الصراط المستقيم

من الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم: لماذا قال الله “أحد” ولم يقل “واحد”؟

إعداد:محرر الشئون الإسلامية 

في كل كلمة من كلمات القرآن الكريم إعجاز بياني ومعنًى دقيق لا يمكن أن يحل محله غيره، ومن أبرز أمثلة هذا الإعجاز ما ورد في قول الله تعالى:

“قل هو الله أحد”
[سورة الإخلاص – آية 1]

فقد يتساءل البعض: لماذا استخدم الله كلمة “أحد” بدلاً من “واحد”؟
وهل بين الكلمتين فرق في المعنى؟
الإجابة تكشف لنا جانبًا مذهلًا من جمال ودقة اللغة القرآنية، وإليك الفروق الدقيقة بين الكلمتين:


1. “واحد” لِعَدٍّ، أما “أحد” فهي للتفرد الكامل

  • “واحد” هي أول عدد من الأعداد، وتُستخدم في سياق التعداد: (واحد، اثنان، ثلاثة…)

  • أما “أحد”، فهي منقطعة العدد، لا يُوجد لها ثانٍ، وتُستخدم للدلالة على الكمال المطلق في التوحيد.


2. “واحد” لها مؤنث، و”أحد” لا يُؤنث

  • تقول: امرأةٌ واحدة، بنتٌ واحدة.

  • لكن لا يصح أن تقول: “امرأةٌ أحد” أو “بنتٌ أحد”.

  • فـ”أحد” لا تؤنث، لأنها في مقام التشريف المطلق، المخصوص بالله سبحانه وتعالى.


3. “واحد” تُستخدم لوصف أي مخلوق، و”أحد” لله وحده

  • تقول: رجل واحد، جندي واحد، جبل واحد…

  • لكن لا يُقال “رجل أحد” أو “جبل أحد”.

  • “أحد” لا تُطلق إلا على الله وحده، فهي صفة إلهية خالصة لا تقبل المشاركة.


4. “واحد” يتجزأ ويتبعض، و”أحد” لا يتجزأ

  • الواحد يمكن أن يُقسَّم إلى نصف أو ربع: نصف كتاب، ربع دائرة…

  • أما “أحد” فهي وحدة لا تقبل الانقسام، وهذا يدل على أن ذات الله تعالى غير مركبة أو قابلة للتجزئة.


5. “أحد” تفيد النفي المطلق، أما “واحد” لا تفيده

  • حين تقول: “ما رأيت واحدًا”، قد تكون رأيت اثنين!

  • لكن إن قلت: “ما رأيت أحدًا”، فأنت تنفي تمامًا أنك رأيت أي شخص.

  • لذلك قال الله: “ولم يكن له كفواً أحد” [الإخلاص: 4]، لتأكيد النفي التام والكامل لأي مثيل أو شبيه لله عز وجل.


6. “واحد” تُستخدم للعاقل وغير العاقل، و”أحد” للعاقل فقط

  • تقول: “طفل واحد”، “كتاب واحد”، “نجم واحد”…

  • أما “أحد”، فلا تُستخدم إلا للعاقل، وهذا من تمام التشريف حين تُطلق على الله عز وجل.


7. “واحد” اسم فاعل، و”أحد” صفة مشبهة أقوى في المعنى

  • “واحد” على وزن اسم الفاعل: من الفعل وَحِدَ.

  • أما “أحد” فهي صفة مشبهة، وهي أقوى وأدوم في الدلالة على الصفة الثابتة.


 تأملات في سورة الإخلاص وفضل قراءتها 

قال تعالى:
“قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد”
[سورة الإخلاص: 1–4]

سورة قصيرة في كلماتها، عظيمة في معانيها، تُجسد توحيد الله الكامل وتنفي عنه الشبيه والنظير والمثيل.

فسبحان من لا يشبهه شيء، ولا يُعد معه أحد، ولا يُطلق عليه إلا “أحد”.

سورة الإخلاص تُعرف أيضًا بسورة التوحيد، لأنها تشرح عقيدة التوحيد بإيجاز وإعجاز، وتُجسد صفات الكمال لله:

“قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد”

كل آية فيها تنفي أي شِرك أو مشابهة بين الله ومخلوقاته، وتؤكد أنه أحدٌ متفردٌ لا شبيه له ولا مثيل.


تعدل ثلث القرآن

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ “قل هو الله أحد” يرددها، فلما أصبح، جاء إلى النبي ﷺ فذكر ذلك له، وكأن الرجل يَتَقَالُّها (يظنها قليلة)، فقال له النبي ﷺ:

“والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن”
(رواه البخاري)

لماذا تعدل ثلث القرآن؟

  • لأن القرآن الكريم ينقسم إلى ثلاثة محاور: العقيدة، الأحكام، القصص، وسورة الإخلاص تُلخص محور العقيدة بكامله.


 سبب لمحبة الله لك

ورد في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ بعث رجلاً على سريّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته “قل هو الله أحد” في كل ركعة، فسأله النبي عن سبب ذلك، فقال:

“لأنها صفة الرحمن، فأنا أحبها.”

فقال النبي ﷺ:

“حبك إياها أدخلك الجنة”
(رواه البخاري ومسلم)


 أمان من العذاب ووقاية من الشرور

جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال:

“من قرأ {قل هو الله أحد} عشر مرات، بنى الله له بيتًا في الجنة”
(رواه أحمد)

وفي حديث آخر:

“اقرأوا {قل هو الله أحد} والمعوذتين حين تمسون وحين تصبحون ثلاث مرات تكفيكم من كل شيء”
(رواه الترمذي)


 تُقرأ في الرقية الشرعية والنوم

كان النبي ﷺ إذا أوى إلى فراشه، جمع كفيه ونفث فيهما وقرأ:
“قل هو الله أحد” و”قل أعوذ برب الفلق” و”قل أعوذ برب الناس”
ثم مسح بهما ما استطاع من جسده.
(رواه البخاري)

وهذا يدل على قوة السورة في الحفظ من الشرور والعين والسحر والشيطان.


 تكفيك في قيام الليل

عن النبي ﷺ أنه قال:

“أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟”…
قالوا: يا رسول الله، ومن يستطيع ذلك؟
فقال:
“قل هو الله أحد، تعدل ثلث القرآن”
(رواه مسلم)

فلو قرأتها ثلاث مرات في قيام الليل، فكأنك قرأت القرآن كاملًا من حيث الأجر.


 سورة صغيرة بأجر عظيم

إن سورة الإخلاص ليست مجرد تلاوة، بل إقرارٌ بالإيمان، وتجديدٌ للعقيدة، وتحصينٌ للنفس، وتعبيرٌ عن حب الله وتوحيده.

اقرأها بتدبر، وعلّم أبناءك قراءتها، واجعلها حاضرة في صلاتك وذكرك ونومك واستيقاظك.

اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، ووفقنا لتوحيدك حق توحيدك، آمين.

مختارة من صفحة الواتس للمهندس أحمد الصاوي 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى