أراء وقراءات

موسم الإنتخابات.. والتصالحات.. وغسل الأموال

بقلم / اللواء بهاء البجاوي

من المتعارف عليه أنه أثناء ما يطلق عليه بموسم الإنتخابات قيام المرشحين كُلٌ حسب مقدرته المالية بالإنفاق على حملته الإنتخابية بكل ما تشمله من دعاية بجميع أشكالها وأنواعها.. وهذا ما يحدث فى العالم أجمع ومن ضمنه مصر المحروسة..

إلا أنه فى معظم دول العالم  ( المُتحضّر والذى نأمل أن نصبح من هؤلاء ) توجد هناك مراقبة لمصادر الأموال التى ينفقها المرشح على حملته الإنتخابية ليس فقط بعد فتح باب الدعاية الرسمية بل منذ أول يوم إعلان المرشح اعتزامه خوض الإنتخابات.. لذا كثيرا ما نسمع عن الكشف عن فضائح ومخالفات مالية تخص الحملات الإنتخابية لمرشح رئاسى فى دولة ما .. أو أحد المرشحين لمنصب دولى.. وهكذا.

وإذا نظرنا إلى المشهد الإنتخابى فى مصر ٢٠٢٠ والذى بدأ بانتخابات مجلس الشيوخ ووصل حالياً إلى بداية سباق انتخابات مجلس النواب.. وما شهده من مظاهر إنفاق أرقام ضخمة جداً وخاصة المبالغ التى تخطت عشرات الملايين والتى تم دفعها ( علانيةً ) فى صورة تبرعات لأحد الأحزاب لمجرد الدخول ضمن قائمته.

وبالقطع هذا مؤشر لما سوف نشاهده من إنفاق غير مسبوق مع بدء الدعاية الرسمية.. فإذا نظرنا إلى كل ذلك سنكتشف وكأننا نعيش فى كوكب آخر.. لماذا.

قبل الإجابة عن هذا التساؤل يجب فى البداية أن نعلم ما هى جريمة غسل الأموال.

ببساطة شديدة وبدون استخدام مصطلحات قانونية  أو  “مجعلصة”.. مفهوم جريمة غسل الأموال هى أن أحد الاشخاص تحصّل على أموال من نشاط غير مشروع ( يُطلق عليها أموال قذرة ) يقوم بإدخالها فى نشاط مشروع حتى تصبح تلك الأموال بعد ذلك أموال مشروعة.. مثل الذى يضع ملابس غير نظيفة فى الغسالة حتى تخرج منها بعد الغسيل نظيفة.. ولذلك تم تسميتها جريمة غسل أموال.

فلماذا إذاً نحن فى كوكب آخر ،ببساطة شديدة لأن ضخامة المبالغ الغير مسبوقة والتى تنفق حالياً فى سوق الإنتخابات وسهولة دفعها بهذه البساطة والتى تؤكد أن صاحبها لم يتعب فى الحصول عليها.. تجعلنا حتماً نتشكك.. أليس من الممكن أن يكون من ضمن هذا الأموال ما هو مُتحصّل وناتج عن نشاط غير مشروع مثل الإتجار فى المخدرات أو الآثار أو السلاح أو…. أى نشاط اجرامى آخر.

أو ربما تكون من ضمن هذه المبالغ ما هو قادم من الخارج فى صورة تمويلات من جماعات إرهابية لأشخاص ووجوه جديدة على الساحة لدعمهم فى الفوز بكرسى البرلمان ليصبح ولائهم لهذه الجماعات بعد ذلك وهم داخل المجلس.

وكل ذلك بالقطع يدخل ضمن ما أوضحناه من مفهوم جريمة غسل الأموال.. ويكون هناك من استخدم أمواله القذرة للوصول إلى مقعد البرلمان.

بل ونجد نفس الحزب يقوم بإعادة استخدام هذه التبرعات ( الأموال القذرة ) فى عدة صور من صور التلاعب بهذا الشعب وجميعها أقبح من بعض وأهمها :

  • الأولى هى شراء أصوات الغلابة علناً جهاراً نهاراً أمام اللجان الإنتخابية.

  • الثانية هى استخدام هذه الأموال فى الدفع بقوافل طبية لتقديم المساعدات الطبية للفقراء وتوزيع البطاطين والمواد الغذائية وغيرها من مظاهر دعم الفقراء.. ليبدو أمام المواطنيين أنه يشعر بهم ويقف بجوارهم وكأنه الأب الحنون..

  • الثالثة وهى ما أعلن عنه مؤخراً أنه سوف يقوم بسداد قيمة التصالحات عن المبانى المخالفة بديلاً عن عدد ألف أسرة من الفقراء فى كل محافظة بإجمالى ٢٧ ألف أسرة…

ليكون بذلك قد قام بشراء أصوات ٢٧ ألف أسرة فى متوسط خمس أفراد ليضمن ما يقرب من ١٣٠ ألف صوت فى إنتخابات مجلس النواب..

وكل ذلك من أموال تبرعات المرشحين التى لا نعلم عن مصدرها أى شيئ..

وبعدما أوضحنا مفهوم جريمة غسل الأموال.. فإن لم يكن كل ذلك صورة واضحة من صور غسل الأموال.. فمتى إذاً تقع هذه الجريمة!!؟؟

لذا نجد أنفسنا وقد أصبحنا أمام تساؤل آخر أهم وأخطر وهو : هل قامت الأجهزة الرقابية المعنية داخل الدولة بالتحرى عن مصادر دخل المرشحين الذين قاموا بإنفاق هذه المبالغ الطائلة للتأكد من مشروعية هذه الأموال .

أمّ أننا بعد هذه الأرقام الفلكية التى قام هؤلاء بإنفاقها سنكتفى بإقرار الذمة المالية الذى يقوم كل مرشح بتقديمه ضمن أوراق الترشح والذى لا يكون له أى علاقة ولا يُعبرّ عن حقيقة وضخامة إنفاقه أثناء الإنتخابات.

لنكتشف بعد فوز أحد هؤلاء  بكرسى البرلمان وحصوله على ( الحصانة ) أن لدينا نواب لهم أنشطة إجرامية ويتحصنون خلف درع الحصانة.

وبذلك يكون هذا هو النتاج الطبيعى لموسم انتخابات تفوح مع بداياته رائحة جريمة غسل الأموال.

وفى النهاية اسمحوا لى أن أقول : اللهم أبلغت.. اللهم فأشهد.

اللواء بهاء البجاوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.