كتب – وليد على
فى كل عام من شهر رجب يقص علينا الدعاة والعلماء عن قصة الاسراء والمعراج وما فيها من احداث عظيمة ولكن ياترى ماذا كان قبل رحلة الاسراء وما هى الاسباب التى هيئة هذة الرحلة المباركة للنبى صلى الله عليه وسلم .
ولهذا اردت ان نتعرف سويا على هذه الاسباب بل ونعيش لحظات عصيبه عاشها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم من حزن وضيق وشده ووحده ومن هنا نفهم سبب هذه الرحلة المباركة .
تبداء الاحداث من العام العاشر من بعثة النبى وتحديدا بعد خروجه صلى الله عليه وسلم واصحابه من شعب ابى طالب ولكن المشركين قد اظهروا العدوة والبغضاء فى وجه النبى واصحابه ولكن ابوطالب كان واقفا لهم بالمرصاد يدافع ويمنع عنهم ايذاء الكفار وفى شهر رجب يمرض ابوطالب مرضا شديدا ويعوده النبى ويدعوه الى كلمة التوحيد ولكنه يأبى ويموت على الشرك .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما نالت منى قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب)
قال ابن إسحاق: لما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابًا، ودخل بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها: (لا تبكى يابنية، فإن الله مانع أباك).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: “بينما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يصلي عند البيتِ، وأبو جهلٍ وأصحابٌ له جلوسٌ، وقد نُحِرَتْ جزورٌ بالأمسِ.
فقال أبو جهلٍ: أيكم يقوم إلى سَلا جزورِ بني فلانٍ فيأخذه، فيضعه في كَتِفَي محمدٍ إذا سجد؟ فانبعث أشقى القومِ فأخذه.
فلما سجد النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وضعَه بين كتفَيه.
قال: فاستضحكوا وجعل بعضُهم يميلُ على بعضٍ وأنا قائمٌ أنظر.
لو كانت لي منَعَةٌ طرحتُه عن ظهرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ساجدٌ، ما يرفع رأسَه حتى انطلق إنسانٌ فأخبر فاطمة ـرضي الله عنها ـ. فجاءت، وهي جُويريةٌ، فطرحتْه عنه. ثم أقبلت عليهم تشتُمُهم.
فلما قضى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلاتَه رفع صوتَه ثم دعا عليهم. وكان إذا دعا، دعا ثلاثًا. وإذا سأل، سأل ثلاثًا.
ثم قال: (اللهمَّ ! عليك بقريشٍ) ثلاثَ مراتٍ فلما سمعوا صوتَه ذهب عنهم الضحكُ وخافوا دعوتَه ) ثم قال: اللهمَّ ! عليك بأبي جهلِ بنِ هشامٍ، وعتبةَ بنِ ربيعةَ، وشيبةَ بنِ ربيعةَ، والوليدِ بنِ عقبةَ، وأميةَ بنِ خلفٍ، وعقبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ ) وذكر السابعَ ولم أحفظْه ) فوالذي بعث محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالحقِّ ! لقد رأيتُ الذين سمَّى صَرْعى يومَ بدرٍ ثم سُحِبوا إلى القَليبِ ، قليبِ بدرٍ (رواه مسلم ) .
ومن هنا يظهر لنا كيف تحمل النبى ومن معه من قريش ولكن كانت بجواره ام المؤمنين حبيبة النبى أمنا خديجة رضى الله عنها .
ويأتى شهر رمضان في السنة العاشرة من النبوة وتتوفى أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، ولها خمس وستون سنة على أشهر الأقوال .
ويحزن النبى على فراق خديجة لإنها رضي الله عنه، ليث زوجة صلى الله عليه وسلم وحسب بل هى اول من امن به من النساء ، وهى التي ملئت عليه قلبه وعقله، ولم يتزوج غيرها، ووهبه الله منها الولد، و كانت من نعم الله الجليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم،وبقيت معه ربع قرن تحن عليه ساعة قلقه، وتؤازره في أحرج أوقاته، وتعينه على إبلاغ رسالته .
عن أبي هريرة قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هـذه خديجة قـد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقـرأ عليها السلام من ربها، وبشرها ببيت في الجنة من قَصَبٍ لا صَخَبَ فيه ولا نَصَبَ.
