البحث العلمى

مفهوم الكون الكبير .. (53) الكون الكبير يوم القيامة

بقلم: د.سعد كامل

أهمية التفكر في مفهوم الكون:

الحمد لله على فضله ونعمته، فقد أنعم سبحانه وتعالى علينا بنعمة القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كما تكرم سبحانه وتعالى بإرسال نبينا الكريم بالدين القويم، واختصه بالجولة الكونية الكبرى في رحلة المعراج المبين، فرأى صلى الله عليه وسلم جنة المأوى فما فوقها، ورأى بعينيه الشريفتين من ملكوت الله ما لم يره غيره من البشر، ثم وصف لنا عليه الصلاة والسلام ما رآه من آيات ربه الكبرى، لذلك جاءت الإيماءات الكونية في القرآن الكريم وفي أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، جاءت نبراسا لنا في التفكر حول مفهوم الكون الكبير، وهي تضيء لنا الآفاق، وتشير لنا إلى العلامات الواضحات من مكونات الكون العظيم، وتؤكد لنا على عظمة الخالق سبحانه وتعالى الذي أبدع وأحكم هذا الكون وجعل لكل جزء من أجزاء الكون دورا مهما للبشر في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة.

شكل (1): تطور مفهوم الكون من المجالات السماوية إلى مفهوم الكون الكبير.

((فضلا: لو الشكل غير ظاهر اضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام))

يأمل كاتب هذه السطور أن يجعل الله من مفهوم الكون -الذي يقدمه هذا البحث-، يجعله فتحا مبينا للدين القويم، فهذا المفهوم يوضح للبشر جميعا ما يلي:

-أن مفهوم الكون تطور مع مرور الزمن وفق سنة الواقعية في الكون بأن تتم الأشياء يأيدي البشر (شكل 1) من الكرات السماوية أو المجالات السماوية في الفكر اليوناني-الروماني، ثم مفهوم الكون المدرك بعد اختراع التليسكوب، ثم محاولات الجمع بين مفهوم الكون المدرك وبين مفهوم الكون في الإسلام التي أدت إلى مفهوم الكون الكبير الحالي.

-أن الأرض التي نعيش عليها محفوظة في المجموعة الشمسية، ثم في المجرة، ثم في الكون المدرك.

-أما خارج الكون المدرك -حيث يقف علم البشر-؛ فقد خلق المولى عز وجل سبع سماوات طباقا تحيط بالكون المدرك من كل جانب، وفوق كل منها أرضا تحمل من خلق الله ما يشاء، وجعل بين كل سماء والتي تعلوها مسافات شاسعة –يقترح البحث أنها تساوي نصف قطر الكون المدرك-، كما أن سمك كل سماء يصل أيضا إلى نصف قطر الكون المدرك.

-كما يوضح البحث أن الأرضين التي فوق السماوات تنقسم إلى نوعين: الأرضين فوق السماوات العلى باتجاه العرش وهي التي تحمل الجنات العلى، والأرضين فوق السماوات السفلى بعيدا عن العرش وهي التي تحمل الجحيم والعياذ بالله…. وهذا يعتبر من المعاني التي يمكن أن نفهمها من قوله تعالى في سورة البقرة: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ … الآية (29))، حيث يمكن أن يكون المقصود بقوله تعالى (ما في الأرض جميعا) هو الأرضين جميعا التي تقع فوق السماوات العليا والسفلى، فكل ما خلقه الله سبحانه وتعالى من أوجه النعيم فوق الأرضين من السماوات العليا فهو لعباده المؤمنين من الإنس والجن، وكذلك يكون كل ما خُلِقَ فوق الأرضين السفلى من انواع الجحيم فهو أيضا لعباده من الإنس والجن الذين تنكبوا طريق الإيمان فليس لهؤلاء مأوى سوى جهنم وبئس المهاد وفق قوله تعالى في سورة آل عمران: (مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)).

-ويقترح البحث أن نصف قطر الكون المدرك يمثل وحدة المسافات الكونية (و.م.ك)، حيث تمثل السماوات السبع شكلا كرويا يصل نصف قطره إلى 14 و.م.ك، ويعلو ذلك الكرسي والعرش حيث يصل أطول أبعاد الكون من الأرض السابعة السفلى حتى أعلى العرش إلى مائة و.م.ك، وكذلك يكون طول ضلعي العرش المجيد 100 و.م.ك، وذلك وفق الأحاديث الشريفة التي تذكر أن سمك كل سماء أو أرض وما بينها من مسافات هو مسيرة 500 عام (أو وحدة مسافات كونية واحدة)، وأن المسافة من أعلى العرش إلى الأرض السابعة السفلى، وكذلك بُعْدَ ما بين قطري العرش المجيد هو مسيرة 50000 عام (أو 100 و.م.ك) والله أعلم.

تجهيز الكون للحشر والحساب:

مما سبق يمكن أن نستنتج أن المساحات المتاحة للجنات وللنيران فوق السماوات تعتبر مساحات شاسعة، وهذه المساحات يمكن أن تستوعب جميع الخلائق -أو تزيد- من بدء الخلق إلى يوم القيامة، وقد ورد في التفسير أن الله تعالى قد أعد لكل نفس مكانا في الجنة ومكانا في النار، فإذا دخل الكافر النار يرث المؤمنين مكانه في الجنة، وكذلك نستنتج أن مواقف القيامة تم إعدادها إعدادا محكما، حيث سوف تستوعب عرصات القيامة أعداد الخلائق كلهم، وتقوم الملائكة بتعريف كل فرد طريق مكانه في الجنة أو في النار…. فسبحان الله الخلاق العليم.

التعاون الثقافي والتعاون العلمي حول مفهوم الكون:

لعل هذا البحث يفتح مجالا للتعاون الثقافي بين الاتجاهات المختلفة من البشر على الكرة الأرضية، فمثلا يمكن أن يتم تحقيق النصوص الخاصة بمفهوم الكون في الإنجيل والتوراة وغيرها من الكتب المقدسة ذات الأصول السماوية، أو غير السماوية التي تذكر شيئا عن مفهوم الكون في الدنيا والآخرة (إن وجدت)، ويقترح الباحث على بيت المسلمين (الأزهر الشريف) أن يطرح فكرة هذا التعاون في مؤتمرات علمية تجمع جميع الاتجاهات الفكرية البشرية.

وننقل هنا على سبيل المثال ما نقله الشريف (2018) عن مزمور ١١٥:‏١٦‏‏ أن “السموات سموات ليهوه،‏ أما الأرض فأعطاها لبنى البشر”، وينقل عن إنجيل متى 25 عدد 34 و41 و46 “يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم”، فيمكن من تحقيق هذه النصوص وغيرها أن يتم توافق بين البشر جميعا على المفهوم الصحيح للكون الكبير، ويضاف إلى التعاون الثقافي أيضا التكامل العلمي بين العلوم المادية والشرعية.

وبناء عليه يؤكد الباحث الحالي –كما جاء في العديد من المقالات السابقة- أن هذا البحث وتلك المقالات كلها ليست إلا مقدمة للإشارة إلى أهمية البحث عن مفهوم الكون الكبير، ويرجو أن يؤدي ذلك إلى بدء سلاسل من الأبحاث العلمية والشرعية، والحوارات الثقافية للوصول إلى المفهوم الأكثر صحة للكون الكبير.

المراجع: 

الشريف، أ (2018): أين الجنة والنار؟ جريدة اليوم السابع، القاهرة (30 أكتوبر 2018).

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.