أراء وقراءاتاحدث الاخبار

همُوم معلِّم ” … ( 2 ) بقلم: علاء الصفطاوي

المعلم .. بينَ أحمد شوقي .. وإبراهيم طوقان

نظر أحمد شوقي ( ١٨٦٨ – ١٩٣٢ م ) للمعلم نظرة سامية، تقديراً لدوره في تنبيه الغافلين، وإيقاظ النائمين، وتعليم الجاهلين، وبناء الأجيال التي بالعلم تبني الأمم وتحيي الرّمم، فقال :

قم للمعلم وفّهِ التبجيلا .. كادَ المُعلِّمُ أن يكون رسولا

والقيام هنا معناه التقديرُ والاحترام .. والتبجيل أي التعظيم .. ثم علّل شوقي هذا النظرة السّامية بأن المعلم يكاد ترقى منزلتهُ إلى منزلة الرسلِ والأنبياء ..  وأعتقد أنه استمدّ هذا المعنى من حديث رسول اله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنّتاً .. وإنما بعثني معلماً وميسراً .

ثم يقولُ شوقي رحمه الله :

أرأيتَ أشرفَ أو أجلّ من الذي .. يبني ويُنشئُ أنفساً عقولا

لا والله .. ليس هناك أشرف ولا أجل من الذي يبني الأنفسَ والعقول، أليست الأمم والحضارات تُبنى بأصحاب النّفوسِ النّقية والعقول الذّكية ؟!!

تلكَ هي النظرية والمثال الذي ينبغي أن تتعاملَ به الأمم الرّاقية مع المعلمين، فترفع قدرهم .. وتُعلي بين العالمين شأنهم .

لكن الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان ( ١٩٠٥ – ١٩٤١م ) خرج مِن حيّز النّظريّة المثالية التي وضعها شوقي، إلى حيز الواقع الأليم الذي يحياه المعلم، وعبّر عنه بمرارةٍ شديدة حيثُ قالَ رحمه الله :

شوقي يقولُ وما درى بمصيبتي .. قم للمعلم وفّه التبجيلا

اقعد فديتكَ هل يكونُ مبجَّلاً … مَن كان للنشء الصّغير خليلا ؟!!

ورغم يقيني أنّ طوقان يعرض واقعا حيًّا، ويرسمُ صورةً تلامسُ الواقع إلى حدٍّ بعيد، حيث إنه عمل معلماً في مدارس نابلس في فلسطين الحبيبة .. إلا أنني أختلف معه -رحمه الله _  في بعض ما ذهبَ إليه، وأختلف كذلك مع مَن نال من معلمِ الصبيان، فالمعلمُ الذي ينقشُ على تلك الصفحات البيضاء معالمَ الإيمان .. وقيمِ الإسلام، هو أهل لكل تكريم وتبجيل .

ويقولُ طوقانُ أيضاً :

لو جرّب التعليمَ شوقي ساعةً .. لقضى الحياةَ شقاوةً وخمولا !!

لكنني أعارضه هنا إيضاً قائلاً :

لو جرّب التعليمَ شوقي ساعة .. لقضى الحياةَ سعادةً ونعيما !!

فطوقان يتحدث عن الموظفين .. وأنا أتحدث عن أصحاب الرسالة، الذين يبتغون بأداء عملهم الأجرَ من الله تعالى .. ويعلمون أنهم لا بدّ أن تقابلهم الصعاب والعقبات، كحال أصحاب الرّسالات في كلّ زمانٍ ومكان !!!

وبعيداً عن تلك النظرة التشاؤمية لما يعانيه المعلم مثل :

وأصحح غلطةً نحْويةً مثلاً .. متخذاً من الكتابِ دليلاً

فأرى حماراً بعد ذلك كله .. رفع المضاف إليه والمفعولا !!

فإني أرى أن قصيدة شوقي وقصيدة طوقان تمثلان لوحةً متكاملة للمعلم، تعرض إحداهما سمو رسالته وتعرضُ الأخرى مرَّ واقعه، ولكن المعلم النبيل هو الذي يدرك سمو رسالته من خلال نظرة شوقي، حيث إنّه في نظره كادَ أن يكونَ رسولاً .. ولكنه في الوقتِ ذاته يعلم صعوبة مهمته، وأنّ طبيعة الطريق الذي يسير فيه هي ذاتها طبيعة الطريق الذي سار فيه الرسل والأنبياء من قبل .

لوعاش المعلم بهذه الروح، فأخذ من قصيدة شوقي علو الشأن وعظمة المكانة .. وأخذ من قصيدة  طوقان وعورة الطريق ومشقة المهمة، لعاش الحياة راضي النّفس مطمئن البال !!!

علاء الصفطاوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.