الصراط المستقيم

واجب الوقت

إعداد/ الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.

الذى دفعنى للكلام فى هذا الموضوع عدة أمور منها:

أولاً:- للامتثال لمثل أمره ﷺ

ثانيًا:- لأنه لا يقوم نظام الدنيا والآخرة إلا بالوقت ().

ثالثًا:- لتحقيق هذا المثل الذي أراده ﷺ للمؤمن ،والثابت في صحيح ابن حبان عَنْ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّحْلَةِ لَا تَأْكُلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَلَا تَضَعُ إِلَّا طَيِّبًا»().و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ نَفَخَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا فَلَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَمْ يَنْقُصْ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ النَّحْلَةَ أَكَلَتْ طَيِّبًا وَوَضَعَتْ طَيِّبًا وَوَقَعَتْ فَلَمْ تُكْسَرْ وَلَمْ تَفْسُدْ»().

رابعًا:- وبهذا أقام النَّبِيُّ ﷺ نظام الدنيا والدين ……().

خامسًا:- ولأهمية الوقت في الحفاظ على المصالح والمقاصد الضرورية الخمسة : (الدين ،والنفس ،والنسل ،والعقل،والمال).

سادسًا:- التقليل من الجريمة والفساد بكل صورها لأن الفراغ والبطالة هما أس كل فساد وشر.

سابعًا:- لأن الوقت مسؤولية:

وهذه النعمة العظيمة على الإنسان في تنظيم وقته سيسأله الله تعالى عنها.

قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } [التكاثر:8]،والنعيم لفظ عام، فهو يشمل كل ما يتنعم به الإنسان في الدنيا، سيسأل عنه يوم القيامة ()،والوقت من أجل النعم، وقد أورد الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية حديثا عن النبي ﷺ في الإشارة إلى نعمة الوقت والحث على اغتنامها: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي ﷺ: (نعمتان مغبونٌ  فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ) .ثم قال ابن كثير: «ومعنى هذا: أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين، لا يقومون بواجبهما، ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه، فهو مغبون»

لذا سنسأل عنه :

عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ»

ثامنًا:- التذكير بأن الوقت غنيمة:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: ” اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»

لقد أكد القرآن الكريم على أهمية الوقت مرارًا، وفي سياق مختلف وبصيغ متعددة؛ منها: الدهر، الحين، الآن، اليوم، الأجل، الأمد، السرمد، الأبد، الخلد، العصر، وغير ذلك من الألفاظ الدالة على مصطلح الوقت، وقد يكون لبعضها علاقة بالعمل وطرقه، أو له علاقة بالإدارة وتنظيمها، أو تعلق بالكون والخلق، أو ارتبط بعلاقة الإنسان بربه من حيث العقيدة والعبادة،

واجب الوقت المراد به ما لزم فعله أو قوله لحلول زمانه ومكانه الذي لا يصح أن يؤدى هذا اللازم إلا فيهما فإن فات زمانه أو مكانه لم يقبل فعَنْ زُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ , أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ يَسْتَخْلِفُهُ , فَقَالَ النَّاسُ: تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا فَظًّا غَلِيظًا , وَلَوْ قَدْ وَلِيَنَا كَانَ أَفَظَّ وَأَغْلَظَ , فَمَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا لَقِيتَهُ وَقَدِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا عُمَرَ , قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَبِرَبِّي تُخَوِّفُونَنِي , أَقُولُ: اللَّهُمَّ اسْتَخْلِفْ عَلَيْهِمْ خَيْرَ خَلْقِكَ , ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي مُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ إِنْ أَنْتَ حَفِظْتَهَا: إِنَّ ” لِلَّهِ حَقًّا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ , وَإِنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ , وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَافِلَةً , حَتَّى تُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ ,..الحديث

الفرق بين واجب الوقت وفقه الأولويات :

فقه الأولويات أعم من واجب الوقت لأنه يشمل ترتيب الأولويات الواجبة فلا يؤخر منها ما حقه التقديم وهذا يدخل فيه واجب الوقت كقول النبي ﷺ رداً على من سأله من أحق الناس بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟

قَالَ: أُمُّكَ ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمُّكَ ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّكَ ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ” (). وكما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أيضاً : أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ سُئِلَ : أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ . قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ . ().

وكما في حديث عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي().

وكما في حديث أَبِي ذَرٍّ قَالَ : خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقَالَ : ” أَتَدْرُونَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ [عَزَّ وَجَلَّ] ؟ ” قَالَ قَائِلٌ : الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ ، وَقَالَ قَائِلٌ : الْجِهَادُ ؟ قَالَ : إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ[عَزَّ وَجَلَّ ، الْحُبُّ فِي اللهِ ، وَالْبُغْضُ فِي اللهِ .().

كما يشمل فقه الأولويات المفاضلة بين الأعمال المستحبة فمن الأحاديث التي جعلت المداومة على تلاوة القرآن الكريم أفضل الأعمال

كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ ؟ قَالَ : ” يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ ، وَمِنْ آخِرِهِ إِلَى أَوَّلِهِ .().

ومن الأحاديث من جعلت أحب العمل إلى الله تعالى أدومه، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: أَدْوَمُهَا ، وَإِنْ قَلَّ ، وَقَالَ: اكْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ .().

ومن الأحاديث التي جعلت التلبية والنحر في الحج أفضل الأعمال، كما في حديث أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ سُئِلَ : أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : ” الْعَجُّ() ، وَالثَّجُّ() “().

ومن الأحاديث التي جعلت أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ»().

ومن الأحاديث التي جعلت أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ فعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اتَّخَذَ حُجْرَةً – قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ حَصِيرٍ – فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ» ().

ولا ننسى وصيته ﷺ عندما رتب أولويات الإنفاق، فعَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ الْحَنْظَلِيِّ قَالَ : قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ – ﷺ – نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ ، وَهُوَ يَقُولُ : يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ : أُمَّكَ ، وَأَبَاكَ ، وَأُخْتَكَ ، وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ ” . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَؤُلَاءِ بَنُو ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ الَّذِينَ أَصَابُوا فُلَانًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهَتَفَ النَّبِيُّ – ﷺ – : ” أَلَا إِنَّهَا لَا تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى . ().

وفي الصحيح عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ . ().

ومن الأحاديث التي فاضلت بين عظم أجر الصلاة حسب المكان، ما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ قال: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ»()

هذا وفقه الأولويات بينه الله تعالى لعباده في كتابه العزيز ببيان التفاوت بين الأعمال ورُتَبِها، سواء أكانت صالحة، أم طالحة.

قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (سورة البقرة 215) ().

قال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)} [التوبة: 19، 20.

هذا وقد عَلَّمَ النبيُّ – ﷺ – أصحابَهُ رُتَبَ الأعمالِ بوجه عام والأدلة على ذلك كثيرة منها:

عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ َﷺ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْعَجُّ وَالثَّجُّ» (). الْعَجُّ يَعْنِي: التَّلْبِيَةَ، وَالثَّجُّ يَعْنِي: إِهْرَاقَ الدَّمِ

بيان واجب الوقت من القرآن:

قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[الجمعة:1 ].

في مقام التعليم: العلم قبل القول والعمل وقول الله تعالي فاعلم { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:].

بيان واجب الوقت من السنة :

كما عَلَّمَ النبيُّ – ﷺ – أصحابَهُ رُتَبَ الأعمالِ الدعوية،والتعليمية ،والتربوية ،والجهادية ،والعبادية بل والاجتماعية،وما حَقُّهُ التقديمُ منها ؛ وما حَقُّهُ التأخير بوجه خاص :فبالبصيرة تستثمر الأوقات، وتعرف الأولويات، ويُعطى كل ذي حق حقه وكثير منهم يصادف الأفضل في مجال الإنفاق فينفق عن وعي، لفقه الأولويات.

عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ : أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ قَالَ : أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ . فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا .

اختلاف جواب الرسول بحسب حال السائل،وبحسب واجب الوقت في حقه.

سئل النبي – ﷺ – في مناسبات مختلفة عن أفضل العمل، وأحبه إلى الله تعالى، فكان جوابه مختلفاً، فمرة ذكر أن أفضل الأعمال هو الإيمان بالله تعالى وبرسوله – ﷺ -، ومرة جعله الصلاة لوقتها، ومرة الصوم، ومرة أدوم الأعمال، ومرة المداومة على تلاوة القرآن الكريم، ومرة الحب في الله والبغض في الله، ومرة التلبية والنحر في الحج، ولا يمكن تفسير ذلك إلّا بأن هذه الأفضلية ليست على إطلاقها؛ إذْ الأفضل على الإطلاق لا يمكن أن يتعدد، وإنما أفضلية بالنسبة إلى السائل أو إلى الحال التي يخصها السؤال، فيتحصل أن سبب الإختلاف. في تحديد أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى هو اختلاف المقام الذي صدرت فيه، فكان الجواب بحسب حال السائل،وبحسب واجب الوقت في حقه.

فمن الأحاديث التي جعلت أفضل العمل الإيمان بالله تعالى:

وما أخرجه أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ : « إِيمَانٌ بِاللهِ وَتَصْدِيقٌ ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَحَجٌّ مَبْرُورٌ » قَالَ الرَّجُلُ : أَكْثَرْتَ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : « فَلِينُ الْكَلَامِ ، وَبَذْلُ الطَّعَامِ ، وَسَمَاحٌ ، وَحُسْنُ خُلُقٍ» قَالَ الرَّجُلُ : أُرِيدُ كَلِمَةً وَاحِدَةً ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ : اذْهَبْ فَلَا تَتَّهِمِ اللهَ عَلَى نَفْسِكَ » .

وكذلك عندما قص علينا ﷺ أوضح مثال لعاقبة عدم ترتيب الأولويات بما حدث لجريج العابد عندما قدَّم الأولوية لعمل صالح مرجوح على عمل صالح آخر أرجح؛ حيث قدم الاستمرار في صلاته، ولم يلبِّ نداء أمه ثلاثاً،فأغضبها، ودعت عليه دعوة استجاب سبحانه لها فيها، وهي أن لا يموت حتى يرى وجوه المومسات، فاتهمته إحدى البغايا بالزنا والفجور، ولكن الحق سبحانه أنجاه بتوبته وصلاحه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : كَانَ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ يُصَلِّي ، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهَا ، فَقَالَ : أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي ؟ ثُمَّ أَتَتْهُ فَقَالَتِ : اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ ، وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ : لَأَفْتِنَنَّ جُرَيْجًا ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ ، فَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى ، فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا ، فَوَلَدَتْ غُلَامًا ، فَقَالَتْ : هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ ، فَأَتَوْهُ وَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ فَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ، ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ فَقَالَ : مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ ؟ قَالَ : الرَّاعِي ، قَالُوا : نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ ، قَالَ : لَا ، إِلَّا مِنْ طِينٍ.

حكم من خالف واجب الوقت:

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ، حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» ().

قال النووى: قَوْلُهُ (فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ) هَكَذَا هُوَ مُكَرَّرٌ مَرَّتَيْنِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ أَوْ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْفِطْرِ أَمْرًا جَازِمًا لِمَصْلَحَةِ بيان جوازه فَخَالَفُوا الْوَاجِبَ ..) ()لذلك قال ﷺ (أُولَئِكَ الْعُصَاةُ) مع أنهم لم يرتكبوا ذنباً، لكن هذه المخالفة في ذلك الوقت ستضعف من قوتهم ،كما بين جابر ذلك عند الطحاوى بلفظ : خَرَجَ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ إِلَى مَكَّةَ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا، وَقَالُ: «تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ»، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَبَوْا أَنْ يُفْطِرُوا حِينَ صُمْتَ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَهُ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ فهنا خالفوا واجب الوقت، وخالفوا هديهﷺ في هذا الأمر، فسمّاهم ﷺ العصاة، مع أنهم يصومون رمضان في وقت رمضان

مسؤولية المسلم عن الوقت:

إن عقيدة المسلم المستمدة من القرآن الكريم والسُّنَّة المُطهَّرة تحثه دومًا على الاهتمام بالوقت والحرص على اغتنامه والحذر من إضاعته، ذلك أن الإسلام – كما رأينا في المبحثين السابقين – يقرر مسؤوليّة المسلم عن حفظ وقته، وقد استشعر السلف هذه المسؤولية وعملوا بمقتضاها، كما يصفه لنا الحسن البصريُّ رحمه الله بقوله: ” أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كَانَ أَحَدُهُمْ أَشَحَّ عَلَى عُمُرِهِ مِنْهُ عَلَى دَرَاهِمِهِ وَدَنَانِيرِهِ “. ().

فالاهتمام بالوقت، وإعمال العقل في استثماره والاستفادة منه، مطلب مهم في حياة المسلم، وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله: “أعلى الفِكَر وأجلُّها وأنفعها ما كان لله والدار الآخرة؛ فما كان لله أنواع، وذكر منها: الفكرة في واجب الوقت ووظيفته، وجمع الهمِّ – أي: الهمَّة – كلّه عليه، فالعارف ابن وقته، فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها، فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت، وإن ضيعه لم يستدركه أبداً” (). كذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله: ” صَحِبْتُ الصُّوفِيَّةَ فَلَمْ أَسْتَفِدْ مِنْهُمْ سِوَى حَرْفَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُمْ: الْوَقْتُ سَيْفٌ، فَإِنْ قَطَعْتَهُ وَإِلَّا قَطَعَكَ “. () ، أي: اقطع الوقت بالعمل لئلا يقطعك بالتسويف.و”الوقت هو الحياة” ().

تعلق همته بواجب وقته، وأَنه لا تتخطى همته واجب الوقت قبل إكماله:

وقال بعضهم: “ينبغى للفقير أَن لا تسبق همته خطوته”. قلت:

يشير إلى تعلق همته بواجب وقته، وأَنه لا تتخطى همته واجب الوقت قبل إكماله. وأَيضاً يشير إلى قصر أَمله، وأَن همته غير متعلقة بوقت لا يحدّث نفسه ببلوغه وأَيضاً يشير إلى جمع الهمة على حفظ الوقت، وأن لا يضعفها بتقسيمها على الأَوقات.

واجبات المسلم نحو الوقت تتمثل فيما يأتي:

أولاً: الحرص على الاستفادة من الوقت:

قال موسى بن إسماعيل (). واصفًا حال الإمام المحدّث حمّاد بن سلمة البصري (): ” لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكاً قطُّ لصَدَقْتُكم، كان مشغولاً بنفسه؛ إما أن يحدّث، وإما أن يصلّي، وإما أن يقرأ، وإما أن يسبِّح، كان قد قسّم النهار على هذه الأعمال. وقال عبد الرحمن ابن مهدي () : لو قيل لحمّاد بن سلمة: إنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً” ().

وقال شميط بن عجلان (): “واللهِ إن أبغض ساعاتي إليّ الساعةُ التي آكل فيها”().. فهو رحمه الله يتحسّر على الوقت الذي يُمضيه في تناول الطعام، فيا لها من عناية بالوقت وحرص عليه.

ثانياً: اغتنام أوقات الفراغ

إن فراغ القلب من الهموم والأكدار وفراغ الجسم من الأسقام لنعمتان عظيمتان من نعم الله عزَّ وجلَّ على عباده، إلا أن الناس مغبونون فيهما، كما جاء ذلك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ . ().

وهو ﷺ يشير في هذا الحديث إلى حال الناس حيال هاتين النعمتين، وأنهم لا يقدرونهما حق قَدْرهما، فتضيع أوقات الفراغ لديهم دون استثمارها فيما ينفعهم في أيٍّ منأمور دينهم أو دنياهم، وهذا هو الخسران المبين.

وحثاً للمسلم على اغتنام أوقات الفراغ، والاستفادة من جميع أوقات العمر، وعدم تضييعه، فقد جاء عن عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ “().

أما قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ : اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ (). فهو إشارة واضحة للمسلم إلى ضرورة الحرص على استثمار الأوقات حال القدرة والاستطاعة من الشباب والصحة والغنى والفراغ، وذلك قبل أن تدهمه المعوِّقات من الهرم والسقم والفقر والانشغال.

وقد كان السلف رضي الله عنهم حريصين على إشغال أوقاتهم بالصالح النافع من الأعمال، وكانوا يكرهون الكسل والبطالة، فقد أثر عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “إني لأكره أن أرى أحدكم فارغاً مُتَهْلَلاً (). لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة” (). ، كما رُوي مثله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوله “إني لأكره أن أرى الرجل فارغاً، لا في عمل دنيا ولا آخرة”().

وقال الشيخ يوسف القرضاوي: “الفراغ لا يبقى فراغاً أبداً، فلا بدّ له أن يُملأ بخير أو شرّ، ومن لم يشغل نفسه بالحق، شغلته نفسه بالباطل، فطوبى لمن ملأه بالخير والصلاح، وويل لمن ملأه بالشر والفساد” ().

ثالثاً: المسارعة في الخيرات

مما ندب الله عزَّ وجلَّ إليه المسلمَ اكتساب الأوقات، والمسارعة في الخيرات، إذ يقول في كتابه العزيز: ﴿‌وَسَارِعُوا ‌إِلَى ‌مَغْفِرَةٍ ‌مِنْ ‌رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: 133] ويقول سبحانه: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ ‌مُوَلِّيهَا ‌فَاسْتَبِقُوا ‌الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148]

رابعاً: الاعتبار بمرور الأيام:

وذلك كما في قول النبيِّ ﷺ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ يَأْتِي عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلَّا يُنَادَى فِيهِ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا خَلْقٌ جَدِيدٌ وَأَنَا فِيمَا تَعْمَلُ عَلَيْكَ غَدًا شَهِيدٌ فَاعْمَلْ فِيَّ خَيْرًا أَشْهَدْ لَكَ بِهِ غَدًا فَإِنِّي لَوْ قَدْ مَضَيْتُ لَمْ تَرَنِي أَبَدًا قَالَ: وَيَقُولُ اللَّيْلُ مِثْلَ ذَلِكَ “().

والأيام صحائف الأعمال، كما قال ابن الجوزي رحمه الله: “الأيام صحائف الأعمال، فخلِّدوها بأحسن الأعمال، الفرص تمر مرّ السحاب، والتواني من أخلاق الخوالف، من استوطأ مركب العجز عثر به، تزوج التواني الكسلَ فولد بينهما الخسران” ().

وحياة الإنسان ما هي في حقيقتها إلا أيام وساعات كما قال الحسن البصري رحمه الله: “يا ابن آدم إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضُك” ().

وقد تمثَّل أحمد شوقي كلامَ البصري هذا شعرًا فقال:

دقات قلب المرء قائلة له … إن الحياة دقائق وثوانِ ().

وعجبًا لحال الإنسان الذي يعظم فرحه بتصرم الشهور والأيام، ليدرك راتباً شهرياً أو إجازة سنوية، أو شهادة جامعية، ونحو ذلك، وهو لا يعلم

خامساً: تحري الأوقات الفاضلة:

سادساً: تخطيط الوقت وتنظيمه:

الصديق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة استدعى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأوصاه بكلمات منها: (إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، ولله في الليل حقٌ لا يقبله بالنهار، وإنها لا تُقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة)

إن ترتيب الأولويات يجعل حياة المسلم متوازنة، فقد وازن الإسلام بين المطالب كلِّها في اتِّساق لا طغيان فيه لجانب على جانب؛ بل أكَّد على ذلك بالنهي عن الغلوِّ والإفراط، كما نهى عن التفريط والإهمال، وأمر بالتوسُّط والاعتدال في جميع الأحوال، ولم تأت الشريعة إلا بتنظيم تحقيق تلك المطالب.

بعض صور التوازن في حياة المسلم :

أولاً من القرآن:

1- قال الله تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ } [البقرة: 198].

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ” كَانَتْ عُكَاظٌ، وَمَجَنَّةُ، وَذُو المَجَازِ، أَسْوَاقًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ، فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا فِيهِ، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ ” قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ ().

وَلِبَعْضِهِمْ: فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ تَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ()..

3- قال الله تعالى:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } [القصص: 77].

4- قال الله تعالى:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }[البقرة: 197].

قال ابن كثير: وَقَوْلُهُ: {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالزَّادِ لِلسَّفَرِ فِي الدُّنْيَا أَرْشَدَهُمْ إِلَى زَادِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ اسْتِصْحَابُ التَّقْوَى إِلَيْهَا، كَمَا قَالَ: {وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الْأَعْرَافِ: 26] . لَمَّا ذَكَرَ اللَّبَاسَ الْحِسِّيَّ نَبّه مُرْشِدًا إِلَى اللَّبَاسِ الْمَعْنَوِيِّ، وَهُوَ الْخُشُوعُ، وَالطَّاعَةُ وَالتَّقْوَى، وَذَكَرَ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ هَذَا، وَأَنْفَعُ ().

قلت: وهذه محصلة التوازن التي هى ثمرة من ثمرات فقه التوازن.

ثانيًا من السنة:

1- أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»().

2- عَنْ أَبِي العَبَّاسِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟» قُلْتُ: إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ، قَالَ: «فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ، وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ حَقًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ»

 

نماذج سلفية لبيان واجب الوقت:

 

عمر رضي الله عنه، وجهره بالحق في وقت تشتد فيه سطوة أهل الباطل

واستضعاف أهل الحق، لا يساويه إعلان الناس للحق في مجتمع يسوده ذلك

الحق، وكذا يقال في مساندة السيدة خديجة رضي الله عنها وإنفاق أغنياء السابقين

من الصحابة كعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما وهكذا

يمكن النظر إلى كثير من مناقب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وقد قدر الله

عز وجل هذا السبق كما جاء في قوله تعالى: ﴿‌لَا ‌يَسْتَوِي ‌مِنْكُمْ ‌مَنْ ‌أَنْفَقَ ‌مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [الحديد: 10] ، وقدره رسول الله صلى الله

عليه وسلم في أكثر من حديث.

بل إن رسول الله ﷺ كان يوجه عموم المسلمين إلى مثل

ذلك، فجعل ﷺ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ؛ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ رَجُلٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ ، فَلَمَّا رَأَى الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ سَأَلَهُ ، فَسَكَتَ عَنْهُ ، فَلَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ لِيَرْكَبَ ، قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ جَائِرٍ (). حيث حاجة الأمة وهذا السلطان في وقت الجور أشد منها وأوكد في غيره، إضافة إلى أن

جور هذا السلطان قد يمنع كثيرين من القيام بهذا الواجب في هذا الوقت بخلاف ما لو

كان عادلاً؛ حيث سيكثر الناصحون لأمنهم من جوره، ولعل ذلك ما جعل من يقوم

بهذه المهمة عند السلطان الجائر: أفضل الشهداء لو قتله هذا السلطان.

وهكذا أيضاً فهم عامة الصحابة (واجب الوقت) وقاموا به بحسب ما يقتضيه

هذا الوقت منهم، سواء كان هذا الوقت وقت معركة أو وقت معاهدة().

عَنْ مَعْمَرٍ ، قَالَ : وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ : خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ ، فَإِنْ ضَعُفْتُ فَقَوِّمُونِي ، وَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي ، الصِّدْقُ أَمَانَةٌ ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ ، الضَّعِيفُ فِيكُمُ الْقَوِيُّ عِنْدِي حَتَّى أُزِيحَ عَلَيْهِ حَقَّهُ إِنْ شَاءَ اللهُ ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمُ الضَّعِيفُ عِنْدِي حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ إِنْ شَاءَ اللهُ ، لَا يَدَعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا ضَرَبَهُمُ اللهُ بِالْفَقْرِ ، وَلَا ظَهَرَتْ – أَوْ قَالَ : شَاعَتِ – الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ إِلَّا عَمَّمَهُمُ الْبَلَاءُ ، أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ ، قُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ ” .

ففي قوله ” قُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ “التفات إلى واجب الوقت، ولكل مقام مقال، ولكل وقت عبادته، والسعيد من وفق إلى واجب وقته، فلم يقدم مفضولا على فاضل، فضلا عن أن يضيع كليهما!!!.

وإنّ ما يعانيه العالَم الإسلامي مِن فتن هوجاء، وعواصف مدمِّرة، واضطرابات دامية، إنما هو بسبب بعض مَن يتصدَّوْن للأمر والنهي بانفعال غير مدروس، والقيام بأعمال طائشة لا تزن الأمور بميزان الفهم الصحيح لقضايا الدعوة وفِقْه الأولويّات، ممّا أثار الفتنة، وأضعف الأمّة، وفرّق الكلمة، فوهنت القوة، وغدا المسلمون لقمة سائغة وفريسةً سهلة انقضّ عليها الأعداء من كلّ حَدَبٍ وصوب، وأصبحت كلأً مستباحاً لشرار الخلْق من الكفرة وفسّاق الآفاق، يسرحون ويمرحون في ديار الإسلام كيفما شاؤوا. وما ذلك إلا بسبب التضارب والتناقض في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واشتراط الشروط التي ذكرناها فيما مضى من حديث().

خلل في ترتيب الأولويات:

ولاشك أن الضرورات تلجئُ الدعاةَ في الساحة الدعويةِ إلى تدرُّج ومرحليةٍ في التغيير والإصلاح، فالفرائضُ قبلَ النوافلِ، والانتهاءُ عن المحرماتِ قبلَ المكروهاتِ، وما تعدَّتْ من الأعمال منفعَتُهُ أولى مما كان قاصرًا، والإحسانُ إلى الأبرار أولى من الإحسانِ إلى الفجار، والتيسيرُ أولى من التعسير، وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد أوَّلُ الأولويات، وخوضُ معركةِ الإصلاح والدعوة مقدمٌ على خوض معركة التغيير بالقتال والقوة! والأولويةُ لمجاهدة أهل الشرك وعبادة الأوثان بالحجة والبيان، وذلك قبل المجاهدة بالسيف والسنان.