وبعد وفاة ابو طالب وام المؤمنين خديجة ومع إيذاء المشركين يخرج النبى الى الطائف داعيا لهم عسى ان يجد منهم نصرة وسندا لدعوة .
ويتوجه النبي –صلوات ربي عليه و سلامه- إلى الطائف في شوال من العام العاشر بعد البعثة ؛ خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ماشيًا على قدميه جيئة وذهابًا ، وهي تبعد عن مكة نحو ستين ميلًا، ومعه مولاه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام، فلم تجب إليه واحدة منها.
ووصل نبي الله محمد –صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف وهو يحمل في جعبته لهم الدعوة إلى دين الله الحق، ويحمل إليهم أيضاً طلب النصرة فهو يحتاج إلى قوم مثلهم في قوتهم ومكانتهم ليؤازروه وينصرونه في مواجهة كفار مكة.
عمد النبي –صلى الله عليه و سلم- إلى ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله وإلى نصرة الإسلام، فقال أحدهم: هو يَمْرُط ثياب الكعبة [أي يمزقها] إن كان الله أرسلك. وقال الآخر: أما وَجَدَ الله أحدًا غيرك، وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولًا لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى أن أكلمك؛ فقام عنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال لهم: «إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني» .
مكث النبي –صلى الله عليه و سلم- في الطائف عشرة أيام يدعوهم إلى الله فما قبلوا وما استجابوا لدعوته ثم اجتمع له سفهاؤهم وعبيدهم يطردونه من أرضهم ويرمونه بالحجارة ومولاه زيد بن حارثة –رضي الله عنه- يدفع عنه أذاهم قدر استطاعته؛ حتى سالت الدماء من قدميه الشريفتين، واصيب زيد رضى الله عنه حتى غطت الدماء وجهه وثوبة .
ويجلس النبى بين مكة والطائف ويرفع يده لربه ويقول : «اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِى، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِى؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك»
وعن عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: لقيت من قومكِ ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يالِيل بن عبد كُلاَل، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت ـ وأنا مهموم ـ على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقَرْنِ الثعالب ـ وهو المسمى بقَرْنِ المنازل ـ فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال: يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ـ أي لفعلت، والأخشبان: هما جبلا مكة: أبو قُبَيْس والذي يقابله، وهو قُعَيْقِعَان ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا (رواه البخاري ) .
فلما رآه ابنا ربيعة شعرا نحوه بالعطف فأمرا غلامًا لهما نصرانيًا اسمه عَدَّاس بأن يعطى محمدا قطفًا من العنب. فمد النبي –صلى الله عليه و سلم- يده إليه قائلًا: «باسم الله» ثم أكل. فقال عداس: إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أي البلاد أنت؟ وما دينك؟» قال: أنا نصراني من أهل نِينَوَى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرية الرجل الصالح يونس بن مَتَّى» قال له: وما يدريك ما يونس ابن متى؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك أخي، كان نبيًا وأنا نبي»، فأكب عداس على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه يقبلها .
ويعود النبى وبصحبته زيد بن حارثة من الطائف ، وقد لقي من ثقيف ما لقي من إيذاء وضرب بالحجارة، ولما وصل إلى حراء أرسل رجلاً من خزاعة إلى المطعم بن عدي يسأله أن يدخل محمد وزيد في جواره، فقال المطعم: « نعم»، ودعا بنيه وقومه فقال: «تلبسوا السّلاح وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت محمدًا، فدخل محمد ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى «يا معشر قريش إني قد أجرت محمداً، فلا يهجه أحد منكم فانتهى النبي محمد إلى الركن فاستلمه وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته والمطعم بن عدي وولده محيطون به .
ومن هنا تبداء رحلة الاسراء والمعراج فكانت شفاء للجراح وراحة وطمأنينة للقلب وتثبيتا للفؤاد وكانت تخفيفاً لآلامه وأحزانه و إعلاءً لشأن النبي صلى الله عليه وسلم، وإكراماً له .
بسم الله الرحمن الرحيم ( سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )(الإسراء:1)
اللهم صلى وسلم وبارك على النبى محمد وعلى اله وصحبة وسلم .
وليد على أحمد
محرر بكتاب الجمهورية