هجرة العقول… نزيف صامت يهدد أوطاننا

بقلم: عبير الحجار
في صمتٍ مؤلم، تغادر العقول المبدعة أوطانها، بحثًا عن بيئة حاضنة لأفكارها وفرص تقدر قدراتها. تُعرف هذه الظاهرة بـ”هجرة العقول”، وهي من أخطر التحديات التي تواجه الدول النامية، حيث تخسر مجتمعاتنا ثروة لا تُقدر بثمن: المبدعون والعلماء الذين يشكلون أساس النهضة والتقدم.
أرقام صادمة وأسباب متعددة
تشير الإحصائيات إلى أن آلاف الأطباء والمهندسين والعلماء العرب يهاجرون سنويًا إلى أوروبا وأمريكا وكندا، بحثًا عن رواتب مجزية وبيئة عمل تحترم قدراتهم. ويقف خلف هذه الظاهرة غياب الدعم، تفشي البيروقراطية، وغياب البحث العلمي الممول، مما يدفعهم للبحث عن بيئة أكثر احتضانًا لأحلامهم.
قدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بلغ عدد المصريين المتميزين من العلماء والخبراء ورجال الأعمال المقيمين في الخارج حوالي 824 ألف شخص، يتوزعون على الولايات المتحدة (في المرتبة الأولى)، ثم كندا، أستراليا، بريطانيا، فرنسا، وغيرها من الدول الغربية
أما عدد الأكاديميين والعلماء المصريين المقيمين بالخارج، فيقدّر بنحو 86 ألف، بينهم 1,883 في تخصصات نووية نادرة، و 42 يشغلون مواقع كرؤساء جامعات حول العالم، بالإضافة إلى وجود حوالي 180 عالمًا مصريًا في مجال الطاقة النووية .
الخسارة… ليست مادية فقط
هجرة الكفاءات لا تعني فقط فقدان خبرات علمية، بل تعني أيضًا تأخر التنمية، تراجع الابتكار، وزيادة الاعتماد على الخارج. في المقابل، تحصد الدول المستقبِلة ثمار تعليم هؤلاء المهاجرين وخبراتهم دون أن تتحمل أي تكلفة لإعدادهم.
تضليل العقول… الوجه الآخر للأزمة
إلى جانب النزيف البشري نحو الخارج، تواجه أوطاننا خطرًا آخر يتمثل في تضليل العقول داخل البلاد، خاصة بين الشباب عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك. ومع غياب الفرص الحقيقية والبيئات العلمية والثقافية الجاذبة، ينغمس كثير من الشباب في محتوى سطحي ومضلل، يضعف تطلعاتهم ويصرفهم عن مسارات التعليم والإبداع.
تيك توك… من منصة ترفيه إلى أداة تجهيل
أصبح تيك توك من أكثر التطبيقات انتشارًا بين الفئات الشابة، لكنه يحمل خطر انتشار الأخبار الكاذبة، المعلومات المغلوطة، والمحتوى الترفيهي الزائف، مما يهدد بخلق جيل يفتقر للتفكير النقدي والرغبة في التعلم.
تحديان أمام الدولة
تواجه الحكومات معركة مزدوجة:
-
وقف نزيف العقول عبر تحسين بيئة العمل وتوفير فرص محفزة.
-
مكافحة تضليل العقول من خلال حملات التوعية وتنظيم المحتوى الرقمي ليكون أداة بناء لا هدم.
الحل… استثمار في الإنسان
رغم قتامة المشهد، فإن الحلول ممكنة بوجود إرادة سياسية واستثمار حقيقي في العنصر البشري، عبر دعم البحث العلمي، توفير بيئة محفزة، وتقدير الكفاءات ماديًا ومعنويًا.
إن الحفاظ على العقول ليس مسؤولية فردية، بل قضية وطنية تحتاج إلى تكاتف الجميع، لأن الأوطان بلا عقول… أوطان بلا مستقبل.
عبير عبد السلام الحجار
كاتبة صحفية وإعلامية