منبر الجمعه….خطبة الجمعة الموافق 1من نوفمبر 2024 “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة”
إعداد/ الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.
الأسباب الدافعة لهذا الموضوع :-
أولاً: – لأنه لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ ، قَالَ: ” لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ “().
ثانياً: – لأن القرآن الكريم أوجب على أتباعه إعداد القوة قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60، 61] وما أحوج المسلمين اليوم إلى أن يحصّلوا كل أسباب القوة، فهم يواجهون نظاماً عالمياً وقوى دولية لا تعرف إلا لغة القوة، فعليهم أن يقرعوا الحديد بالحديد ويقابلوا الريح بالإعصار ويقاتلوا الغزاة بكل ما اكتشف الإنسان ووصل إليه العلم في هذا العصر من سلاح وعتاد واستعداد حربي لا يقصرون في ذلك ولا يعجزون .
ثالثاً: – لأن النهوض بالأمة والتصدي للغزاة يحتاج إلى جميع أنواع القوى:
إن أمر النهوض بهذه الأمة والتصدي للمشاريع الغازية يحتاج إلى جميع أنواع القوى، على اختلافها وتنوعها، ولذلك اهتم القران الكريم اهتماماً كبيراً بإرشاد الأمة للأخذ بأسباب القوة وأوجب الله تعالى على الأمة الأخذ بأسبابها، لأن التمكين لهذا الدين طريقه للوصول إلى القوى بمفهومها الشامل وقد قال الأصوليون: وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ().
رابعاً:-التذكير بأنواع القوة وكيف أنها تنقسم إلى نوعين رئسيين.
النوع الأول القوة الناعمةوالمتمثله فى:
1- مؤسساتها ومعالمها الدينية والإعلامية والسياحية والرياضية ونحو ذلك .
2- تاريخها وما فيه من أمجاد وانتصارات ونحو ذلك.
3- علمائها فى كل الميادين والمجالات الدينية والدنيوية.
4- القوة العلمية والأخلاقية والاقتصادية.
النوع الثانى القوة غير الناعمة:
ويدخل فيها أول مايدخل قوتها العسكرية.
خامساً:- لأن تحصيل هذه القوة تشمل كل مقاصد الشريعة لما في قوة الوطن من المحافظة على الدين والنفس والنسل والمال.
سادساً:- لأن قوة الوطن قوة للمواطن والعكس
الأْخْذُ بِأَسْبَابِ الْقُوَّةِ فَرِيضَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ:
قال العلماء: الأْخْذُ بِأَسْبَابِ الْقُوَّةِ فَرِيضَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى اخْتِلاَفِ صُنُوفِهَا وَأَلْوَانِهَا، وَأَسْبَابِهَا، مَادِّيَّةً كَانَتْ أَوْ مَعْنَوِيَّةً، قَال تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60].
وعن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ.
ومن القوة الغير ناعمة جهاد الأعداء بالنفس والمال واللسان:
عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ»
قال العلماء: الْقُوَّةُ مِنَ الْخِصَال الْفِطْرِيَّةِ يُودِعُهَا اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيُفَاضِل فِيهَا بَيْنَ النَّاسِ كَمَا يُفَاضِل بَيْنَهُمْ فِي الرِّزْقِ وَغَيْرِهِ مِنْ عَطَائِهِ، وَهِيَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَفَضْلٌ كَبِيرٌ مِنَ اللَّهِ لِمَنْ عَرَفَ قَدْرَهَا وَأَحْسَنَ اسْتِعْمَالَهَا شُكْرًا لِلَّهِ عَلَيْهَا لأِنَّهَا الأْدَاةُ اللاَّزِمَةُ لِجَلْبِ الْخَيْرِ لِلأُْمَّةِ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْهَا، وَإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ، وَالأْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلِذَلِكَ كانت القوة من حيثات اصطفاء طالوت على غيره من بنى اسرائيل{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 247]، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا فِي نَفْسِهِ.
أَسْبَابُ الْقُوَّةِ الْمَعْنَوِيَّةِ:
أولاً:- اجْتِمَاع الْكَلِمَةِ وَاتِّحَاد الْأُمَّةِ وَالصَّبْر وَالثَّبَات وَالتَّوَكُّل عَلَى اللهِ:
أما إتحاد الْأُمَّةِ:فلقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]
ولقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4 ]ولخبر الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا».
ثانيًا: طاعةُ الله وعَمَلُ الصَّالِحَاتِ الَّذِي يُدفعُ بها عن الناس و الأوطان:
قَالَ ابْنُ رجب: وقد قيل في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251] أنه يدخل فيها دفعه عن العصاة بأهل الطاعة.
صور من طاعة الله الَّذِي يُدفعُ بها عن الناس و الأوطان:
1- الذكر الرافـــــع والدافـــــــع :
قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} [الزمر: 36، 37]
وقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]
و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أُلْقي فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ ﷺ حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}().
2- الاستغفـــــــــــــــــــــــار:
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ فِيهِمْ أَمَانَانَ: النَّبِيُّ ﷺ ، وَالِاسْتِغْفَارُ، فَذَهَبَ النَّبِيُّ ﷺ وبقي الاستغفار.
