أراء وقراءاتشئون عربية

من داخل غزة أرى مصر

بقلم/ إيمان أبو الليل

ليس بجديد تلك الأحداث التي يعيشها أهل غزة هذه الأيام.

وفي كل مرة تمتلئ الشاشات بكلام المحللين السياسيين، لتحليل الموقف، وتنتشر ساحات المثقفين بالندوات، وتعلو الأبواق في الميادين، وتخرج الجامعة العربية لتشجب وتدين.

لكن هذه المرة ما يحدث مختلف وخطير، فقررت بعد معاناة مع قلمي العصي، أن أحاول رؤية الموقف من داخل غزة، لا من خارجها..

قطاع غزة، ثاني أكبر مدينة بعد القدس، تلك البلدة التي كانت تحت الانتداب البريطاني سنة ١٩٢٠.

مصر وتبني غزة

كان لمصر الدور الأهم في جميع قضايا المنطقة، فقد كانت ومازالت الحضن والحصن الآمن لكل الدول العربية.

وظهر دورها جليا سنة ١٩٤٧، عند إصدار الأمم المتحدة قرار بتقسيم أرض فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية،

فدخلت مصر مدينة غزة حتى سنة ١٩٤٩ ووقعت هدنة مع الكيان الإسرائيلي، بموجبه أصبحت غزة تحت إدارة مصر من خلال حاكم عسكري، حتى تم العدوان الثلاثي على مصر، واستولت اسرائيل على غزة.

وأجبر المجتمع الدولي اسرائيل على الإنسحاب، لكنها أعادت إحتلال غزة ١٩٦٧.

محاولة إحراج مصر

بدأت اسرائيل محاولات لإحراج مصر، خاصة أن هناك اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل، وظنت اسرائيل أن مصر يمكن أن تشارك في حصار غزة والتضييق عليها.

وتمر الأيام.. ويتم تداول السلطة في القطاع، وتحاول إسرائيل كسر شوكة أهل غزة بالحصار على كآفة المستويات، حتى ظهرت مقاومة جديدة من نوعها بإسم “حماس” سنة ١٩٨٧.

كانت حماس نقطة تحول ليس للقطاع فقط، ولكن لفلسطين بأكملها، وامتد تأثير حماس حتى الحدود، وأصبحت غزة مع كل انتفاضة تبرز قادة للحركات الوطنية والإسلامية، لهذا أصبحت غزة غصة في حلق اسرائيل.

وفي الوقت الذي وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على قرار أوسلو بالتخلي عن السلاح، بقيت غزة رمزا للمقاومة من خلال حماس والجهاد الإسلامي.

فشل شارون

وجاءت الإنتفاضة الثانية، وقرر آريل شارون الإنتقام من المقاومة الفلسطينية، والقضاء على حماس، فهاجم المسجد الأقصى سنة ٢٠٠٠، بالقوات الخاصة، وتعامل بشراسة منقطعة النظير مع المقاومة باعتبارها حركة إرهابية.

وكان رد حماس عبارة عن مجموعة هجمات على بعض المناطق والملاهي الليلية داخل الأراضي المحتلة، وقتل عدد كبير من الإسرائيليين.

واستمرت المقاومة في التصدي لغطرسة الكيان، حتى قامت بحفر الأنفاق، والتي كانت أصعب معادلة قابلت اسرائيل.

حماس تحكم غزة

وتم إعلان انسحاب إسرائيل من غزة سنة ٢٠٠٥. وأثناء هذا حدث ما لا يتوقعه العدو، لقد فازت حماس بالسلطة على غزة بالانتخابات، مما أغضب العدو وأمريكا، وحاولت أمريكا تعترف المقاومة بدولة إسرائيل، وباءت تلك المحاولات بالفشل.

وتطور الوضع وأصبح لحماس حلفاء مقاومة، مثل حزب الله في لبنان ومن ثم إيران، وسوريا، هذا ما جعل غزة بؤرة إزعاج لإسرائيل.

