بقلم: د.سعد كامل
أبواب النار أطباق فوق بعضها البعض:
تتفاوت الآراء حول مفهوم أبواب النار وعدد تلك الأبواب، فيقول مختصر تفسير ابن كثير حول قوله تعالى من سورة الحجر: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44))، أي جهنم موعد جميع من اتبع إبليس، ثم أخبر أن لها سبعة أبواب (لكل باب منهم جزء مقسوم) أي قد كتب لكل باب منها جزء من أتباع إبليس يدخلونه لا محيد لهم عنه أجارنا الله منها، وكل يدخل من باب بحسب عمله ويستقر في درك بقدر عمله، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: “إن أبواب جهنم هكذا أطباق بعضها فوق بعض”، وعن هبيرة بن أبي مريم عن علي رضي الله عنه قال: “أبواب جهنم سبعة بعضها فوق بعض، فيمتلئ الأول ثم الثاني ثم الثالث، حتى تمتلئ كلها”… وقال عكرمة: “سبعة أبواب سبعة أطباق” … وقال ابن جريج: “سبعة أبواب أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية”. هذا ما جاء عند ابن كثير حول الآية 44 من سورة الحجر.
وقال السيوطي في “الدر المنثور”: “وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ) قال: جهنم، والسعير، ولظى، والحطمة، وسقر، والجحيم، والهاوية وهي أسفلها.. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ) قال: أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحُطَمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية.. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن الأعمش رضي الله عنه قال: أسماء أبواب النار: الحطمة والهاوية ولظى وسقر والجحيم والسعير، وجهنم والنار هي جماع.
الاستقبال:
كما جاء في مختصر تفسير ابن كثير أيضا حول قوله تعالى من سورة التحريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)) روى ابن أبي حاتم عن عكرمة أنه قال : “إذا وصل أول أهل النار إلى النار، وجدوا على الباب أربعمائة ألف من خزنة جهنم سود وجوههم، كالحة أنيابهم، قد نزع الله من قلوبهم الرحمة، ليس في قلب واحد منهم مثقال ذرة من الرحمة، لو طير الطير من منكب أحدهم لطار شهرين قبل أن يبلغ منكبه الآخر، ثم يجدون على الباب التسعة عشر، عرض صدر أحدهم سبعون خريفا، ثم يهوون من باب إلى باب خمسمائة سنة، ثم يجدون على كل باب منها مثل ما وجدوا على الباب الأول حتى ينتهوا إلى آخرها”.
الدركات:
روى مسلم في صحيحه من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن النار: “مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى تُرْقُوَتِه” والحجزة مقعد الإزار، فمنازل أهل النار متفاوتة بتفاوت دركاتها.
ويختلف أهل النّار في أنواع العذاب الذي سيلقَونه في النار باختلاف معاصيهم وذنوبهم، وقد قال بعض السَّلَف أنّ تلك الدّركات سبعة؛ فمنهم من سيلقى في قعرها في أسفل دَرَكاتها وأحطِّ منازلها كالمنافقين، ومنهم من سيكون أخفَ عذاباً كعُصاةِ الموحّدين الذين يكونون في دَرْكِ النار الأعلى، والدرك الثاني اليهود، والنصارى في الدرك الثالث، وفي الرابع الصابئون، وفي الخامس المجوس، وفي السادس مشركوا العرب (الأشقر، 1991).
بعض العلماء يتوقف عن تفاصيل النار:
وقد جاء في موقع الدرر السنية حول مكان النار ما يلي: قال السيوطي في (إتمام الدراية شرح النقاية): “ونقف عن النار, أي نقول فيها بالوقف, أي محلها حيث لا يعلمه إلا الله، فلم يثبت عندي حديث أعتمده في ذلك, وقيل: تحت الأرض لما روى ابن عبد البر وضعفه من حديث ابن عمر مرفوعاً: لا يركب البحر إلا غاز أو حاج, أو معتمر, فإن تحت البحر ناراً”. وقيل: هي على وجه الأرض لما روى وهب أيضاً قال: “أشرف ذو القرنين على جبل قاف فرأى تحته جبالاً صغاراً – إلى أن قال – يا قاف, أخبرني عن عظمة الله, فقال: إن شأن ربنا لعظيم. إن ورائي أرضاً مسيرة خمسمائة عام في خمسمائة عام, من جبال ثلج, يحطم بعضها بعضاً ولولا هي لاحترقت من جهنم”. وروى الحارث بن أسامة في مسنده عن عبد الله بن سلام قال: “الجنة في السماء والنار في الأرض” وقيل: محلها في السماء”. انتهى كلام السيوطي ومثله في التذكرة للقرطبي قال: “فهذا يدل على أن جهنم على وجه الأرض والله أعلم بموضعها, وأين هي من الأرض”.
