منظمتان إسرائيليتان تتهمان حكومة نتنياهو بارتكاب إبادة جماعية في غزة

كسرٌ للمحرّم السياسي .. المنظمتان تفضحان السردية الرسمية الإسرائيلية
كتب /محمد السيد راشد
في خطوة جريئة وغير مسبوقة داخل إسرائيل، اتهمت منظمتان حقوقيتان إسرائيليتان هما بتسيلم وأطباء من أجل حقوق الإنسان، الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ إبادة جماعية ضد سكان قطاع غزة، وهو اتهام يعصف بجوهر السردية الرسمية الإسرائيلية التي طالما رفضت مثل هذه المزاعم وعدّتها “معاداة للسامية”.
المنظمتان كشفتا في مؤتمر صحفي عقد في القدس، أن الجيش الإسرائيلي ينفذ “عملاً منسقاً ومتعمدًا لتدمير المجتمع الفلسطيني في غزة”، وهو ما يمثل أشد اتهام توجهه جهات إسرائيلية رسمية ضد سياسات الحكومة في القطاع المحاصر.
كسر المحرّم في دولة قامت من رماد الهولوكوست
توقيت الاتهام يحمل دلالة رمزية كبيرة، بالنظر إلى أن إسرائيل نشأت في أعقاب الهولوكوست، وتُعد تهمة الإبادة الجماعية من التابوهات الوطنية شديدة الحساسية، كونها اقترنت تاريخيًا بالمآسي التي عاشها اليهود في الحرب العالمية الثانية.
ساريت ميخائيلي، المديرة الدولية لمنظمة بتسيلم، قالت إن المنظمة توقعت ردود فعل عنيفة، مشيرة إلى أن الفريق القانوني والإعلامي استعد لتحمّل كافة المخاطر الناتجة عن هذا الإعلان، بما فيها الهجمات الحكومية والإلكترونية على حد سواء.
وأوضحت أن المسألة تتجاوز مجرد التصريحات، بل تمثل “تحديًا عاطفيًا هائلًا”، مضيفة: “إنها قضية لا يستطيع العقل استيعابها بسهولة، وعدد من زملائنا يعانون من آثارها النفسية”.
صمت رسمي وتبريرات مألوفة
لم يصدر أي رد رسمي حتى الآن من وزارة الخارجية أو مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على التقرير، فيما اكتفى المتحدث الحكومي ديفيد مينسر بالتأكيد على وجود “حرية تعبير” في إسرائيل، لكنه رفض مضمون التقرير واعتبره تغذية للعداء تجاه اليهود في الخارج.
ويعكس هذا التصريح نهج الحكومة الإسرائيلية الذي يتمثل في الربط بين النقد الدولي لسلوكها في غزة وموجات معاداة السامية، وهو منطق ترفضه المنظمات الحقوقية التي تؤكد أن معايير القانون الدولي يجب أن تسري على الجميع دون استثناء.
في غزة: الجوع والموت في تصاعد مستمر
من ناحية أخرى، أكدت “مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” أن قطاع غزة يشهد فعليًا سيناريو مجاعة مع ارتفاع معدلات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال دون سن الخامسة، في ظل تقييد وصول المساعدات.
وقد بلغ عدد ضحايا الحرب من الفلسطينيين أكثر من 60 ألفًا، بحسب التقديرات الأخيرة، فيما يعيش أكثر من مليون شخص في ظروف إنسانية مأساوية.
إسرائيليون قلقون وصحفيون صامتون
رغم أن غالبية الإسرائيليين يرفضون الاعتراف بوقوع إبادة جماعية، إلا أن بعض الأصوات داخل المجتمع بدأت تتململ من استمرار الحملة العسكرية. يقول الممرض شمؤئيل شيرينزون (31 عامًا): “الحياة هي الحياة، ومن المؤلم أن نرى هذا الكم من الموت… لا يجب أن يموت أحد بهذه الطريقة”.
أما الصحفي الإسرائيلي “سيفر بلوكر”، فقد أشار في مقاله بموقع “واي نت” إلى أن الهجمات الدامية التي نفذتها حماس في السابع من أكتوبر أدت إلى تحفيز “وعي يهودي جماعي” يرى في عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة رداً مشروعًا، ما يعقّد من إمكانية تعاطف الإسرائيليين مع الفلسطينيين.
أطباء من أجل حقوق الإنسان: “نواجه جدارًا من الإنكار”
من جهته، قال جاي شاليف، المدير التنفيذي لمنظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان”، إن منظمته تتعرض منذ شهور لضغوط متصاعدة وصلت إلى تجميد حساباتها البنكية، متوقعًا أن تشهد الأيام المقبلة تصعيدًا في الهجمات المؤسسية بحقها.
ورغم هذه التحديات، تصر المنظمتان على المضي قدمًا في الدفاع عن الحقيقة، انطلاقًا من واجبهما الأخلاقي والقانوني في توثيق ما يحدث في غزة، حتى وإن كلفهما ذلك الكثير داخل المجتمع الإسرائيلي.