أراء وقراءاتالعالمالمجتمع

والفَجْرُ .. مِن رَحِمِ الظَّلامِ سيُولدُ !! بقلم : علاء الصفطاوي

صورة تعبيرية من النت

مَا رُئِيَ إلَّا مبتَسِماً … هكذا وصَف الصّحابةُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، لذلك فهو إمامُ المتفائلين .. وباعثُ الأملِ في نفوسِ المؤمِنين !

وانطلاقاً من هذا الهدي النبوي نقولُ: لا يأس .. لأن اليأسَ ليسَ من أخلاق المؤمنين، ولا مِن سُلوكِ المتقين، بل إنَّ الله تبارك وتعالى نعتَ اليائسين من رحمته بالكفر، إذ يقولُ سبحانه: { إنّه لا ييأسُ من رَوْحِ الله إلا القومُ الكافِرُون }  وقد علَّقَ الفخرُ الرّازي على هذه الآيَةِ قائِلاً : واعلم أنّ اليأسَ من رحمةِ الله لا يحصلُ إلا إذا اعتقدَ الإنسانُ أنّ الإله غيرُ قادرٍ على الكمال، أو غيرُ عالمٍ بجميعِ المعلومات، أو أنَّه – سبحانه – ليس بكريمٍ بل هو بخيلٌ، وكلُّ واحدةٌ من هذه تُوجبُ الكفر !!

واليأس .. كلمةٌ تبعثُ في النفس الإحباطَ، وتُولِّدُ فيها الإحساسَ بالقهر، وتوحي بغلبةِ أهلِ الباطل على أهلِ الحق، ولذا عندما يتمكنُ اليأسُ من الإنسان فإنّه يحوِّله إلى حُطامٍ وركام، ويُصيبهُ بالعجْزِ مما يجعَلُه غيرَ قادرٍ على تغيير واقعه، بل يجعلهُ مستسلمًا له تمام الاستسلام !!

لكنَّك لو تأمّلت كلمةَ ” الأمَلَ ” لوجدتَ أنّها تبعثُ في النِّفسِ التفاؤل، وتوحي لها بقرب زوال الباطلِ وأهلِه، بل إنّ الأمل يصنعُ العظماء .. ويجدِّدُ الحياةَ في قلوبِ أهل الابتلاء !!

ولو نظر الإنسانُ بعينِ التفاؤلِ إلى الوجود لرأى الجمالَ يُشِعُّ في كلّ ذرَّةٍ من ذرّاته ( كما قال الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله ) .

ولا يتأتّى الأمل ويسكنُ القلوبَ إلا من خلالِ الثقة بالله، والإيمان الرّاسخ بأنّه سبحانه قادرٌ على أن يُغيِّرَ حالنَا من حالٍ إلى حال ..وتؤولُ ظُروفنَا- بقدرَتِه –  إلى أعظمِ مآل !!

وعندما يسكنُ الأمَلَ في القلُوبِ نُوقنَ أنَّ الفجرَ من رَحِمِ الدياجِي مُقبِلُ، ولِمَ لا ؟! وقد ضاقَ ومكَرَ أهلُ مكةَ برسولِ الله -صلى الله عليه وسلم – حتى خرج منها مهاجراً، فمكَّن الله له في المدينة فأقَام دولةَ الإسلام .. وانتَشرت دعوتهُ بينَ الأنام !!

فما أعظم مَن يبنُونَ جسورَ الأملِ على أنهارِ اليأس، ليعبروا إلى واحةٍ فيحاء، تُشرقُ فيها الشّمسُ كلَّ صباح .. ويُسْمَعُ فيها تغريدُ العصافيرِ كلما الفجرُ لاح .

وها هو سُراقةُ بن مالك – رضي الله عنه – يحاولُ اللحاقَ به – صلى الله عليه وسلم – أولَ النّهارِ عازِماً على قتله .. ثم يأبى اللهُ إلا أن يصبحَ في آخر النّهارِ من خُلّص جُندِه، وفي خِضمِّ هذا الموقفِ الصَّعب يُبشِّرُ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – سُراقةَ بِسِواري كسرى، حتى إنّ سراقة سألَ رسول الله متعجِّباً : كسرى بن هُرمز ؟!! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم .. كسرى بنُ هُرمز !!!

وها هو عمرُ الفاروق يذهبُ إلى أخته فاطمة بنتُ الخطاب – بعد أن علم بإسلاِمها – ويلطمُها على وجهِها ورياحُ اليأسِ من إسلامه لها قوةٌ لا يمكنُ وصفها .. وخرج من عندها وجبالُ الأملِ في قلبِ فاطمة ثقةً في إسلامه لها صلابةٌ لا مثيلَ لها !!

وتحزّب الأحزابُ على الرسولِ والأصحاب .. وزاغَت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، فردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً .. وقال صلى الله عليه وسلم : الآن نغزُوهم ولا يغزُونَنا !!

وأوجَفت قبائلُ العرب مرتدةً فكان لها أبو بكر – رضِي الله عنه – بجندِه .. وما هي إلا أيامٌ حتى صارَ المرتدون جنوداً في صفوف المؤمنين .. ولبِلاد الرُّوم والفرسِ فاتِحين !!

لأنّ ظلامَ الليلِ لن يطُول .. وشروقُ الشّمسِ كلَّ يومٍ في ذاتِه أملٌ جديد .. يُعطي أهلَ الإيمانِ العزمَ الأكيد .

وهاجت الفتنُ والمحنُ بعد مقتلِ عثمان – رضي الله عنه – فكانت الفتنُ استثناءً، خرجت بعدَهُ دولة ُالإسلام وعاشَت قرناً أقوى وأمضى !!

وفي فترةٍ سيطر البويهيُّون على بغداد، والعبيديُّون على مصر .. وسبَّ هؤلاءِ الفجرةُ الصحابةَ على المنابِر، وكتبُوها على محاريبِ المساجد .. ثم انقشعت الغمَّةُ، ونصرَ الله أهلَ السنّة !!

ومَن ينظر في أحوالِ المسلمين في تلك الأيام الكالحة يُوقنُ أنّ الإسلامَ لن تقومَ له قائمة، لكنّ نفوسَ المسلمين لم يستمر صدأُ اليأسِ على صفحاتِها طويلاً .. وتمدَّد شعاعُ الأمل في جنباتِها سريعًا، فنهضت وتحركت بعد خُمولٍ وسُكون .. وأخذت بالأسباب، فحقَّقت المرادَ بإذنِ مَن يقولُ للشيء كُن فيكون !!

ولما أطبق التتارُ على أمَّة الإسلام، أبادُوا حاضرتَها بغداد، وما هي إلا أيام حتى هُزم التتارُ ودخلوا في الإسلام !!

وتمالأَ الصليبيُّون، وجيَّشُوا جيوشَهم .. واحتلوا بيتَ المقدس، وخاضُوا في دماءِ المسلمين بخيولِهم، وهرب الطفلُ صلاح الدين مع أسرته مستخفياً.. وجاع الرَّضيعُ وبكى، وكاد يُكشَفُ أمرُهم لولا أنّ عمَّه أدخله صندوقاً ليُخفِيَ صوتَه عن الصليبيين.

وتمرُّ سنواتٌ وينهضُ الرَّضيع صلاح الدين ليفتح بيتَ المقدس .. ويرفع رايةَ التوحيد ويكسِرُ الصليبَ في حطين !!

وظهرت من بعده دولٌ إسلامية، ثمَّ تتابعت الفتوحاتُ حتى فُتحت روما .. وفُتحت القسطنطينية !!

وبالرغم مما تعانيه الأمة من أبشع أنواع الغزو العسكري والفكري، إلّا أنّها ستَنْهضُ من غفلتِها .. وتستيقِظُ من رقْدَتِها، وقد توحَّدت ربوعُها بالرغمِ من تنمُّرِ المنافقين .. وفحيحِ الزنادقة والملحدين .. وبالرغم من تحالف الغرب مع الصفويين، فلن يُرهِبَ الجرْوُ الأسَد  .. لأنّ غضبَتنا لله، ومنه سبحانه نستَمِدُّ المَدد !!

وتحت دويِّ الفهمِ الدَّقيق .. والوعي العَميق، والتَّفاؤل الإيجابي الذي يبْعثُ على العملِ والأخذِ بالأسباب، ستَتَهاوى عروشُ الظالمين، لتنجو الأمّةُ من الفرعُونية الطَّاغية .. وكروشِ وقروشِ أهلِ القارونيّٓةِ الباغِية، وستكون العاقبةُ – بإذنِ الله – لمن نجّاهم الله مِن السُّقوطِ في براثنِ الطواغيت، ومن الغرقِ في بحرِ الشُّبهاتِ والشهَوات !!

ولن يكون هذا إلا بالثقةِ في الله لأنّها أزكى أمَل .. وبالتَّوكلِ عليه لأنّها أوفى عمل ( كما قال الرافعي ) .

ما أحوجَنَا إذا تحدَّثَ النّاسُ عن اليأسِ .. أن نتحدّثَ عن الأملِ، لأنَّ زبدَ الباطلِ يمضي بِدَداً … وشعاعَ الحقّ باقٍ أبداً !!

علاء الصفطاوي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.