العالمالمجتمع

هل ولد سيدنا عيسى صيفا أم شتاء؟.. بقلم الدكتورة وفاء الشيخي

صورة تعبيرية

تعودت مريم عليها السلام أن تعتكف في خلوتها لعبادة الله عز وجل ، وكان يأتيها سيدنا زكريا عليه السلام بالطعام فيجد عنده انواع شتى من الطعام والشراب ، فيسألها من اين لك هذا ؟ّ فترد هو من عند الله . وفي يوم من الايام ظهر أمامها سيدنا جبريل عليه السلام وقد تمثل لها بشراً سوياً لتأنس به، و لا ترتاب او تخاف منه ، لكنها ظنت أنه يريد بها سوءاً ، وحاولت الهروب فأخبرها انه رسول ربها اليها ليهبها غلام زكيا ، قال تعالى :ّ {ْقَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)} سورة مريم .و نفخ ذلك الملك الكريم فيها فإذا هي حامل بقدرة من الله وإرادته .

وعانت السيدة مريم من آلام الحمل كسائر النساء ، و لذلك قررت الاعتزال في بيت ريفي وحيدة في بلدتها يقال انها “الناصرة”، و قد استسلمت لقضاء الله و قدره، إلى أن حان موعد ولادتها ، فلما أحست مريم بآلام المخاض لجأت إلى جذع نخلة {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)} سورة مريم ولكنها سمعت اثناء تألمها صوتاً يناديها من تحتها يطمئنهاّ ويطلب منها ان لا تحزن وان تقر عينا {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (6) } .و السري هو جدول من الماء اجراه الله تحتها في تلك البقعة القفرة الخالية، وكانت تلك المعجزة دليلاً قاطعاً على براءتها و عفتها و طهارتها عليها السلام .

فاستجمعت قواها واتت قومها تحمل ولدها الرضيع بين يديها ، و أخذ الجميع يوبخها ويتهمها وينغامز عليها قال تعالى : { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا28)} لكن الله أنطق سيدنا عيسى ، و هو في المهد رضيعا ، ليلجم الطاعنين في امه العفيفة، ويكف عنها السنتهم { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا 33)} .

هكذا جاءت قصة مريم و عيسى عليهما السلام في القرآن الكريم ، ولم يأتي ذكر اليوم او الشهر او السنة التي ولد فيها عيسى عليه السلام .. وقد استشهد البعض بموسم التمر والرطب ليدلل على ان سيدنا عيسى ولد صيفا وليس شتاء كما يزعمون .. في اشارة الى جذع النخلة الذي تساقط رطب جنيا على مريم عليها السلام عندما هزته.. قال بعض العلماء : إن جذع النخلة الذي أمرها الله أن تهز به : كان جذعاً يابساً ؛ فلما هزته جعله نخلة ذات رطب جني ،فالله عز وجل لا يعجزه انبات النخلة اليابسة فتينع ولا انبات الرطب والتمر في غير وقته فينضج ، كما ان سيدنا زكريا كلما دخل عليها المحراب يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف ، فسبحانه القادر على كل شئ{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82)} يس.

وميقات ولادته عليه السلام من الغيب الذي لا يمكن لأحدٍ الجزم به ، و معرفته والعلم به لا ينفع ولايضر ، ولو كان في معرفته فائدة لجاءتنا النصوص صريحة بذلك ، ولكن حسبنا أنه المسيح عيسى بن مريم عبد الله ونبيه ، و كلمته التي ألقاها إليها و روح منه ، نتقرب بحبه الى الله ، ونؤمن به كإيماننا بباقي الرسل والانبياء عليهم الصلاة والسلام . {ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ 34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)} مريم.

د. وفاء الشيخي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.