر تفسير ابن كثير أن قوله (ما دامت السماوات والأرض) يفيد الخلود فإن العرب تستخدم هذا الإسلوب للتعبير عن طول أمد الشيء وخلوده، وقد ذكر التفسير عدة أقوال حول الاستثناء الوارد في الآية منها:

-قال الحسن البصري: يقول سماء غير هذه السماء وأرض غير هذه الأرض، فما دامت تلك السماء وتلك الأرض… وهو بذلك يشير إلى قوله تعالى: (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) سورة إبراهيم: 48.

-وعن ابن عباس قال: لكل جنة سماء وأرض.

-وقال ابن أسلم: ما دامت الأرض أرضا والسماء سماءا.

-وذكر بعض المفسرين أن المقصود هنا استثناء العصاة من أهل التوحيد الذين يقضون بعض الوقت في النار ثم يخرجون بالشفاعة ليدخلوا الجنة، كما وردت الأحاديث أن الله يخرج من النار من قال يوما من الدهر (لا إله إلا الله)…. ويبدو أن أهل الجنة يبقون فيها أبدا ولا يخرج منهم أحد بالنظر إلى المعنى اللغوي لكلمة ما دامت السماوات والأرض.

ويذكر الصلابي (2011) في هذا السياق القاعدة الأصولية التي تقول: “إن الظاهر مقدم على المجمل”، فالآيات والأحاديث التي تذكر خلود الجنة والنار تعتبر من قبيل النصوص التي يتضح من ظاهرها ذلك الخلود، بينما نص الآيتين 107 و 108 من سورة هود يعتبر من النصوص المجملة التي تحتاج إلى بعض التفصيل، وبذلك تكون النصوص الظاهرة مقدمة في الاستدلال على الخلود عن هذا النص المجمل.

ويشير الباحث هنا إلى بعض اللقطات المرتبطة بمفهوم الكون ضمن مناقشة هذا النص عن خلود الجنة والنار، فهاهم سلفنا الصالح يناقشون هذا الموضوع بذكر تفاصيل واضحة توضح بعض جوانب مفهوم الكون:

-فها هو الصحابي الجليل ابن عباس ترجمان القرآن يصف أحد معالم الكون بقوله: لكل جنة سماء وأرض، وذلك يتفق مع نموذج السمان (2017) ومع مخطط الكون المقترح في هذا البحث الذي يعتبر أن السماوات السبع توجد فوق كل منها أرضا (انظر الصورة المرفقة أعلاه).

-وهاهو الإمام الحسن البصري يقول أن المقصود بقوله (ما دامت) أي سماء غير هذه السماء وأرض غير هذه الأرض، لأنه اخذ في الاعتبار تبديل الأرض غير الأرض والسماوات في يوم القيامة.

-وهاهو الإمام ابن أسلم ياخذ في اعتباره أيضا تبديل الأرض والسماوات يوم القيامة، فيقول أن النص يشير إلى أنه: ما دامت الأرض أرضا والسماء سماءا.

وعليه يؤكد الباحث اننا نحتاج وبقوة إلى أن نستخرج الدرر الكامنة في تراثنا الزاهر من أوصاف للكون الكبير، تلك الأوصاف التي تخرج من كلام السلف الصالح رضوان الله عليهم قريبي العهد من مشكاة النبوة، ونستعير هنا قول الشاعر عن اللغة العربية مع استبدال المشار إليه بالتراث الإسلامي:

أنا البحر في أحشاءه الدر كامنٌ …. فهل سائلوا الصياد عن صدفاته؟

المراجع: 

  • مراجع التفسير والحديث الشريف المذكورة في النص.
  • السمان، ع, (2017): حول بناء السماوات والأرض، رؤية علمية إيمانية. المؤتمر العلمي الدولي الخامس بكلية اللغة العربية – جامعة الأزهر بالزقازيق، (آفاق الإعجاز في القرآن الكريم).
  • الصلابي، ع (2011): سلسلة أركان الإيمان، (5) الإيمان باليوم الآخر (فقه القدوم على الله)، دار المعرفة، بيروت – لبنان، 435 ص

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.