أراء وقراءات

من بعيد .. منهج حياة

بقلم المهندس / أيمن سلامة

“من بعيد” صارت هذه العبارة هى السمة المؤلمة الغالبة على حياتنا فى الوضع الراهن، نسمعها كثيرا هذه الايام ضمن الاجراءات الوقائية لذلك الوباء الذى داهم العالم، لقد صارت عنوانا للخوف من ذلك القاتل المجهزل .

لقد علقت فى ذهنى تلك العبارة منذ زمن بعيد ولكن بعنوان آخر للبسمة، منذ سمعتها ضمن مشهد كوميدى من أيام الفن فى الزمن الجميل، والذى جمع بين الراحلين “سعيد صالح” و”مديحة كامل” فى مسرحية “هاللو شلبى”، حيث كان “سعيد صالح” يمثل دور المؤلف القادم من الريف للقاهرة لأول مرة فى حياته، وقد انتابته مشاعر مختلفة من الصدمة والغرور عندما رأى نجاح عمله الاول، وحينما حاولت “مديحة كامل” الفتاة الحميلة إبنة المدينة، أن تتقرب منه إنبهاراً بنجاحه، كانت عبارة “من بعيد” هى رد “سعيد صالح” على محاولة التقرب تلك، كان يقولها بطريقته الكوميدية المعروفة، ولم يكن يدرى حينئذ أنها ستصير منهاجاً يؤثر لسنوات فى حياة البشر كلهم .

حينما تأملت تلك العبارة، وجدت أنها لم تظهر فقط فى زمن “الكورونا” الحالى، بل إنها موجودة بداخلنا منذ زمن بعيد، نعمل بها وإن كنا لا نذكرها كثيرا، وأجبرتنا “الكورونا” على إظهارها للعلن.

كل ما فى حياتنا بدرجات متفاوتة يخضع لتلك العبارة، فالاضطرابات العائلية بداخل الاسرة الواحدة والتى تمثل حجر الاساس للمجتمع كله، هى نتيجة مباشرة للعلاقات التى تنتهج منهج  “من بعيد”، وإنغماس كل منا فى عالمه السحرى على الانترنت كان حجر الزاوية فى الوصول الى تلك الحالة، فلم يعد للدفء وجود فى حياتنا، وزاد من صعوبة الأمر، السعى المضطرد وراء لقمة العيش، وما يتبعه من نجاح أو فشل.

أليس من الأجدر بنا جميعا أن نقف لحظة لنفكر ونتسائل الى متى سوف تظل حياتنا رهنا الى منهج من بعيد ؟ ألا يوجد حل لهذه المعضلة الانسانية القديمة المزمنة التى ظهرت جلية على السطح فى زمن الوباء ؟

ياسادة لنقف وننظر خلفنا لحظة، لنكتشف أننا قد أضعنا الكثير، وقد ذهبت سنوات وأحداث كثيرة بعيداً، كانت ستغير حياتنا تماما لو لم نضيعها تبعاً لنهج “من بعيد”.

المهندس أيمن سلامة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.