وقال الشيخ أحمد ولي الله المحدث الدهلوي في عقيدته: “ولم يصرح نص بتعيين مكانهما بل حيث شاء الله تعالى إذ لا إحاطة لنا بخلق الله وعوالمه”. وهذا القول أرجح الأقوال وأحوطها إن شاء الله تعالى (انظر موقع الدرر السنية).
أما الصلابي (2011) فيستعرض أسماء النار (النار والسعير وجهنم ولظى وسقر والهاوية والحطمة والجحيم) مع شرح المعنى اللغوي لكل إسم من هذه الأسماء، لكنه لا يعتبرها أسماءا لأبواب جهنم ولا لدركاتها، بل يعتبرها صفات للنار بشكل عام، كما يستند إلى قوله تعالى من سورة الأحقاف: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا … الآية (19)) معتبرا أن درجات الناس في النار ليست سبعة درجات فقط، وعليه لايعتبر أن أبواب النار السبعة مرتبطة بدرجات أو دركات النار. لكن الصلابي يعود للإشارة إلى دركات النار على أنها منازل العذاب في النار، ويشير غلى أنها قد تسمى دركات أو درجات، وأنها تتفاوت في شدة العذاب من أهون أهل النار عذابا إلى المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار، لكنه يشير إلى أنه هناك أصناف أخرى توعدهم الله عز وجل بأشد العذاب وهم: فرعون وقومه، واليهود الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضه، إضافة للذين كفروا من أصحاب المائدة.
هل يمكن أن ينهي مفهوم الكون ذلك الخلاف؟
بناء على ما تقدم، يتضح التفاوت فيما يخص أبواب أو دركات النار إلى عدة أقوال يمكن إيجازها فيما يلي:
-يذكر ابن كثير وغيره ما ورد عن علي ابن ابي طالب أن النار على سبعة أطباق بعضها فوق بعض، كما يذكر أن ما بين كل باب من أبواب النار مسيرة 500 سنة.
-ويذكر السيوطي في الدر المنثور وغيره سبعة أسماء مخصصة لأبواب النار أو دركاتها، ويشير إلى أسماء جامعة مثل جهنم والنار.
-ويروي مسلم أن منازل أهل النار تتفاوت بتفاوت درجة العذاب من الكعبين إلى الترقوة.
-ويذكر الأشقر (1991) أن دركات النار تعتبر منازل للعصاة، حيث يكون في الدرك الأول (الأخف عذابا) عصاة الموحدين والثاني لليهود، ثم النصارى فالصابئون فالمجوس، ثم مشركوا العرب فالمنافقون في الدرك الأسفل.
-أما السيوطي (في: إتمام الدراية شرح النقاية) وغيره فيقولون بالتوقف عن محل النار ودركاتها لعدم ورود حديث مباشر، فالأحوط التوقف.
-أما الصلابي (2011) فيعتبر أسماء النار صفات وليست أسماء للأبواب أو الدركات، ويقول أن درجات النار أكثر من سبعة، وأن المنافقين وغيرهم بالدرك الأسفل لأنهم أشد الناس عذابا.
يتضح مما تقدم التفاوت الكبير في الآراء حول مفهوم أبواب النار:
أ) يشير بعض الأئمة إليها على أنها من سبع طبقات فوق بعضها البعض، ولكل باب اسم يميزه، وأنها في الأرضين السبع؛
ب) وبعضهم يفضل التوقف عنها نظرا لعدم ورود حديث مباشر عن طبيعتها؛
جـ) أما الصلابي (2011) فيعتبر كل ما ورد عن وصف النار عبارة عن صفات مشتركة للنار عموما مع اعتبار أنها في الأرض السفلى فقط.
وعليه يتقدم الباحث الحالي بهذا المقال عن النار كجزء من المفهوم الشامل للكون الكبير الذي يضم السماوات السبع والأرضين السبع والكرسي والعرش والماء … يتقدم كاتبنا إلى علمائنا الأجلاء للنظر في صحة الاستدلال ودقة الربط بين النصوص الدينية والمفاهيم العلمية، والأمل كبير أن يتم الموافقة على هذا المشروع الكوني الإسلامي الكبير، توطئة لنشره على العالم أجمع، ويعتقد الباحث الحالي أن تناول هذا البحث – لجزئيات الكون ومكوناته- يعتبر تناولا مبتكرا لأن البحث الحالي عن مفهوم الكون الكبير يطرح مفهوما شاملا للكون، وبالتالي يتطلب التعامل مع بحث مفهوم الكون على أنه طريقة في التفكير، وأسلوب في التفسير وفي شرح النصوص الشرعية من القرآن والسنة وآثار السلف الصالح في ضوء المفهوم الشامل للكون الكبير ومكوناته، ومن ثم الشروع في أبحاث علمية لاستكمال جوانب هذا المشروع الكبير. وبالله التوفيق.
البديل الصحيح:
يؤكد الباحث على أن الدرر الكامنة في تراثنا الزاهر لا زالت لم تستنفد بعد، ومن تلك الدرر ما روى ابن عبد البر وضعفه من حديث ابن عمر مرفوعاً ((لا يركب البحر إلا غاز أو حاج, أو معتمر, فإن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحرا))، وقد مر كاتب هذه السطور على هذا الحديث وظل يفكر في معناه في ضوء المفهوم الشامل للكون، حتى وجد نفسه يستيقظ من النوم على فهم قوي لهذا النص الكريم.
إلا أن البحث على النت أظهر أن الحديث ضعيف، لكن بتتبع الروابط على موقع الدرر السنية ظهرت الرواية التالية ضمن رابط (الصحيح البديل) روى الذهبي في كتابه المهذب في اختصار السنن عن عبد الله بن عمرو، أنه قال : ((ماءُ البحرِ لا يجزِئ من وضوءٍ ولا من جنابةٍ ، إن تحتَ البحرِ نارا ثم ماءٌ حتى عدّ سبعةَ أبحرٍ وسبعةَ أنيارٍ))، قال الذهبي: هذا الموقوف صحيح ورجاله ثقات…. وقد استشار الباحث أحد الزملاء من أساتذة علم الفلك (في بداية شهر رمضان 1444هـ) حول توجيه مدار الكرة الأرضية حول الشمس ضمن مجرة التبانة، وتوجيه المجرة في الكون المدرك، وذلك للتأكد من صحة المعنى القوي الذي استنتجه… ونحن الآن في انتظار نتيجة هذا البحث الفلكي، وعليه نرجو أن يوفقنا المولى عز وجل إلى صيغة مقبولة حول أبواب النار ودركاتها…. اللهم آمين
النار في الأرضين السبع السفلى بعيدا عن العرش:
جاء في المقالات السابقة من هذا البحث إشارة إلى أن النار في الأرضين السبع السفلى بعيدا عن العرش المجيد، وحيث أن بحث مفهوم الكون الكبير يشير إلى أن الأرضين تعتبر سبعة فوق السماوات السفلى، فالنار يمكن أن تكون سبعة أطباق كما ورد عن علي بن ابي طالب رصي الله عنه، وأبوابها السبعة إشارة إلى تلك الأرضين، ويمكن أن يكون معنى النص الذي يشير إلى أن تخت البحر نارا وتحت النار بحرا، يمكن أن يشير إلى أن النصف السفلي من الكرة الأرضية الذي يغلب عليه الماء تحته النار في اتجاه السفل في الأرض التالية للكرة الأرضية، وهكذا حتى نصل إلى سبعة أبحر وسبعة أنيار، لكن البحث ما زال جاريا، والله أعلم.
المراجع:
- كتب التفسير والحديث المذكورة في النص.
- الأشقر، ع. (1991): اليوم الآخر: (3) الجنة والنار، دار النفائس، الأردن، ط 4، 280 ص.
- الصلابي، ع (2011): سلسلة أركان الإيمان، (5) الإيمان باليوم الآخر (فقه القدوم على الله)، دار المعرفة، بيروت – لبنان، 435 ص.
- موقع الدرر السنية: أبواب النار، ونقاط أخرى.
بقلم: د.سعد كامل
أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر
saadkma2005@yahoo.com