أراء وقراءات

مواجهة ظاهرة التفاهة

 

بقلم / حاتم السروي

نحن الآن في سنة 2021 أليس كذلك؟ فهل تسمحوا لي أن أتسائل عن سبب الاحتفاء الملفت بكل ما هو تافه وعديم الأهمية؟ والأمر وإن بدا مضحكًا لكنه في الواقع تعبير واضح عن مأساة وعيٍ عميقة، مأساة نعيشها في مجتمع بحاجة إلى إسعاف وعناية مركزة وإلا ضعنا وضاع كل شيء.

وربما كانت عباراتي صادمة لكن الذي نراه من الوعي الزائف وتضخيم التوافه والعبث بكل ما له قيمة لا يحتمل التورية ولا تجدي معه اللغة الدبلوماسية، فإما مواجهة ثقافية وأخلاقية ودينية معتدلة وفاعلة وإما المزيد من التفاهة، والتفاهة تؤدي إلى الضعف، ونحن نريد مجتمعًا قويًا فاعلاً يدرك جيدًا قيمة النظام والعمل والإنتاج والترفع عن الصغائر وعلو الهمة واحترام الذات وتوقير الكبير واحترام الجنس الآخر والجدية في كل شيء.

وأول حل لمواجهة التفاهة كظاهرة مؤلمة وبغيضة ومرض لابد من علاجه، هو نشر الثقافة وبالأخص المعارف العقلية والتفكير المنطقي المتزن، وترتيب الأفكار وترابطها وتسلسلها بشكل منطقي، ورد الاعتبار لمادة الفلسفة في المدارس لتعليم الطلاب القدرة على التفكير الحر والمنظم.

والفلسفة هي أصل كل علم ومنشأ كل تقدم إنساني، لذلك سموها أم العلوم فهي بحث في الكليات العامة لكل شيء، ولا تندهش إذا عرفت أن كبار الأطباء في العالم بدأوا بدراسة الفلسفة، وكم أمتعتني المقالة التي نشرتها الأهرام عن الطبيب لويس باستور في عددها الصادر بتاريخ 24 ديسمبر من العام الماضي 2020، وما أمتعني أكثر أنني عرفت من خلالها أن باستور بدأ مشواره العلمي بدراسة الفلسفة.

وسوف أعطيكم مثالاً من ضمن أمثلة عديدة على انتشار التفاهة بسبب ضعف التفكير العقلي وغياب الثقافة العلمية، فهل هناك أكثر تفاهة من أحاديث نفس يراها النائمون ثم يظنون بعدها أن لديهم قدرة على خرق حجاب الأسرار ومعرفة الغيب؟! وأرجو ألا يُفهم من كلامي هذا أنني لا أومن بالرؤيا الصالحة أو حتى بالأحلام التنبؤية وفق مفهومها البارسيكولوجي؛ فهذه المقالة لا تخوض ولا يخوض كاتبها في مجادلات دينية ويعرف أن للعلم الديني أهله.

لكن أن يرى أحدهم حلمًا أو يراه له غيره فيسرع إلى موقع البحث الإلكتروني (جوجل) الذي تسربت إليه الخرافات ويفاجأ بأن تفسير الحلم ليس في صالحه ويتشائم فهذا ما لا يرضى به العقل ولا الدين. إنها أحلام عبثية تزيد من آفة التشاؤم إذ تُفَسر عادةً بالخسارة في العمل التجاري أو الخصم في الوظائف الحكومية وربما بالطلاق بين الزوجين…إلخ. وما يصيبك بالغم رغمًا عنك أن الأخ النائم يصدق هذه التخاريف بل ويعمل على تحقيقها! فتراه مثلاً يتراخى في أداء عمله وربما افتعل مشكلة مع زملائه دونما سبب، وذلك بوحيٍ من تفسير الحلم الذي لم يكن في الحقيقة أكثر من (هَلْوَسَة).

ولأن كثيرين لا يفعلون شيئاً ذا أهمية إلا في النادر، ولأن لدينا ترسانة مبهجة من الخرافات، وميل واضح إلى التشاؤم؛ فإننا نقع بكل سهولة في شراك هذه السخافات، ونصدق أننا سوف نخسر وتنزل علينا المصائب من فوق أو تأتينا من أسفل، ونتقبل هذا الشؤم بسلبية غريبة، لماذا؟ لاعتقادنا أن القدر حكم علينا به، ثم لم يكتفِ بذلك بل عذبنا برؤيته أثناء النوم؛ لنصبح أمام مصيبتين: الأولى هي انتظار وقوع البلاء، والثانية هي البلاء نفسه.

ولا أخبركم بجديد حين أقول أن الجعان يحلم بسوق العيش، وأن الجبان يحلم بالسَّلَعَوة، وأن الكئيب يحلم بالمصائب، وكل إناءٍ بما فيه ينضحُ، ومن لم يكن جميلاً كيف يشاهد في نومه وردًا وأشجارا، ومن لم يكن مرتاحًا في صحوه كيف يرتاح على فراشه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومن المعروف أن النوم هو فقد الإحساس، والحلم –وليس الرؤية- صورة جاءت من المخيلة التي تعظم قوتها أثناء النوم لأنها تخلصت من المشاغل وهدأ صاحبها وما عاد يرى أو يسمع وانتفى عمل المؤثرات من حوله، وهذه الأحلام هي بقايا وترسبات من أفكارنا في عالم الصحو وما لدينا من طموح ورغبات مكبوتة وكل أحاسيس الأمل أو الحزن أو الرغبة، باختصار هي مخزونات العقل الباطن، وأكثر من ذلك – وهذا مشاهد ومعروف- أن الإحساسات العضوية أثناء النوم قد تؤثر في الأحلام؛ فربما رأيت أنك تسبح في بحيرة جميلة بينما إصبعك في واقع الأمر يكون مغموساً في كوب مياه نسيته أسفل السرير!! أو ربما حلم شخصٌ ما أنه يحترق بينما أخوه يشعل سيجارة في الصالون.

والعجيب أن من يذهبون لمفسري ومفسرات الأحلام يعرفون ما ذكرته –غالباً- وبعضهم أطباء وأساتذة علوم في جامعات رسمية أوأصحاب مناصب ولهم وجاهة اجتماعية أو من أهل الفن، ولكن إذا تخلى المرء عن عقله فلن تنفعه شهادة ولن يشفع له منصب، وسوف يستوى رغم وجاهته مع بسطاء الناس الذين يحتاجون إلى تثقيف علمي وأدبي وديني، فنشر العلم الديني الصحيح هو أحد أهم الحلول الرائعة لمواجهة مرض التفاهة، والله يحب معالي الأمور وينهانا الدين عن فضول الكلام والوقوف على السفاسف.

إذن هذا هو الحل، مواجهة ثقافية وخطة عمل لنشر الوعي في المجتمع، لهذا أتوجه برغبتي الصادقة لأصحاب الكلمة والمثقفين طالبًا منهم تفعيل مفهوم المثقف العضوي الذي يعمل بجد ولا يرفع الشعارات فقط.

حاتم السروي: كاتب وقاص ومسئول خدمة المؤلف بالهيئة المصرية العامة للكتاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.