ملحمة الحب والوفاء والإبتلاء على ضفاف النيل

قصة قصيرة بقلم / ممدوح الشنهوري
تقابلنا بالصدفة في احد النوادي المطلة علي نهر النيل ، في احد ايام الخريف الجميلة ، والتي غالبا ما يستحوذ جمالها شهر ( ايلول، او سبتمبر ) والذي من كثرة جماله غنت المطربة ( فيروز ) له اغنية.
( ورقو الأصفر شهر أيلول تحت الشبابيك ،
ذكرني و ورقو دهب مشغول ذكرني فيك
ذكرني فيك )
لتسري في الروح جمال وعبق وحب وحنين كلما اتي ذلك الشهر ، لانه الشهر الوحيد القادر علي إنتشال أي حزن من قلوب العاشيق.
وكنت قادما وقتها من سفر بالقطار من مدينة القاهرة وكان ذلك منذ اكثر من عشرين عاما، وبما أن الرحلة ،مرهقة جدا في السفر، اردت إرتشاف بعض من القهوة في ذلك النادي المطل علي النيل واستنشق بعض من نسمات الهواء والخضر والنهر مع فنجان القهوة خاصتي .
واذا وانا جالس ارتشف قهوتي أتي ذلك الصديق العزيز علي مع إبتسامة مشرقة منه ووجه بشوش كعادته مصطحبا في يده فتاه جميله ،بشوشة الوجة والملامح مثل صديقي تماما ، وبعد ان سلمت عليهم، عرضت إستضافتهم علي مشروب العصير ،وجلسنا سويا . وبما اني لم اعرف ما تكون تلك الفتاه الجميلة التي يصطحبها معه صديقي ،لبعدي عنه فتره من الشهور، وقبل ان اهم بسؤاله عليها ،قال لي هذه ( خطيبتي ) وفرحنا بعد شهور فليلة لتأخذني فرحة عارمة لهم ،بمعرفة ذلك الخبر الرائع بعد معرفتي لخطبتهم ، وبعد التهنئه لهم وجلوسا معا لبعض الوقت نتسامر عن ايام عزوبية صدبقي في ذلك الجو الرائع والمكان الجميل. وبعد القيام معهم بواحب الضيافة ،إستأذنتهم في الرحيل الي البيت للراحة من جراء تعب سفري ،وكذلك لأتركهم يتمتعوا بخروجتهم وتنزههم كخطيبين جدد من حقهم ان يمرحوا بأجمل ايام شبابهم .
وسرقتني الأيام بعد اخر لقاء مع صديقي هذا ما بين عمل وسفر، لأقابله مرة أخري قدرا في الطريق، مكئب الحال، مهموم الجبين ،حائر الفكر ، لتظهر عليه ملامح الكبر وكأنه وصل سنه للخمسين عاما ،رغم ان عمره لم يتجاوز الثلاثين .
وبعد برهة من الصمت بيننا اثناء وقوفنا سويا ،بادرته السؤال ما بك يا صديقي، ليجيب مهموما وحزننا والدمع في عينيه، لقد اصيب خطيبتي ( بفشل كلوي ) وتحتاج الي زراعة كٌلي من متبرع ،لينهال ذلك الخبر علي مسامعي ك وقع صاعقة علي رأسي من جراء الصدمة، وخاصة لأني خطوبتهم لم يتعدي عليها الكثير من الوقت.
وبعد ان تداركت أثر الصدمة والموقف ،كان أول سؤال يجول بخاطري هو ماذا سيقعل صديقي في موضوع هذا وهو من حقه ان يعيش ويتهنئ بدنياه ، ولكن بالطبع ليس مع انسانة مريضة بالمرض الذي الم بخطيبته .
وقبل أن اسأله عما سيفعله معها ،وهل سيفسخ خطوبته منها ويتركها ،ويبحث عن اخري للزواج، وكأنه كان يقرأ ما بداخلي، لذا هم بالجواب بأنه لن يتركها في مرضها هذا ويبحث عن اخري للزواج منها ، وبأنه سكون بجوارها حتي النهاية .
وأكد أنه لن يقف بجوارها فقط في محتها وكذلك سيقوم بعمل تحاليل طبية من أجل التبرع لها بكلية من احدي كليتيه ،ليتقاسم معها العمر والحب والوفاء النادر لحياتهما معا .
وبعد سماع ذلك منه وبوفائه النادر لحب وخطوبة لم تتجاوز الشهور لخطيبته هذه التي الم بها المرض، ادركت أشياء عن الحياة لم ادركها بعد من موقف صديقي هذا أشياء عن خليط ومعدن الإنسان وقيمه ومبادئه ووفائه وإخلاصه للصداقة والحب ،لم اكن إكتشفتها بعد في الحياة
حيث ان تلك الصفات التي حبي بها الله صديقي هذه، هي صفات العظماء من الرجال، والتي تحدث عنها الرسول صلي الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”.
ومرت ايام واسابيع وشهور وهم يقومون بالغسيل الكٌلوي لخطيبته في مستشفيات المنصورة الجامعية ،وفي نفس الوقت يقومون بعمل تحاليل منه ومن خالة خطيبته لنقل كٌلي لها ،وكانت خالتها اقرب منه في التطابق في التحاليل لنقل الكٌلي لها ،وتمت زراعة ونقل كٌللي لها من خالتها، وذلك الصديق الوفي لم يفارقها ولو لثواني من السفر والترحال معها من مدينتهم الي مستشفىات جامعة المنصورة الي ان تمت زراعة الكٌلي لها بنجاح وتزوجا فيما بعد.
ولكن بما أن الإنسان المعافي صحته تختلف كليا وجذريا علي الأنسان المريض، تحمل ذلك الصديق ولطوال عشرين عاما زوجته هذه بكل اوقتها المختلفة ما بين مرضها احيانا بسبب مضاعفات كِليتها الواحدة ،وما بين اوقاتها الأخري حينما تكون معافية صحيا.
وانجب فيما طفل جميل اصبح الان شابا يافعا ، يحمل من ملامح والده الكثير في الصفات في الشبة والمروءة والأخلاق الدمثه والتدين والصدق والوفاء ،وكأن الله اراد ان يعوضه بذلك الإبن البار حفظه له ،بما جاد به علي أمه من مروءه وشهامة حينا آبي ان يتخلي عن امه وقت شدتها في مرضها حينما كانت الفرصه متاخة له في التخلي عنها والبحث عن اخري ليخطبها ويعيش حياته كيفما شاء، ولكن كان اصله الطيب الدي ورثه عن والده امام جامع القرية التي يسكن فيها، هو ميراث التقي الذي تركه له حتي في تعليمه الجامعي بعد حصوله علي ليسانس أصول الدين من جامعة القاهرة .
وكما أن لذلك الصديق دور كبير في الوفاء والحب والتضحية للتمسك بخطيبته وقت مرضها، كان لتلك الخطيبة والزوجة دور كبير مع ذلك الصديق في كل ظروف حياته بالعطاء والحب والوفاء قدر إستطاعتها الصحية ، حيث كانت وما زالت من اجمل صفاتها الحسنة، بخلاف بر زوجها ،هو تعلقها بالله وقت الشدة، وخاصة، حينما ارادت ان تسعد زوجها الذي ضحي من اجلها بالكثير والكثير في كل شيء … هو سعيها في حمل طفل لتسعد زوجها به ،وبما ان حالتها الصحية غير ملائمة للحمل ، كان الكثير من الأطباء وكذلك الأقارب يقولون لها لن نحملي بطفل لظروفك الصحية ، وهي تقسم بالله بأنها ستحمل وستلد وهي تقسم وهم يقسمون ،وفازت هي بتعلقها وظنها الخير بالله وانجبت ذلك الصبي الجميل الأن .
ليسطر ذلك الصديق صاحب المرؤه والأخلاق وتلك الزوجة الصالحة بإيمانها المتعلق بالله ( ملحمة انسانية في الأخلاق والوفاء والحب لكليهما وقت الشده قبل الرخاء ).
ممدوح الشنهوري
كاتب صحفي وعضو المنظمة المصرية والدولية لحقوق الإنسان