مقومات القفزة الاقتصادية في البرازيل
تونس : سيدة القيروان
حقق البرازيل قفزته الاقتصادية بفضل تضافر مقومات متنوعة، يبرز من خلالها الدور المحوري للدولة التي اقرت خططا تنموية متعددة و التي سعت الى توظيف مزايا رصيده البشري و التحكم في مجاله الشاسع و توظيف موارده الطبيعية بتعبئة الاستثمار الأجنبي المباشر و الاقتراض الخارجي .
فما هي مقومات القفزة الاقتصادية البرازيلية ؟
أولا :الدعائم التنظيمية :
تعاقب نماذج التنمية للخروج من التخلف تبنى 3 نماذج الأولوية فيها للصناعة لانها محرك أساسي للتنمية :
1 ) نموذج قائم على القومية الاقتصادية: بعد أزمة الثلاثينات: بعد أزمة الـ30نات إلى حدود 1964 :
– طبق هذا النموذج من اجل تحقيق التنمية اعتمادا على الإمكانيات الذاتية للبلاد متمثلة في الاستثمارات الوطنية .
– طبق نموذج التصنيع المعوض للتوريد ، الذي اعتمد على سياسة حمائية و توجيه العائدات المتأتية من الصادرات الفلاحية إلى القطاع الصناعي قتم إنشاء شركات عمومية كبيرة أوكلت لها مهمة تطوير الصناعات الثقيلة مثل “سيداربراس” في إنتاج الفولاذ. و ” بيتروبراس”:استخراج النفط و تحويله و”فالي ديريودتشي”: الاستخراج المنجمي
نجح هذا التوجه في إرساء أسس صناعة وطنية قوية و نسيج صناعي متكامل لكنه واجه صعوبات مثل التبعية للخارج و توريد التجهيزات و عجز السوق الداخلية عن استيعاب الإنتاج الصناعي.
2 ) نموذج تنموي قائم على النهوض بالصادرات: منذ 1964 :
تم تطبيق في مرحلة ثانية نموذج التصنيع الحاث على التصدير و تطلب هذا النموذج زيادة تدويل الاقتصاد البرازيلي و تدعيم ارتباطه بالأسواق الخارجية وانفتاحه على الرأس المال الأجنبي و المحلي.
– اهتمت الدولة بالزراعات التصديرية لتوفير عائدات للتصنيع و وضعت القوانين المشجعة للاستثمار و هيئت البنى التحتية و المناطق الحرة و عملت على الضغط على الأجور و الحد من تكلفة الإنتاج و التخفيض من قيمة العملة و بالتالي أصبحت المنتجات قادرة على المنافسة. لكن رغم تحقيق نمو اقتصادي حثيث “القفزة : المعجزة الاقتصادية ” بين 1967 – 1973)إلا انه بثمن باهظ اذ أدى إلى التضخم المالي و تسبب في عجز الميزانية و ارتفاع المديونية و تأزم الهياكل الفلاحية و تنامي الفوارق الاجتماعية.
3 ) الانفتاح الاقتصادي: (بداية التسعينات) :تمثل في تخلي الدولة عن المشاركة المباشرة في الإنتاج و تحرير المبادلات التجارية و توثيق العلاقات مع الخارج وذلك بتبني ” الليبيرالية الجديدة” منذ 1990 وتطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي الذي فرضه صندوق النقد الدولي بإزالة الحواجز الجمركية و خوصصة المؤسسات العمومية وهو ما أدى إلى ارتفاع الإنتاج الصناعي و الفلاحي و بناء نسيج صناعي مندمج ليصبح البرازيل بلدا صناعيا جديدا متميزا و مصدرا عالميا هاما.
لكن تفاقمت البطالة و تعمقت الاختلالات و افلست عدة مؤسسات ).
ثانيا : الدعائم البشرية :
توظيف مزايا الرصيد البشري الكبير حيث يبغ عدد السكان 202,768 مليون نسمة في أواسط 2014 بدخل فردي سنوي 14,750 دولار سنة 2013 و نسبة تحضر مرتفعة ( 85% سنة 2014) طاقة استهلاكية ضخمة .
