هل توجد فضيلة مهزومة ؟!
بقلم د.محمد صلاح شلبي
كتبت على صفحة للتواصل الاجتماعي كلمة موجزة حول الفضيلة المهزومة ،فكان أن طلب إلى الكاتب الصحفي النحرير الأستاذ مدبولى عتمان تفصيل تلك الكلمة في مقال،ولا حيلة لى إلا أن أقول له ما قاله أبو نصر النيسابوري لسيف الدولة :حباؤك معتاد وأمرك نافذ .
وهذه الكلمة تجيب عن سؤال فحواه :هل (الفضيلة المهزومة)مقدرة؟
هل (الفضيلة المهزومة)التي لم تأت بفائدة مادية ملموسة عاجلة مقدرة؟
إن عظمة العمل الأخلاقي البطولى ليست في نجاحه،ولا يكون البطل الأخلاقي المنهزم ،المقتول احيانا، خاسرا بل هو منتصر.إن من يحاول إنقاذ غريق فيغرق معه أو يغرق دونه تمتدحه جميع المذاهب الأخلاقية -حتى النفعية منها-فيما أعلم- رغم أنه لم يحقق نجاحا ماديا ملموسا .
إذا لم يكن الله موجودا فإن هذا العمل يظل بلا معني ،فقد اكتسب هذا العمل معناه من وجود الله واليوم الآخر وباعث البطل الأخلاقى المتعلق بأسماء الله وصفاته المتخلق بهما﴿أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ كَٱلۡمُفۡسِدِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلۡمُتَّقِینَ كَٱلۡفُجَّارِ﴾ [ص ٢٨]
إن أصحاب الأخدود غاظهم إيمان المؤمنين وأخلاقهم ،فكان انتقامهم شديدا ،حين أضرموا فيهم النيران ،كانوا قساة حين ضحكوا منهم ،ومضت الأوقات وجاء يوم الحساب فكان نصيب اصحاب المبدأ الأخلاقى جنات تجرى من تحتها الأنهار وذلك هو الفوز العظيم .
ولكن،هل هذا البطل الخاسر لم يحقق إلا فائدة أخروية؟
إن فعله -على الحقيقة- موجه للحياة الدنيا قبل الآخرة ،فلولا هذا التدافع بين الحق والباطل والفضيلة والرذيلة لفسدت الأرض
﴿ٱلَّذِینَ أُخۡرِجُوا۟ مِن دِیَـٰرِهِم بِغَیۡرِ حَقٍّ إِلَّاۤ أَن یَقُولُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّهُدِّمَتۡ صَوَ ٰمِعُ وَبِیَعࣱ وَصَلَوَ ٰتࣱ وَمَسَـٰجِدُ یُذۡكَرُ فِیهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِیرࣰاۗ وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ﴾ [الحج ٤٠]
وفى الحديث أنه خير الشهداء لأنه يقيم التوازن بين الحق والباطل في الحياة الدنيا ،إنه يعلم الأجيال الفضائل ويعلمهم تعلما خبرويا تراكميا،كيف ينتصرون انتصارا ماديا ملموسا عاجلا كما انتصروا انتصارا معنويا آجلا.
قايسوا هذا بمن يعملون وراء أقنعة أخلاقية مفادها (المصلحة) و(النفعية).وتذكروا أن الفضيلة المهزومة لم ولن تكون مرذولة.
د.محمد صلاح شلبي
كاتب وباحث