منبر الجمعة.خطبة الجمعة الموافق 17 يناير 2025….. التحذير من خطورة التكفير

إعداد/الدكتور عبد المنعم ابراهيم.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

الْكُفْرُ حَرَامٌ وَهُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ () قَال اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان / 13) ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ الإِْشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ () .

جَزَاءُ الْكَافِرِ فِي الآْخِرَةِ وَالدُّنْيَا:

جَزَاءُ الْكَافِرِ فِي الآْخِرَةِ الْخُلُودُ فِي النَّارِ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (التغابن / 10.

 

الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالتَّكْفِيرِ:

(أَوَّلاً) تَكْفِيرُ الْمُسْلِمِ

الأْصْل بَقَاءُ الْمُسْلِمِ عَلَى إِسْلاَمِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيل عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ، لِمَا ثَبَتَ في الكتاب والسنةوفهم سلف الأمة:

أولاً: من القرآن:

قَوْله تَعَالَى :{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [الروم: 30]

ثانيًا: من السنة:

1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ -وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ -فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُولَدُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ” ().

قال النووي: مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ مُتَهَيِّئًا لِلْإِسْلَامِ فَمَنْ كَانَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا اسْتَمَرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهَذَا مَعْنَى يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ أَيْ يَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِهِمَا فِي الدُّنْيَا فَإِنْ بَلَغَ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُ الْكُفْرِ وَدِينِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ سَبَقَتْ لَهُ سَعَادَةٌ أَسْلَمَ وَإِلَّا مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَهَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَمِ النَّارِ أَمْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ فَفِيهِ الْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ قَرِيبًا الْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى ﷺ: “يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ، عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ” ()

3- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ المُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ»

قال تَعَالَى :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [النساء: 94]

وَيَجِبُ قَبْل تَكْفِيرِ أَيِّ مُسْلِمٍ النَّظَرُ وَالتَّفَحُّصُ فِيمَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، فَلَيْسَ كُل قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَاسِدٍ يُعْتَبَرُ مُكَفِّرً

ثالثاً : مِنَ الصحَابَةِ

عبد البر عن أبي سفيان قال: “قلت لجابر: أكنتم تقولون لأحد من أهل القبلة: كافر؟ قال: لا. قلت: فمشرك؟ قال: معاذ الله. وفزع.

العمل بالظاهر والله يتولى السرائر:

قال تَعَالَى :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [النساء: 94]

أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ”

– فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا ” قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ»().

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي الْحَدِيثِ إِنَّ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ الظَّاهِرَةُ وَلَوْ أَسَرَّ الْكُفْرَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنِ اطُّلِعَ عَلَى مُعْتَقَدِهِ الْفَاسِدِ فَأَظْهَرَ الرُّجُوعَ هَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ أَوْ لَا وَأَمَّا مَنْ جُهِلَ أَمْرُهُ فَلَا خِلَافَ فِي إِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ عَلَيْهِ

التحذير من التكفير

أولاً : مِنَ الْقُرْآنِ

فمِنَ الْقُرْآنِ:

قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)

أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا:

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: ” أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ ” .

براءةُ الرسول ﷺ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ :

عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا، فَقَالُوا: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَأَمَرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلاَ يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ» مَرَّتَيْنِ().

مَتَى يُحْكَمُ بِالْكُفْرِ:

يُشْتَرَطُ فِي تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا عِنْدَ صُدُورِ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ مِنْهُ، فَلاَ يَصِحُّ تَكْفِيرُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، وَلاَ مَنْ زَال عَقْلُهُ بِنَوْمٍ أَوْ إِغْمَاءٍ، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ، فَلاَ اعْتِدَادَ بِقَوْلِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ.

وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ تَكْفِيرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإْيمَانِ، قَال تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106

بِمَ يَكُونُ التَّكْفِيرُ:

أ – التَّكْفِيرُ بِالاِعْتِقَادِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنِ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بَاطِنًا، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ إِلاَّ إِذَا صَرَّحَ بِهِ.

وَمَنْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ فِي الْمُسْتَقْبَل، أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَكْفُرُ حَالاً لاِنْتِفَاءِ التَّصْدِيقِ بِعَزْمِهِ عَلَى الْكُفْرِ فِي الْمُسْتَقْبَل، وَتَطَرَّقَ الشَّكُّ إِلَيْهِ بِالتَّرَدُّدِ فِي الْكُفْرِ. وَلاَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ إِلاَّ إِذَا صَرَّحَ بِالْكُفْرِ أَيْضًا ().

ب – التَّكْفِيرُ بِالْقَوْل:

اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ قَوْلٌ مُكَفِّرٌ، سَوَاءٌ أَقَالَهُ اسْتِهْزَاءً، أَمْ عِنَادًا، أَمِ اعْتِقَادًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66]

وَهَذِهِ الأْلْفَاظُ الْمُكَفِّرَةُ قَدْ تَكُونُ صَرِيحَةً كَقَوْلِهِ: أُشْرِكُ أَوْ أَكْفُرُ بِاَللَّهِ، أَوْ غَيْرَ صَرِيحَةٍ كَقَوْلِهِ: اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ أَوْ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ، أَوْ جَحَدَ حُكْمًا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، كَوُجُوبِ الصَّلاَةِ وَحُرْمَةِ الزِّنَى.

مُكَفِّرٌ، سَوَاءٌ أَقَالَهُ اسْتِهْزَاءً، أَمْ عِنَادًا، أَمِ اعْتِقَادًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66]

وَهَذِهِ الأْلْفَاظُ الْمُكَفِّرَةُ قَدْ تَكُونُ صَرِيحَةً كَقَوْلِهِ: أُشْرِكُ أَوْ أَكْفُرُ بِاَللَّهِ، أَوْ غَيْرَ صَرِيحَةٍ كَقَوْلِهِ: اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ أَوْ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ، أَوْ جَحَدَ حُكْمًا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، كَوُجُوبِ الصَّلاَةِ وَحُرْمَةِ الزاني.

تَكْفِيرُ مَنْ سَبَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل:

اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ سَبَّ الذَّاتَ الْمُقَدَّسَةَ الْعَلِيَّةَ أَوِ اسْتَخَفَّ بِهَا أَوِ اسْتَهْزَأَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66]

وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُول تَوْبَتِهِ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى قَبُولِهَا.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ قَبُولِهَا، وَيُقْتَل بِكُل حَالٍ، وَذَلِكَ لأَِنَّ ذَنْبَهُ عَظِيمٌ جِدًّا يَدُل عَلَى فَسَادِ عَقِيدَتِهِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلآْخِرَةِ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِي تَوْبَتِهِ قُبِلَتْ بَاطِنًا وَنَفَعَهُ ذَلِكَ ().

تَكْفِيرُ مَنْ سَبَّ الأْنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ سَبَّ نَبِيًّا مِنَ الأْنْبِيَاءِ، أَوِ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ، أَوْ تَنَقَّصَهُ، أَوْ نَسَبَ إِلَيْهِ مَا لاَ يَجُوزُ عَلَيْهِ، كَعَدَمِ الصِّدْقِ وَالتَّبْلِيغِ، وَالسَّابُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ يَأْخُذُ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِل، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يُقْتَل حَدًّا. وَإِنْ تَابَ. وَلاَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ.

وَسَبُّ الْمَلاَئِكَةِ كَسَبِّ الأْنْبِيَاءِ، وَقَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِالنَّبِيِّ أَوِ الْمَلَكِ الْمُجْمَعِ عَلَى كَوْنِهِ نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا، فَإِنْ سَبَّ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى كَوْنِهِ نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا كَالْخَضِرِ وَهَارُوتَ وَمَارُوتَ لَمْ يَكْفُرْ، وَأَدَّبَهُ الْحَاكِمُ اجْتِهَادًا() .

تَكْفِيرُ مُكَفِّرِ الصَّحَابَةِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَفَّرَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ؛ لأِنَّهُ أَنْكَرَ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ، أَوْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ الصِّدِّيقِ كَفَرَ، لأِنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ. وَأَمَّا مَنْ كَفَّرَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ دُونَ بَعْضٍ،فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ وَالإِْمَامُ أَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِلَى عَدَمِ كُفْرِهِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَبَعْضُ أَهْل الْحَدِيثِ وَسَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ كَفَّرَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ وَتُطَبَّقُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرتد.

التَّكْفِيرُ بِالْعَمَل:

نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَفْعَالٍ لَوْ فَعَلَهَا الْمُكَلَّفُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِهَا، وَهِيَ كُل مَا تَعَمَّدَهُ اسْتِهْزَاءً صَرِيحًا بِالدِّينِ أَوْ جُحُودًا لَهُ، كَالسُّجُودِ لِصَنَمٍ أَوْ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ، فَإِنَّ هَذِهِ الأْفْعَال تَدُل عَلَى عَدَمِ التَّصْدِيقِ، وَكَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي قَاذُورَةٍ، فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا، لأِنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ التَّكْذِيبِ، وَلأِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الاِسْتِخْفَافِ بِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالاِسْتِخْفَافُ بِالْكَلاَمِ اسْتِخْفَافٌ بِالْمُتَكَلِّمِ.

وَقَدْ أَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلْقَاءَ كُتُبِ الْحَدِيثِ بِهِ.

آثَارُ التَّكْفِيرِ:

يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّكْفِيرِ آثَارٌ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُكَفِّرِ وَالْمُكَفَّرِ فَآثَارُهُ عَلَى الْمُكَفَّرِ إِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ هِيَ:

حُبُوطُ الْعَمَل:

إِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ وَاسْتَمَرَّ كَافِرًا حَتَّى مَوْتِهِ كَانَتْ رِدَّتُهُ مُحْبِطَةً لِلْعَمَل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ}.

الْقَتْل لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)

الأسباب المعينة على عدم التسرع في التكفير:

أولاً: البعد عن أسباب الوقوع في التكفير

الجهل

اتباع الهوى{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء}

– ولعل من أهم أسباب انتشار التكفير وقوع كثير من المسلمين في المكفرات، من سباب لله ورسوله أو لمز أو طعن في الدين في وسائل الإعلام وغيرها.

– قلة العلماء

أولاً: – التحلي بضوابط التكفير عند أهل السنة و الجماعة:

الضابط الأول:لا يكون حق التكفير إلا لكبار علماء هذه الأمة الموثوق بعلمهم. لما تقدم من قوله ﷺ: إِذَا قَال الرَّجُل لأِخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ كَمَا قَال، وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ) ()

الضابط الثاني: الحكم بالظاهروالإعراض عن السرائر يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا}

الضابط الثالث: الاحتياط في تكفير المعين

الضابط الرابع: عدم التكفير بكل ذنب

الضابط الخامس:أن يكون الإعتقاد أو القول أو الفعل المُكفِّر صريحاً في التكفير

الضابط السادس: توافر شروط التكفير , وانتفاءموانعه التي تقابلها:

– الشرط الأول: التكليف والعلم بكفر الفعل {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}

الشرط الثاني الإختيار: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ }

الشرط الثالث: عدم التأويل{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}

الشرط الرابع: بلوغ الحجة{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا }

الضابط السابع: لازم القول ليس بقول

الضابط الثامن: التكفير والفهم الخاطئ للنصوص الشرعية

ثانياً: – التخلي عن أي صفة من صفات الخوراج المحرمة وهو كثيرة منها:

– يُشَدِّدُونَ فِي الدِّينِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التَّشْدِيدِ :

– يُبَالِغُونَ فِي الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ :

– لَا يُقِيمُونَ بِحُقُوقِ الْإِسْلَامِ بَلْ يَمْرُقُونَ مِنْهُ :

– أَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ أَهْلَ الْحَقِّ: عَنِ أَبَي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا، أَتَاهُ ذُو الخُوَيْصِرَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ». فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ: «دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ، – وَهُوَ قِدْحُهُ -، فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ المَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي نَعَتَهُ.

العمل بالظاهر والله يتولى السرائر: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ”

– فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا ” قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ»

 

 

Exit mobile version