مفاجأة طوفان الأقصى ٢٠٢٣

وتستمر المعارك بين العدو وبين غزة وأهلها، ومع تطور الأحداث، أصبحت حماس أكثر تطورا، وشاهد العالم تغير نوعي في معاركها، و كانت المفاجأة التي أذهلت العالم، حيث صعقت المقاومة اسرائيل في عقر دارها، واقتحمت بمنتهى البراعة الأراضي المحتلة، وأسرت جنود من الجيش الاسرائيلي.

وبهذا وصلت رسالة حماس للعالم، بأن المقاومة تزداد قوة وخبرة وذكاء، ويبدو أن ما حدث جعل الكيان يحاول الضغط على مصر ليسرع الخطوات نحو حلمهم المزعوم، فقام الكيان بقصف غزة والتضييق على أهلها لإجبارهم على النزوح جنوبا، وتم قطع الكهرباء والمياه عن القطاع.

وضرب اسرائيل معبر رفح من ناحية الأراضي الفلسطينية، حتى تمنع مصر من إمداد القطاع بالماء والغذاء والدواء.

وجاء رد مصر، هادئا ينم عن ثقة وثبات، وقررت مصر عدم السماح لحاملي الجنسيات الأجنبية وخاصة الأمريكية بالعبور إلى رفح، إلا بعد إدخال المساعدات لغزة وأهلها.

الحرب النفسية

علمت اسرائيل أن الحرب النفسية وإحداث الوقيعة والفرقة بين الشعوب والفصائل هو سر نجاحها.

فبدأت نشر الشائعات، وروجت عن رغبة أهل غزة بالنزوح إلى سيناء، كما أطلقت اللجان الإلكترونية للوقيعة بين الشعوب، فيسب هذا مصر ويتهمها بالخيانة، ويحلق أخرون منادين بفتح الحدود بين مصر والقطاع.

ومجموعة أخرى تسب الفصائل وتضربها بعضها ببعض، ومجموعات تقف أمام السفارات معلنة غضبها ومتهمة دولة تلك السفارة بالعمالة لصالح إسرائيل ضد القضية الفلسطينية.

وللأسف انتشرت تلك الفتن الساذجة بفعل فاعل كالنار في الهشيم.

ومع إعلان رغبة اسرائيل بتهجير أهل القطاع إلى مصر، جاء رد غزة واضحا رافضا، ومصرا على المقاومة حتى إنهاء الإحتلال، وأعلن أهل الغزة رفضهم ترك أراضيهم، وإن كان هناك هجرة ستكون داخل أراضي فلسطين، واطلقوا مظاهرات قالوا فيها: الجنة أقرب من سيناء. وبهذا اتضح موقف أهل غزة.

 رد حاسم 

ثم جاء رد مصر حاسما، بأنه لا مساس بمصر ولن نشارك في ضياع القطاع واستيلاء اسرائيل عليه بالكامل، وطالبت مصر أهل غزة بالصمود في وجه العدو. وأن مصر لن تفتح حدودها إلا لتقديم المساعدات للقطاع.

وجيش مصر على استعداد كامل للدفاع عن أراضيه وحدوده، مصر دولة تمرض ولا تموت.

ما يحدث في فلسطين يؤثر على مصر، والعالم كله يعلم بأن الكيان يريد السيطرة على سيناء، ولهذا يضغط على غزة للنزوح لسيناء حتى يحتل غزة بأكملها، ثم يدخل إلى سيناء بنفس الاستراتيجية.

حفظ الله مصر وفلسطين من كيد الأعداء

مشهد أوكرانيا يتكرر

أعلنت دول أوروبا وأمريكا واليابان الوقوف بجانب اسرائيل، كما أعلنت روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية دعمها لأهل فلسطين.

كما لو كانت تلك الدول قررت نقل حرب أوكرانيا من أوروبا إلى الشرق الأوسط، وتم استبدال أوكرانيا ب فلسطين.

مشهد يستحق التدبر

وللحديث بقية

إيمان أبو الليل

كاتبة صحفية وعضو اتحاد كتاب مصر 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.