ومن هنا؛ يُدْرَكُ حجمُ الخلل في ترتيب الأولويات، عند مَنْ جَعَلَ الهدفَ الأصيل من الدعوة إلى الله إقامةَ حكمِ الله في الأرض وتغييرَ الأنظمة، فتتمحور دعوته حول هذا الهدف مباشرة باحثةً عن وسائله ومقدماته، ومتخليةً -في ذات الوقت- عن أهداف أخرى مهمة، ومختزلةً التغييرَ في محو نظام بعينه، وتمر السنون فلا الهدف تحقَّقَ ولا الواقعُ تغير! بل ويلحق بعضَ الدعاة فتورٌ حيث عالج الهدف مرارًا، فكان نصيبه الفشل، فتطرق إليه اليأسُ، وتَرَكَ العملَ! وهذا يُظْهِرُ خللَ الأولويات في أهداف الدعوة؛ حيث وقع إهمالُ تحقيقِ المتيسر، والاشتغالُ بالمتعسر.

ومن الخلل المرصود في فقه الأولويات: الإصرارُ على وسيلةٍ بعينها لمجرد أنها جُرِّبت مِنْ قِبَلِ رعيلٍ أول، أو شيخٍ مبجَّل، وذلك بغض النظر عن فعاليتها في اللحظة الحالية، وربما تحولت -مع هذا الفهم- الوسائلُ الاجتهاديةُ إلى مقاصدَ توقيفية!! لا تقبل تبديلاً ولا تغييرًا.

ومن خللِ ترتيبِ الأولويات في الخطابِ السلفي السياسي المعاصر: تقديم الانتماء الحزبي على الانتماء الشرعي! فالانتماءُ إلى الإِسلامِ والسنةِ هو انتماءُ غايةٍ, والانتماءُ إلى طوائفِ الدعوة المعاصرة والسنة هو انتماءُ وسيلةٍ، وربما تعارضت مصلحة الإسلام الشرعية مع مصلحة الانتماءات السياسية والحزبية، فيستنكِفُ بعضُ العاملين عن تنسيقٍ واجبٍ في مجلسِ حكمٍ، أو برلمانٍ يمكِّن للإسلام وأهله بسبب مصلحةٍ حزبيةٍ، أو عداوةٍ ومحنةٍ شخصيةٍ! فتكون النتيجة خيبةً واقعيةً، ومعصيةً شرعيةً! وفي بعض فترات السَّعةِ والحريةِ قد تنساح بعضُ الدعواتِ السلفية لتكسب أنصارًا وأبواقًا, ولا تهتم أن تربي رجالاً، فيختلَّ ميزانُ الأولوية بين التوسعاتِ الأفقيةِ، والجهودِ التربوية، وتكثرُ العنايةُ بالجوانب الشكليةِ دون الجوهريةِ، وبالسَّمْتِ الظاهرِ والنوافلِ أكثرَ من أعمالِ القلوبِ والفرائضِ! وبسبب من ألوان الخلل في الأولويات تحولت دعواتٌ من عبادةٍ إلى مجرد فكرةٍ أو مذهب أو حزبٍ أو ثقافةٍ، وربما تحولت -عياذًا بالله- إلى تجارةٍ!! أو انقلبت إلى دعوات شخصيةٍ، وحظوظ نفسيةٍ، وتعصب للشخصِ أو الراية.

من الأسباب المعينة على الحفاظ على الوقت:

وضوح الهدف وترتيب الأولويات :

قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]

يتضح جلياً من خلال وصيّة النبيِّ ﷺ لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن، وكان الهدف من بعثه دعوة أهل اليمن إلى الإسلام. فعن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى اليَمَنِ، قَالَ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ»().

التخطيط:

عرض القرآن الكريم لأنموذج بشري في التخطيط ذُكر في معرض الإقرار والثناء، جاء ذلك في سورة يوسف عليه السلام، في قوله تعالى:

{ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)} [يوسف: 43 – 49]

إن هذه الآيات تدل على أن يوسف عليه السلام قد رسم خطة للسنوات المقبلة، وأن التخطيط لا ينافي التوكل، بل هو من باب الأخذ بالأسباب.

كما تشير الآيات الكريمات إلى أول موازنة تخطيطٍ مبنية على أسس

علمية، وازن فيها يوسف عليه السلام بين إنتاج القمح من جهة، وتخزينه واستهلاكه في مصر الفرعونية مدة سنوات القحط وسنوات الرخاء من جهة أخرى، وتتضح أركان هذه الموازنة فيما يأتي :

1- … الموازنة بين الإنتاج الزراعي والاستهلاك، بهدف تخطي أعوام القحط والجدب.

2- … إن اعتبار عنصر الزمن كان واضح المعالم من خلال عدد سنوات القحط وسنوات الرخاء؛ حيث تم إعداد خطتين سبعيتين للدولة.

3- … إن هذه الموازنة كانت بمثابة خطة طويلة الأجل امتدت أربعة عشر عاماً ().

4- … استخدام الموازنة باعتبارها أداة رقابيةً لضمان تنفيذ الخطة بدقة.

التأسي بالنبي ﷺ في المحافظة على الوقت:

كان النبيُّ ﷺ من أشدِّ الناس حفظًا لوقته؛ فكان لا يصرف وقتًا في غير عمل لله تعالى، أو فيما لا بد منه لصلاح نفسه وصلاح أمته.

عدم النوم قبل العشاء حتى تستطيع أن تنام بعدها مباشرة:

عَنْ أَبِي بَرْزَةَ«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا»().

شكر الله على نعمة الحياة بعد الموت والنوم:

1- عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: «بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا» وَإِذَا قَامَ قَالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»().

فإن قيل: ما سبب الشكر على الانتباه من النوم؟

أجاب في شرح المشكاة: بأن انتفاع الإِنسان بالحياة إنما هو بتحري رضا الله عنه وتوخي طاعته والاجتناب عن سخطه وعقابه فمن نام زال عنه هذا الانتفاع ولم يأخذ نصيب حياته وكان كالميت فكان قوله الحمد لله شكرًا لنيل هذه النعمة وزوال ذلك المانع ().

قال الخَطَّابي: هذا مجاز؛ لأن الحياة غيرُ زائلة عند النوم، لكن جعل السكون عن الحركات وزوال القوة عند النوم بمنزلة الموت فقال: (بعدما أماتنا)؛ أي: رَدَّ علينا القوة والحركة بعد أن أزالهما مِنَّا بالنوم ().

2- عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ” إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ ابْتَدَرَهُ مَلَكٌ وَشَيْطَانٌ، يَقُولُ الشَّيْطَانُ: افْتَحْ بِشَرٍّ، وَيَقُولُ الْمَلَكُ: افْتَحْ بِخَيْرٍ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ ذَهَبَ الشَّيْطَانُ وَيَأْتِي الْمَلَكُ وَيَكْلَؤُهُ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ ابْتَدَرَهُ مَلَكٌ وَشَيْطَانٌ، يَقُولُ الشَّيْطَانُ افْتَحْ بِشَرٍّ، وَيَقُولُ الْمَلَكُ: افْتَحْ بِخَيْرٍ، فَإِنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ إِلَيَّ نَفْسِي بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَمْ يُمِتْهَا فِي مَنَامِهَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَإِنْ خَرَّ مِنْ دَابَّةٍ مَاتَ شَهِيدًا، وَإِنْ قَامَ فَصَلَّى صَلَّى فِي الْفَضَائِلِ().

اغتنام وقت البكور

عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا». وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ «وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا، وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهُوَ صَخْرُ بْنُ وَدَاعَةَ» ().

تحويل العادات إلى عبادة:

أَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي:

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا مُوسَى، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ، قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلاَفٍ، قَالَ: وَاليَمَنُ مِخْلاَفَانِ، ثُمَّ قَالَ: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا»، فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى، فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَيُّمَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ، قَالَ: لاَ أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَالَ: إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ فَانْزِلْ، قَالَ: مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قَالَ: فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي().

أَحْتَسِبُ جماعى:

عَنْ أَبِي ذَرٍّ مرفوعا:«..وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ»().

التدريب على المحافظة على الأوقات

عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الْخَيْرُ عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»().

(الْخَيْرُ عَادَةٌ) أي المؤمن الثابت على مقتضى الإيمان والتقوى ينشرح صدره للخير فيصير له عادة. ذلك لإن الإنسان مجبول على الخير. قال الله تعالى : {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }[الروم: 30]. وأما الشر فلا ينشرح له صدره فلا يدخل في قلبه إلا بلجاجة الشيطان والنفس الإمارة بالسوء،واللجاجة الخصومة .

الصحبة الصالحة وعدم مصاحبة البطالين:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ، قَالَ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» () .

الدعاء بوجه عام وبأن يحفظنا الله بالإسلام:

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، أَخْبَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ احْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَائِمًا، وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَاعِدًا، وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ رَاقِدًا، وَلَا تُشْمِتْ بِي عَدُوًّا حَاسِدًا، وَاللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ»

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.