اللَّهَ تَعَالَى مَعَ الذَّاكِرِينَ بِالْقُرْبِ وَالْوِلاَيَةِ وَالنَّصْرِ وَالْمَحَبَّةِ وَالتَّوْفِيقِ:
قَال اللَّهُ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]. وَقَال: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67]
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: ( يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإَ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأَ خَيْرٍ مِنْهُمْ ) ()
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
من صور القوة المشتركة بين القوة الناعمة والغير ناعمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثر ذلك فى قوة الوطن والدفاع عنه:
ومن أسباب العافية والسلامة من كل سوء , مبادرة ولاة الأمور بالأخذ على أيدي السفهاء , وإلزامهم بالحق، وتحكيم شرع الله فيهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال عز وجل: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71] وقال عز وجل: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١)﴾ [الحج: 40-41] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة ” انتهى. ().
وعن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا “().
القوة الناعمة:
من الأدلة على القوة الناعمة من القرآن:
1- قال عز وجل: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: 97]
يخبر تعالى أنه جعل {الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} يقوم بالقيام بتعظيمه دينُهم ودنياهم، فبذلك يتم إسلامهم، وبه تحط أوزارهم، وتحصل لهم – بقصده – العطايا الجزيلة، والإحسان الكثير، وبسببه تنفق الأموال، وتتقحم – من أجله – الأهوال.
ويجتمع فيه من كل فج عميق جميع أجناس المسلمين، فيتعارفون ويستعين بعضهم ببعض، ويتشاورون على المصالح العامة، وتنعقد بينهم الروابط في مصالحهم الدينية والدنيوية. ().
2- قال عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة.
الأسباب المعينة على تحصيل القوة الناعمة والقوة الغير ناعمة:
1- التخلق بمكارم الاخلاق بوجه عام :
قال شوقي:
إنما الأمَمُ الأخلاقُ ما بقِيَتْ … فإن هُم ذهبَتْ أخلاقهُم ذَهَبُوا ()
فقد قصر الأمم على الأخلاق قصر موصوف على صفة قصرًا حقيقيًا ادعائيًّا؛ لأن هناك أمورًا كثيرة تكون بها الأمم كالقوة والمال والرقي والحضارة وغير ذلك، ولكن الشاعر لم يعتد بها وجعل الأمم مقصورةً على صفة الأخلاق لا تتعداها إلى غيرها، فإذا وُجدت الأخلاق وسادت كانت الأمم، وإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. ().
2- التخلق بخلق النبي ﷺ لاسيما العدل والشجاعة بوجه خاص:
أ- كان ﷺ في الحرب أشجع الناس:
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ لَيْلَةً، فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ وَقَدْ اسْتَبْرَأَ الخَبَرَ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا» ثُمَّ قَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْرًا» أَوْ قَالَ: «إِنَّهُ لَبَحْرٌ»() .
3- التحلى بالعلم والتزود بالمال :
عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ»().
ومن ذلك أيضًا قول شوقي:
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم … لم يبن ملك على جهل وإقلال
4- الاتحاد ونبذ التنازع:
قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
[الأنفال: 46]الدعاء للوطن:
أعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي نَجْدِنَا؟ فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ»()
الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعُ عِنْدَ نُزُولِ الْفِتْنَةِ لِتُكْشَفَ أَوْ يَسْلَمَ الدَّاعِي وَمَنْ دَعَا لَهُ:
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الخَزَائِنِ، أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ»()
أسباب ضغف قوة الأوطان الناعمة وغير الناعمة:
اولا:- ضياع الأوطان داخلياً وخارجيًا بالعصيان:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ َ، فَقَالَ: ” يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ” () .
قَوْلُهُ: (إِذَا ابْتُلِيتُمْ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ وَالْجَزَاءُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: فَلَا خَبَرَ (لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ) أَيِ: الزِّنَا (بِالسِّنِينَ) أَيْ: بِالْقَحْطِ (مُنِعُوا الْقَطْرَ) مُنِعُوا عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ وَالْقَطْرُ بِالسُّكُونِ الْمَطَرُ وَهُوَ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ ثَانٍ (لَمْ يُمْطَرُوا) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (عَهْدُ اللَّهِ) هُوَ مَا جَرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ، ().
حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ:
يصدق فيهم قوله ﷺ (غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ(بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ وَبِالتَّشْدِيدِ أَيْضًا مَا يَحْمِلُهُ السَّيْلُ مِنْ زَبَدٍ وَوَسَخٍ شَبَّهَهُمْ بِهِ لِقِلَّةِ شَجَاعَتِهِمْ وَدَنَاءَةِ قَدْرِهِمْ().
فعَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا»، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ»، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ»().
ومن صور حب الدنيا:
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ” هَلَاكُ أُمَّتِي فِي الْكِتَابِ وَاللَّبَنِ ” , فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ , مَا بَالُ الْكِتَابِ؟ , قَالَ: ” يَتَعَلَّمُهُ الْمُنَافِقُونَ , فَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ – عز وجل – ثُمَّ يُجَادِلُونَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ ” , فَقِيلَ لَهُ: وَمَا بَالُ اللَّبَنِ؟ , قَالَ: ” أُنَاسٌ يُحِبُّونَ اللَّبَنَ , فَيَبْتَغُونَ الرِّيفَ ().فَيَخْرُجُونَ مِنْ الْجَمَاعَاتِ , وَيَتْرُكُونَ الْجُمُعَات.