كتبت : د.هيام الإبس
أدت الحرب المستمرة فى السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى نزوح مئات الآلاف من المواطنين إلى الدول المجاورة بحثاً عن الأمان الذى فقدوه فى بلدهم، إلا أن أولئك الذين لجأوا إلى إثيوبيا وجدوا أنفسهم يتعرضون لصراع جديد.
الهروب من العنف إلى العراء
وفقاً لتقرير ميدانى نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، أمضى ثلاثة لاجئين سودانيين في إقليم أمهرة، وهم (عبد الله، ومحمود، وكرم) -أسماء مستعارة لحمايتهم- شهوراً فى غابة “أولالا” بعيداً عن أى حماية أو مصادر معيشية.
عبد الله، مدرس لغة إنجليزية من الخرطوم، أُجبر على الفرار مرة أخرى بعد تعرض المخيم الذى استقر فيه للهجوم من قِبل قطاع طرق ومجموعات مسلحة تقاتل الجيش الإثيوبى، ويتذكر عبد الله ليالى الرعب حيث كان صوت الرصاص وصراخ النساء والأطفال يخترق الظلام الدامس، قائلاً: “كنا نتمسك بحبل النجاة كل ليلة”.
تدهور الأوضاع وتصاعد الخطر
اندلاع القتال فى إقليم أمهرة بين الجيش الإثيوبى ومسلحين محليين فى أغسطس 2023 زاد من معاناة اللاجئين، حيث أكد اللاجئون أن المخيمات أصبحت هدفاً لهجمات متكررة تسببت فى مقتل البعض ونهب ممتلكات البعض الآخر، فيما تخلّت السلطات المحلية عن حمايتهم.
محمود، عامل بناء من دارفور، عبر عن فقدانه الأمل بعد أسابيع من الهجمات المتواصلة، قائلاً: “كل ليلة كانت تحمل معها الرعب”، أما عبد الله، فقد أضاف بصوت يائس: “ظننت أننى سأكون بأمان فى إثيوبيا، والآن لا يوجد مكان ألجأ إليه”.
انتقادات أممية وتحذيرات حقوقية
ذكرت “الغارديان” أن الأمم المتحدة حاولت توفير حماية محدودة عبر قوة محلية، لكنها فشلت فى مواجهة المعتدين، ووفقاً لتقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، أقيمت المخيمات فى مناطق خطرة دون اتخاذ تدابير كافية لحماية اللاجئين.
وأشارت إلى أن هناك عائلات تنام فى العراء أو داخل الغابات، فيما دفعت الظروف البائسة بعض اللاجئين إلى العودة للسودان بحثاً عن طرق بديلة إلى مصر أو ليبيا.
معاناة لا تنتهى
بينما تستمر الحرب السودانية، يواجه اللاجئون واقعاً مأساوياً، حيث تحوّلت رحلة البحث عن الأمان إلى صراع جديد للبقاء، حيث لا يزال هؤلاء اللاجئين عالقين بين نيران العنف وعدم مبالاة السلطات، مما يجعل قضيتهم شهادة حيّة على ثمن النزاعات المسلحة.
الأزمة السودانية
ويشهد السودان منذ 15 أبريل 2023 معارك بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتى”.
وأدّى النزاع إلى مقتل أكثر من 20 ألف مواطن وإصابة الآلاف، مع أن الرقم الحقيقي للقتلى قد لا يُعرف لعدم وجود إحصاءات رسمية موثقة.
وأدى الصراع كذلك إلى تدمير أجزاء كبيرة من العاصمة الخرطوم وإلى زيادة حادة فى أعمال العنف المدفوعة عرقياً وإلى تشريد أكثر من 14 مليون سودانى لجأ من بينهم أكثر من مليون شخص إلى دول مجاورة، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة، وخصوصاً إلى مصر شمالاً وتشاد غرباً.
وأبرم طرفا النزاع أكثر من هدنة، غالباً بوساطة الولايات المتحدة والسعودية، سرعان ما كان يتمّ خرقها.
ويحاول كل من الاتحاد الإفريقى ومنظمة إيجاد للتنمية بشرق إفريقيا التوسط لحل الأزمة فى السودان.
ولم يفِ طرفا القتال بتعهدات متكررة بوقف إطلاق النار يتيح للمدنيين الخروج من مناطق القتال أو توفير ممرات آمنة لإدخال مساعدات إغاثية.
وتكرر المنظمات الإنسانية التحذير من خطورة الوضع الإنسانى فى السودان الذى كان يعدّ من أكثر دول العالم فقراً حتى قبل اندلاع المعارك الأخيرة.