كتبت / عزه السيد
ما هو موقف الإسلام من تحضير الأرواح؟
أجاب الشيخ عطية صقر رحمه الله رئيس لجنة الفتوى بالازهر الشريف فقال تقرر الأديان كلها أن الإنسان مادة وروح . قال تعالى : { إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين . فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين } ص : 71 ، 72 ، وأنه أحد العوالم الثلاثة التى كلفها الله بعبادته ، وهى : الملائكة والإنس والجن ، وكلها مادة وروح وإن كانت مادة الملائكة هى النور ، ومادة الإنس هى الطين ، ومادة الجن هى النار .
والروح سرها عجيب لا يدرك الإنسان منه إلا قليلا ، على الرغم من إدراكه الكثير من سر المادة ، قال تعالى { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } الإسراء :85 ، واهتم علماء المسلمين بدراستها وبيان أثرها فى الحياة وفى الفكر وفى السلوك وفى مصيرها بعد خروجها من البدن بالموت . ومن الكتب المؤلفة فى ذلك كتاب الروح لابن القيم .
وعلى الرغم من الاتجاه المادى للعالم الغربى نشطت أخيرا الدراسات الروحية ، فى كليات أو معاهد خاصة ، وتكونت جمعيات تمارس أنشطة متصلة بالروح ، كبعض الأنشطة التى مارسها بعض المسلمين وغيرهم ، باسم السحر وتحضير الأرواح ، وما إلى ذلك ، ونريد هنا أن نبين موقف الإسلام من تحضير الأرواح .
إن الأرواح هى لثلاثة أصناف من العوالم ، الملائكة ، والإنس ومعهم الحيوانات والطيور وكل ما يدب على الأرض ، والجن .
فما هى صلة الإنسان بهذه الأرواح ؟ .
1 – الملائكة عالم شفاف مخلوق من نور ، يعطيهم الله القدرة على التشكل بالأشكال المختلفة ، ولئن كان الله سخرهم لصالح البشر فى مهمات وكلها إليهم كتبليغ الوحى وتسجيل ما يقع من الناس من أقوال وأفعال ، ومعونة المؤمنين فى الحرب وغيرها ، فإن كل أنشطتهم بأمر الله وتوجيهه ، لا سلطان لأحد غيره عليهم ، ولا يستطيع إنسان أن يتسلط عليهم ولا أن يستعين بهم مباشرة ، إلا بأمر الله سبحانه ، ولما فتر الوحى عن النبى صلى الله عليه وسلم كان يشتاق لنزول جبريل عليه ، فلم ينزل إلا عندما أذن الله له . فقد روى البخارى أنه عليه الصلاة والسلام قال لجبريل : ” ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ” ؟ فنزلت { وما تتنزل إلا بأمر ربك } مريم : 64 ، ومن هنا لا يمكن لبشر أن يحضر ملكا أو يحضر روحه .
2 – الإنسان عندما تفارق روحه جسده لا يعرف بالضبط مكانها إلا الله سبحانه ، وإن جاءت الأخبار بأن لها صلة بالميت بقدر ما يسمع ويجيب على سؤال الملكين ، ويحس بالنعيم والعذاب ويرد السلام على من سلم عليه ، أو بقدر أكبر من ذلك كما قيل عن الأنبياء فى قبورهم ، وكما قيل عن الشهداء فى قوله تعالى{ ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } آل عمران : 169 ، فقد روى مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال : “أرواحهم فى جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوى إلى تلك القناديل ، فاطلع عليهم ربهم اطلاعة ، فقال : هل تشتهون شيئا ؟ قالوا : أى شىء نشتهى ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ؟ فعل ذلك بهم ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا : يا رب نريد أن ترد أرواحنا فى أجسادنا حتى نقتل فى سبيلك مرة أخرى . فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا” .
وستظل الأرواح محبوسة عند الله لا ترد إلى الأجساد إلا عند البعث من القبور للحساب . قال تعالى : { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون .
لعلى أعمل صالحا فيما تركت ، كلا إنها كلمة هو قائلها من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } المؤمنون : 99 ،100 ، ولا يمكن لبشر أن يتسلط على روح الميت ويحضرها ويتحدث إليها لتخبره بما هى فيه من نعيم أو عذاب ، أو بأحداث فى الكون غائبة عنه ، وقد يحدث الاتصال بها-دون تسلط عليها-فى الرؤى والأحلام ، ويقول المهتمون بتعبير الرؤيا : إن أحوال الميت وما يقوله ويخبر به حق ، لأنه انتقل من دار الباطل إلى دار الحق . وقد سبق بيان قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم ” من رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة- أو كأنما رآنى فى اليقظة- لا يتمثل الشيطان بى ” لكن هذه الرؤى ليست باختيار الإنسان ، وليس فيها تسلط على الأرواح .
3 – الجن عالم شفاف خلق من نار ، يعطيهم الله القدرة على التشكل بالأشكال المختلفة ، وكما لا ترى الملائكة فى حالتها النورانية ، إلا بإعجاز من الله تعالى كما قيل فى رؤية النبى صلى الله عليه وسلم لجبريل فى الغار وليلة المعراج ، لا يرى الجن فى حالتهم الشفافة ، كما قال تعالى : { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } الأعراف :
27 ، ولهم عالمهم الخاص من الأكل والشرب والتزاوج ، وسائر الأنشطة التى تنظم حياتهم ومنهم الصالحون وغير الصالحين ، كما قال سبحانه : { وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا } الجن : 11 ، . وقد التقى النبى صلى الله عليه وسلم ببعضهم واستمعوا القرآن وآمنوا ، كما جاء فى الأحقاف ( الآية : 29 وما بعدها ) .