– تركيبة عمرية فتية: رصيدا ضخما من السكان في سن الشغل 69% من مجموع السكان (اكثر من 3/2) ومثلت % النشطين 66% : اكثر من 100مليون نشيط في 2013 : ( دور هام للحركية المجالية واهمية النزوح الريفي :يد عاملة رخيصة الأجور ( 5,41 دولار / الساعة : الصناعة التحويلية مقابل 23,32 في الو م ا سنة 2010)
و أيضا حسنة التكوين ف 17,20% من العاملين سنة 2011 :تعليم عالي بفضل استثمار 5,82% من الن د خ للتعليم في 2010 : جودة الرصيد البشري : جذب الاستثمارات الأجنبية .
2 ) روح ريادية متجددة :
توافد المهاجرين على البرازيل منذ الاكتشافات الجغرافية الكبرى في القرن 16 احد أسباب تطوير أساليب الإنتاج و تركيز أنشطة فلاحية جديدة ( العبيد من افريقيا بين 1500 و 1870 مثلوا 44,55% من الوافدين لكامل ا اللاتنية +و بين 1800 و 1820 :3/1 المهاجرين الاروبين :إيطاليا و البرتغال أساسا)و 4/3 الوافدين بين 1984 و 1959 و رغم اعتماد سياسة تحديد الهجرة منذ 1934 استقبل البرازيل سنة 2013 نحو 600الف مهاجر ( 599,7 الف)
ضمن العبيد غراسات القصب السكري و البن غربا و الاروبيون في تطوير أنشطة جديدة المطاط بامازونيا
-كما أسهمت الهجرة الداخلية من الشريط الساحلي في اتجاه المناطق الشمالية والغربية( المناطق الريادية) للبحث عن أراضي جديدة في إدماج المجال البرازيلي.
ثالثا: الدعائم الطبيعية :
وفرة الثروات الطبيعية و السعي الى التحكم في المجال : مجال شاسع 8,515 مليون كم2 ( المرتبة 5 بعد روسيا وكندا و الو م ا و الصين):ضعف مساحة الاتحاد الاروبي : هو بلد قارة .
1 ) ثروات طبيعية ضخمة :
تتمثل في مجال يغلب عليه الانبساط :ضخامة مخزون الأراضي الصالحة ( 275,030)- مليون هك من الأراضي الصالحة للزراعة
– تعدد الأقاليم المناخية سمح بتعدد المنتجات الفلاحية ( مطاط ، كاكاو ) بالمناطق الاستوائية : شمالا
و(القطن و البن وقصب السكر) بالمناطق المدارية و شبه المدارية(السواحل الشرقية ) ( الصوجا و الأرز) بالجنوب.
– شبكة نهرية كثيفة يغذيها نهر الأمازون (اعظم انهار العالم من حيث منسوبه البالغ 160الف م3 / الثانية )توفر المياه للري و لتوليد الطاقة الكهربائية(مرتبة 2 عالميا) و تسهيل النقل الداخلي
– امتداد المساحات الغابية بحوض الامازون: توفير موارد خشبية هامة مرتبة 4 عالميا ب 12/1 الإنتاج سنة 2013 )
– ثروات منجميه تتميز بوفرتها خاصة الحديد ( منطقة كاراخاس المنجمية): 3 منتج للحديد و للبوكسيت ب7/1 الإنتاج عالميا في 2013 و 2 للوقود الحيوي و الكهرماء و المنتج12 للنفط عالميا.
– تنامي الإنتاج الطاقي بفضل تكثيف عمليات التنقيب إلى جانب اقتحام مجال الطاقة النووية مما أدى إلى تحقيق 92,2% من الاكتفاء الذاتي طاقيا سنة 2012 بل وحقق فائضا في موازنة النفط ( 112% في 2012) على حساب التوازنات البيئية (اجتثاث الغابات من طرف الشركات ع القطرية لزراعة الصوجا وخاصة في اطار جهود الدولة لاحياء إقليمي الوسط الغربي و الشمال .
2 ) مجهودات التحكم في المجال :
– بدأت محاولات السيطرة على المجال منذ القرن 16 و ارتبطت بدورات اقتصادية متتالية ، أسهمت في توسيع المجال المعمور و ربط الأقاليم يبعضها البعض:
* دورة القصب السكري في الشمال الشرقي :القرن 17
* دورة الذهب و تربية الماشية في الوسط الغربي القرن 18
* في القرن 19 : – دورة المطاط و القطن و القهوة في أمازونيا (الشمال الغربي )
– ودورة البن في الجنوب الشرقي
– في القرن 20 تم تركيز شبكات نقل متنوعة بإنشاء موانئ بحرية و نهرية على طول السواحل الشمالية و الشرقية بنهر الأمازون و بعث أقطاب تنموية خاصة بالشمال مثل “مناوس” لدفع عملية الإعمار كما تم إحداث عاصمة جديدة سنة 1960 داخل البلاد و هي برازيليا عوضا عن ري ودي جنيرو للحد من التركز المفرط على السواحل
لكن يبقى مشكل شساعة المجال إحدى المعوقات للتحكم في المجال لذلك يسعى البرازيل إلى تدعيم النقل الجوي و شبكات نقل الكهرباء و المعلومات لإدماج الأقاليم الريادية. رغم المجهودات لا تزال بعض المشاكل (لعدم اكتمال الشبكة الحضرية +لحدة التركز الساحلي عدم قدرة على فك عزلة بعض المناطق الشمالية و الغربية شبه الخالية من السكان .
تتطلب جهود التحكم في المجال و الاستفادة من الثروات اعتمادات ضخمة : دفع البلاد الى الانفتاح على الأسواق المالية العالمية
IV – تعبئة الموارد المالية الأجنبية المباشرة :
1 ) تدفق الاستثمارات الأجنبية:
“نضتعفت الاستثمارات الأجنبية تضاعفت اكثر من 433 مرة بين 60-1969 و 2010-2013 و الشركات عبر القطرية منذ 1964 نظرا للإمكانيات الضخمة و المغرية وتوفر شروط الاستثمار كضعف اجر اليد العاملة و الاستقرار السياسي و بالتالي تحول البرازيل إلى
“جنة للمستثمرين ” و أهم البلدان النامية استقطابا للاستثمارات الأجنبية .
– مكن انتشار الشركات عبر القطرية في تركيز المركب الفلاحي – الغذائي و تطوير صناعة التكنولوجيا العالية في صناعة السيارت خاصة (فولسفاغن وفيات و جنرال موتورز..و محققة ما يزيد عن ¾ مبيعات صناعة الأدوية و 1/3 مبيعات صناعة المعلوماتية لكن يتسبب ذلك في تكريس التبعية المفرطة للخارج. اذ ترحل هذه الشركات ارباحا طائلة الى اوطانها الاصلية .
2 ) اللجوء الى الاقتراض الخارجي : منذ 1946 اظطر البرازيل الى الاقتراض.أصبح ثاني دولة في العالم النامي (بعد الصين : 874,463 م د) لها ديون تضاعفت بين 2000 و 2013 من 242,5 الى 482,5 مليار دولار.
– تعاني البرازيل من ارتفاع قيمة المؤشرات المرتبطة بهذه الديون و التي تسببت في مشاكل كبيرة للاقتصاد حيث تمثل نسبة خدمة الدين .28,6% مجموع الصادرات و 3,78 %من الناتج الداخلي الخام .سنة 2013
اشرف على الإفلاس فاظطر للمطالبة بإعادة جدولة ديونه :أصبح في السنوات الأخيرة خاضع لأوامر صندوق النقد الدولي الذي فرض القيام باصلاح هيكلي للاقتصاد منذ التسعينات و يتمثل هذا الإصلاح في التفويت في المؤسسات العمومية للخواص و تسريح العمال و التخفيض من الأجور . للتقليص من قيمة ديونه سعى البرازيل الى الزيادة في صادراته خاصة من المواد الزراعية التي ارتفعت قيمتها في السنوات الأخيرة في السوق العالمية واعتمد “التسديد الاستباقي لقسط من ديونه”
الخاتمة :
أصبح البرازيل قوة اقتصادية كبرى بوّأته مكانة بارزة ضمن بلدان الجنوب الا انه يبقى عاجزا عن ضمان استفادة كل الفئات و الجهات من ثمار نجاحاته في ظل التباينات الاجتماعية و المجالية التي يعاني منها .