أراء وقراءات

نتنياهو وأسطورة “إسرائيل الكبرى”: كوميديا سوداء على أنقاض غزة

بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير

لم يعد بنيامين نتنياهو يكتفي بكرسي رئاسة الوزراء في إسرائيل، بل ارتدى ثوب “الكاهن الصهيوني” وهو يبشر بـ”إسرائيل الكبرى”، كأنما يعيش في معبد يوناني قديم لا في واقع ملطخ بدماء غزة وأزماته الداخلية.

إعادة تسخين الأسطورة

في مقابلة مع قناة i24 News بتاريخ 12 أغسطس 2025، طرح نتنياهو رؤيته لـ”إسرائيل الكبرى” التي تشمل الضفة الغربية والأردن وسيناء ولبنان وسوريا والعراق والجزيرة العربية. لكن المتتبع لتاريخ الصهيونية يدرك أنه لم يأتِ بجديد؛ هو فقط يعيد تدوير حلم قديم صاغه جابوتنسكي تحت شعار “من النيل إلى الفرات”. وكأن الرجل يعرض وجبة بايتة لا طعم لها ولا رائحة، لكنه يصرّ على تقديمها تحت عنوان “الأمن القومي والوعد الديني”.

وهم سياسي في ثوب ديني

خطاب نتنياهو ليس أكثر من مخدر جماهيري يقدمه زعيم مأزوم يواجه قضايا فساد ومحاكم، وتراجعًا في شعبيته. كلما ازداد عزل إسرائيل أخلاقيًا بسبب جرائمها في غزة، عاد قادتها لتسويق أسطورة “أرض الميعاد” لجمهورهم. إنها وصفة طبيب نفسي رخيص: تخدير بدل علاج.

 قلق غربي وإدانة عربية

كالعادة، الغرب لم يخذل نتنياهو، فاكتفى ببعض العواصم الغربية بإبداء “القلق”، الكلمة الدبلوماسية التي تعني: “لا يهمنا ما دمتم تقتلون العرب بعيدًا عن شوارعنا”.
أما العرب، فقد صدر بيان مشترك عن وزراء خارجية 31 دولة عربية وإسلامية، إضافة إلى الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي، أدان تصريحات نتنياهو. (هل كان متوقعًا أكثر من ذلك؟).

النصوص الشرعية تحسم المشهد

ما يجهله نتنياهو أو يتجاهله أن النصوص الشرعية تتحدث عن نهاية هذا المشروع قبل أن يكتمل:

قال الله تعالى في القرآن الكريم :

  • {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ } [آل عمران:112]

وجاء في الحديث النبوي الشريف :

  • «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» [رواه البخاري].

أي أن “إسرائيل الكبرى” ليست سوى بروفة للمشهد الأخير المكتوب في اللوح المحفوظ، ولن يسمح لنتنياهو أو غيره بإعادة كتابة النص.

التاريخ يسخر من الطغاة

التاريخ يكرر سخريته:

  • فرعون قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف:51] فغرق.

  • نبوخذ نصّر حلم بعرش أبدي، فابتلعته أسوار بابل.
    واليوم، نتنياهو يحلم بإمبراطورية “من النيل إلى الفرات”، بينما يعجز عن تأمين تل أبيب من صواريخ تُصنّع تحت الحصار.

الخلاصة

الخلاصة أن بيت المقدس سيكون خط النهاية، وأن الأرض لله يورثها من يشاء، والعاقبة للمتقين.
نتنياهو يظن أن وهم “إسرائيل الكبرى” سيخلده، لكنه سينتهي ككاريكاتور سياسي في فصل الكوميديا السوداء من كتب التاريخ. سيبقى اسمه ملطخًا بغبار غزة ودماء شهدائها، تمامًا كطفلٍ يحاول أن يرسم الشمس بقلمٍ من الفحم؛ لا الشمس أشرقت، ولا الليل انقشع، ولا بقي إلا السواد على أصابعه.


 

السفير د. أحمد سمير

عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة

السفير الأممي للشراكة المجتمعية

رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى