أراء وقراءات

من الشاشة إلى الواقع: كيف تُعيد النماذج السلوكية في الأعمال الترفيهية تشكيل سلوكياتنا؟

بقلم / د. هناء خليفة

في زمن أصبحت فيه الشاشة نافذتنا اليومية على العالم، لم تعد الأعمال الترفيهية مجرد وسيلة للترفيه أو الهروب من الواقع، بل تحوّلت إلى مصدر قوي لتشكيل القيم، وتوجيه الأنماط السلوكية، بل وحتى التأثير على القرارات الفردية والجماعية. فهل فكرنا يومًا في مدى تأثير شخصية بطولية، أو تصرف متهور من بطل مسلسل شهير، على سلوك المراهقين؟ وهل يمكن لمشهد رومانسي أو عنيف أن يعيد صياغة مفاهيم الحب أو القوة لدى المتلقي؟

*النماذج السلوكية: البطل الصاعد في سرديات الترفيه*

النموذج السلوكي هو الشخصية التي تُقدَّم كقدوة أو مرآة للمشاهد، وغالبًا ما تكون محورية في العمل الفني. وتؤكد دراسات علم النفس الإعلامي أن المشاهدين – خاصة صغار السن – يتأثرون بسلوكيات هذه الشخصيات بدرجات متفاوتة تبعًا لتكرار التعرض، والارتباط العاطفي بالشخصية، ومدى واقعية السرد.

*إحصاءات تكشف عمق التأثير:*

١- أظهرت دراسة أعدتها جامعة ستانفورد (2023) أن 68% من المراهقين اعترفوا بأنهم حاولوا تقليد سلوكيات شخصياتهم المفضلة من المسلسلات أو الألعاب الإلكترونية.

٢- ووفقًا لتقرير صادر عن “مركز بيود” البريطاني لتحليل المحتوى، فإن واحدًا من كل ثلاثة أطفال تأثر بطريقة سلبية بسلوك عدواني أو غير أخلاقي ظهر في مسلسل تلفزيوني شهير.

٣- أما على الجانب الإيجابي، فقد وجدت دراسة صادرة عن منظمة اليونيسف أن الأعمال التي تروج لقيم التسامح والمساواة أدت إلى زيادة بنسبة 22% في سلوكيات التعاون والتعاطف بين الأطفال والمراهقين في المدارس التي شملها الاستطلاع.

*بين الترفيه والتربية: أين نقف؟*

المعادلة دقيقة، فالأعمال الترفيهية لا تحمل دائمًا نوايا تعليمية، لكنها تمتلك قدرة هائلة على التطبيع مع سلوكيات معينة، خاصة عندما تُعرض بصورة جذابة أو ضمن سردية درامية مؤثرة. وقد لاحظت الدراسات أن تكرار مشاهد العنف أو السلوكيات المنحرفة دون عقاب أو توجيه واضح يؤدي إلى تطبيعها، بينما يمكن للأعمال التي تسلط الضوء على العواقب الأخلاقية أن تسهم في تعزيز السلوك السوي.

إن التأثير الذي تمارسه النماذج السلوكية في الأعمال الترفيهية ليس افتراضيًا أو مبالغًا فيه، بل هو واقع مدعوم بالأرقام والدراسات. والمسؤولية هنا لا تقع على صناع المحتوى فقط، بل تشمل الأسرة، والمؤسسات التربوية، وحتى المشاهد نفسه.

ففي عصر تتعدد فيه الشاشات، ويصعب فيه الفرار من المحتوى، ربما حان الوقت لطرح السؤال الأهم: من نسمح له بتشكيل أطفالنا وشخصياتهم… دون أن ندري؟

دكتورة هناء خليفة 

دكتوراة في الإعلام من كليه الاداب جامعه المنصورة
مهتمة بقضايا الفكر والوعي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى