ممداني وهاشمي… انتصار معنوي أم رحلة جديدة لصعود صوت الحق

بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير
في الخامس من نوفمبر 2025، أفاقت نيويورك على مشهدٍ لم تألفه من قبل: فوز زهران ممداني، المسلم المهاجر ابن القارة الإفريقية، بمنصب عمدة المدينة التي لا تنام لم يكن فوزه مجرد تبديلٍ في المناصب السياسية، بل زلزالًا أخلاقيًا هزّ أركان الثقافة الأميركية من الداخل، وأعاد تعريف معاني الهوية والانتماء والضمير الإنساني في زمنٍ تتنازع فيه الخطابات المتطرفة.
أهمية هذا الفوز في ولاية نيويورك يكمن في وجود أكثر من نصف اليهود في امريكا (٦ مليون تقريبا) تسيطر من خلالهم الصهيونية على المال والإعلام في أمريكا والعالم …
عودة نيويورك إلى إنسانيتها
لذا منذ اللحظة الأولى لإعلان النتائج، بدأت القنوات الإسرائيلية تصف الحدث بأنه “سقوط نيويورك في أيدي الإسلاميين”، بينما كان الأميركيون الحقيقيون في الشوارع يحتفلون بـ”عودة المدينة إلى إنسانيتها” وبين المشاهدين، كان الحدث يُكتب بلغة التاريخ لا بلغة العناوين: فهذه هي المرة الأولى التي تتربع فيها قيم العدالة والمساواة على كرسي بلدية نيويورك لا الشعارات الانتخابية.
السبب في الغضب الإسرائيلي واضح؛ فممداني لم يُخفِ يومًا تعاطفه مع الشعب الفلسطيني، بل كان من أبرز الأصوات داخل المجلس التشريعي لولاية نيويورك المطالِبة بوقف الدعم العسكري غير المشروط لإسرائيل وعندما اندلعت حرب غزة في أكتوبر 2023، خرج في مظاهرات حاشدة، مرتديًا الكوفية الفلسطينية، ليقول عبارته الشهيرة:
“لا يمكن أن تدّعي الحرية وأنت تصمت على الاحتلال”
عمدة كل من يبحث عن العدالة، من بروكلين إلى غزة
اليوم، يعود الرجل ذاته إلى المشهد، لا كناشطٍ يهتف، بل كعمدةٍ يُقرر وهذه النقلة في حد ذاتها تحمل رمزية أكبر من المنصب نفسه: فأن يجلس مسلمٌ، مهاجرٌ، مناصرٌ لفلسطين، على رأس أكثر مدن العالم تأثيرًا، يعني أن صوت المظلومين بات جزءًا من دوائر صنع القرار.
وهذا ما تأكد في خطابه الأول بعد الفوز، قال بصوتٍ يحمل مزيجًا من الثقة والتواضع:
“لن أكون عمدة المسلمين فقط، بل عمدة كل من يبحث عن العدالة، من بروكلين إلى غزة”
كلماته هذه لم تكن مجرد خطابٍ احتفالي، بل إعلان مبادئ لرجلٍ يدرك أن السياسة ليست مجرد إدارة مدينة، بل إدارة ضميرٍ جماعيٍّ في زمنٍ فقد البوصلة.
تحوّلٍ عميقٍ في وعي الجيل الأميركي الجديد
لقد شكّل فوز ممداني انعكاسًا لتحوّلٍ عميقٍ في وعي الجيل الأميركي الجديد، الذي ضاق ذرعًا بسياسة “المعايير المزدوجة”، ويريد أن يرى العدالة تُطبّق بلا لون فأن يصوّت سكان نيويورك، بما تحمله المدينة من تنوعٍ ثقافي وديني، لرجلٍ مسلمٍ لا يخفي مواقفه المناهضة للاحتلال، فذلك يعني أن العالم بدأ يفيق من نومه الطويل.
أول امرأة مسلمة في منصب نائب حاكم ولاية
من الجميل أنه لم يكن فوز زهران ممداني هو الأول من نوعه فقد سبقه بيوم واحد فقط فوز غزالة هاشمي بلقب نائب حاكم ولاية فيرجينيا ما يجعلها أول امرأة مسلمة تُنتخب في منصب على مستوى الولاية في الولايات المتحدة في انتخابات 2025
بهذا النجاح، تتشكّل صورة مفادها أن المشهد الأميركي يشهد تغيّراً في المشاركة المدنية على صعيد التمثيل السياسي للمسلمين والأقليات في المواقع العليا من بين هذه النتائج
العلاقة بين هذه النتائج وصراع إسرائيل-فلسطين
من جهة الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، فوز زهران ممداني إلى جانب فوز غزالة هاشمي يعطي بصيص أمل بأن قضايا الشرق الأوسط – وبخاصة فلسطين – قد تجد طريقها داخل النقاش السياسي الأميركي بطريقة أكثر تنوّعاً وتمثيلاً، كما يجب أن تُترجَم إلى مشاركة فعليّة، وتحقيق تأثير ملموس في هذا المعنى
إن الفوز ليس نهاية، بل بداية ربما لمرحلة جديدة في المشهد الأميركي: مرحلة تشهد تمثيلاً أوسع، ومشاركة مختلفة، وربما مراجعة تدريجية لنموذج السياسة الأميركية تجاه الداخل والخارج.
الحذر من تضخيم الأثر المباشر
مع ذلك، يجب الحذر من تضخيم الأثر المباشر: لأن العمدة ليس وزيراً للخارجية، ومنجزاته الفعلية في السياسة الدولية ستكون محدودة لكن التأثير الرمزي والسياسي في الرأي العام قد يكون ملموساً.
في ختام المشهد، يمكننا أن نبتسم قليلًا وسط كل هذا الجدل:
فبينما كانت تل أبيب تندب “سقوط نيويورك”، كانت غزة – رغم جراحها – تبتسم في صمت، وكأنها تقول:
“ها هو العالم بدأ يسمعنا… ولو بصوت عمدةٍ من أبناء المهاجرين”
السفير د. أحمد سمير
عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة
السفير الأممي للشراكة المجتمعية
رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية







