أراء وقراءاتالعالمالمجتمع

وثَالِثُهم الشَّيطَان …قصة قصيرة / بقلم : علاء الصفطاوي

صورة تعبيرية

كانت حبّات المطر وهي تسقط تعانق تراب الأرض فتحوله إلى طين يعرقل حركة الحياة … الناس يختبئون هنا وهناك … أما هي فتقفُ بالقرب من كافتيريا لبيع العصائر والمشروبات الساخنة … كانت أسنانُها تصطكّ من شدة البرد … جُل تفكيرها متى تعود إلى بيتها… ومما زاد من قلقها بُعد المسافة بين قريتِها والمدينة التي حبسها فيها المطر … والمواصلات صعبة … فجأة وجدتْه أمامها … احمر وجهُها … خفق قلبها … بلعت رِيقَها … سرحت بخيالها في المواقف القديمة التي كانت بينهما، وقبل أن تفيقَ مما فيه باغتها بسؤاله : كيف حالك ؟

– بخير ” قالتها وهي تنظر إلى الأرض ”

– مفاجأة !!

– بالتأكيد .

– سعيدة ؟!

– لا أدري … ثم قالت بصوت منخفض : أين كنت طوال تلك الفترة ؟

– بعد أن تقَّدمتُ لخطبتك ورفضني أبوك اسودَّت الدنيا في عيني … ثم قال ” بمرارة ” : بعد أربع سنوات من الحب طوال فترة الدراسة الجامعية … كان الأمل يحدُوني والأحلام تتراقص أمام عيني … متى تأتي اللحظة التي يجمعنا فيها عشٌ واحد … لكن عنادَ أبيك وقف لي بالمرصاد … تبدد حلمي … استيقظت على الحقيقة المرة … الفقر … الفقر ” قالها وهو يهز رأسه كأنه يتحدث عن عدو لدودٍ.

– لكنَّك لم تصمد … كان يجب عليك أن تكرر المحاولة .

– إن والدك لم يترك لي أي بارقة أمل … عرفتِ ماذا طلب مني ؟؟!

– عرفت .

– وأنت تعلمين أني تقدمت لخطبتك ولم يمر على تخرجنا سوى أشهر معدودة كانت الحكومة خلالها فينا من الزاهدين … لم تُعين أحداً … فكيف أمتلك شقة … وأوفر المهر الكبير !!! … لقد شعرت بالعجز وإن كنت أتحرك على قدمي .

– أنت تبرر موقفك … ولو صمدت لوقفتُ بجانبك وأرغمت الجميع على الخضوع لرغبتي ..

– لم أستطع تحمل الصدمة … سعيتُ للسفر حتى أهرب … لم أسع لطلب المال … ولكن هرباً من الواقع .

أرادت أن تخرج من حالة الجدل فسألته : كيف أنت الآن ؟

– كما ترين … لم تغير الأيام فيّ شيئاً … غير أني أصبحت أمتلك الشقة والمال .. ولكن …

– قاطعته قائلة : كم عندك من الأولاد ( تجنَّبت السؤال المباشر ) .

– لم أتزوج حتى يكون عندي أولاد !!

– لماذا ؟

– لم أجد من تملأ الفراغ الذي تركتيه في حياتي …

– أنت تبالغ … قالتها وهي تشعرُ بالكبرياء

– وأنتِ ؟!

– تزوجت وعندي ولد .

– سعيدة مع زوجك ؟!

– السعادة ليست لنا … نحن نعيش على هامش الحياة !!

إجابة تمنى أن يسمعها … فعقّب قائلاً : حياة بلا معنى … هكذا أعيش أيضاً … ثم أردف قائلاً : هل كُتب علينا أن نعيش معذبين ؟!!

نظرت إلى ساعتها ثم قالت : تأخرت … سأتركك الآن .

– هل أراك مرة ثانية ؟!!

– لسنا في الجامعة !!

– أريد أن نعيد ما كان … أيامنا الجميلة ..

– كيف وأنا متزوجة ؟!

– لابد من تصحيح هذا الخطأ ..!!

– على العموم أنا أمرُّ من هنا كل يوم .. تكررت بينهما اللقاءات التي كان يرعاها الشيطان …

تولدت داخلها الرغبة في الانتقام من زوجها الذي أخبرته – قبل زواجهما – أنها تحب غيره لكنه تجاهل ما سمع وقال لها: الأيام ستُنسِيكِ !!!!!

أما هو … فرغبة الانتقام من والدها تسيطر عليه … ثم إنه يريد أن يُحيي حباً اعتقد يوماً ما أنه مات .

كانت لمسات الخريف بادية على أوراق الشجر … حين قال لها : إلى متى ؟

– وماذا نفعل ؟ .. ليس باستطاعتنا أن نفعل شيئاً .

– رد – والخيانة تملأ عينيه – يمكننا أن نفعل الكثير …

– كيف ؟!

– لقد فكرت كثيراً ووصلت إلى حلّ لما نحن فيه …

– ما هو ؟

– الطلاق !!!

– فقالت بصوت بدا فيه جفافُ حلقِها : الطلاق …وقفت نظراتُها ولم تطرف … وهزت رأسها كأنها تُقلّب ما قال … العلاقة بيني وبين زوجي عادية … ليس فيها ما يدعو للطلاق … ثم إن الطلاق في مجتمعنا عار في جبين المرأة …

– لقد فكرت في حيلة تُمكنك من الخلاص … ولن يلومك أحد ..

– قالت : أنا خائفة .

– من ماذا ؟

فلم تجبْه … فوضع يده على كتفها ثم أعاد سؤاله : من ماذا؟

– من أفكارِك !!

فأجاب وهو يتكلف الحماسة : لا تخافي شيئاً … ما دمتُ بجوارك .. ثم بدأ يعرض خطته ..

وبعد أن انتهى هزت رأسها وشردت في الأفق .. ثم قالت : وما نهاية كل هذا ؟!

قال لها وشيء من الهم يهبط على قلبه ، وكثير من الضعف يتسرب إلى نفسه : بالتأكيد الطلاق !!!

– وبعدها ؟

– زواجي منك ..

– هذه فكرة شيطانية … لكن هل تظن أن الأمور تسير وفق ما نريد ؟

– آمل ذلك .

– على العموم … حبي لك يجعلني أفعلُ ما تريد …

عادت إلى البيت والفكرة تسيطر على كيانها … وعندما أظلمت الدنيا وأرخى الليل سُدوله … وقبل أن تذهب للسرير وقعت على الأرض … قام زوجها فزعاً قائلاً : ماذا بك … ماذا بك ؟!!

لم ترد عليه … تركته فريسةً للأوهام … أحضر كوباً من الماء وسقاها ثم أتى بعطرٍ ووضعه بالقرب من أنفها … حرّكت رأسها … ثم فتحت عينيها … أمسك بيديْها … أخذها إلى السرير … فاستلقت عليه .. جلس على مقربة منها ثم قال : ماذا بك ؟

– أدارت رأسَها نحوه ثم قالت : أحسست أن مسماراً دُقّ في أذني وأن دواراً أطاح برأسي .

– لابد من عرضك على أحد الأطباء .

– لا داعي … ربما يكون إرهاقاً … فأنت تعلم أني أسافر كل يوم وأعمال البيت أصبحت كثيرة ..

– لن أطمئن عليك حتى أعرضك على طبيب ..

ابتسمت ابتسامةً خبيثٍةً ثم قالت في نفسها : الخطة تسير كما هو مرسوم … وانقضى اليوم وهبط مساء اليوم التالي وجاء زوجها واقترب منها … فلم أراد أن يلمَسها صرخت في وجهه … وقف في مكانه جامداً .. شاخصاً ببصره نحوها … ثم جلس على كرسي في زاوية من زوايا الغرفة … مرت لحظات صمتٍ رهيب … قطعها بسؤاله: ماذا بك ؟!

– لم أقصد … هناك شيء بداخلي هو الذي يحركني .

– ماذا تقصدين ؟

– ربما أكون قد ممْسُوسة … فقد وقعت في الحمام منذ أيام !!

لم ينطق .. وإن بدا على وجهه الذهول … ولما تكرر الأمر أخذها إلى شيخ فقرأ عليها شيئاً من القرآن .. وطلب منها قراءة بعض الأدعية والأذكار .. لكن حالة النفور التي تُبديها تِجاهه تزداد … عرض عليها أن يذهب بها إلى شيخ آخر … فقالت له : لقد سمعتُ من زملائي عن شيخ يعالج مثل حالتي .

– ما اسمه ؟

– ذكرت له اسم الدجال الذي طلب منها عشيقها أن تذهب إليه !!

وعندما تنفس الصبح .. نهضت من فراشها .. كانت مضطّربة .. سمعت نداء زوجها : هيا لقد تأخرنا …

دخلا على الدجال … قدمت له نفسها قائلة : أنا زميلة ” وذكرت اسم عشيقها ”

– أعرفه … أعرفه .. وتعمَّد تجاهلها وعدم النظر إليها حتى لا يشك زوجها … ثم قرأ عليها شيئاً من التعاويز والخرافات … بعدها نظر إلى زوجها – والحسرةُ المصطنعة تبدو على وجهه – قائلاً : زوجتك ليس لها سوى علاج واحد ..

– ما هو ؟!

– الطلاق !!

– ومتى كان الطلاق علاجاً لمثل هذه الحالات ؟!!

– ما هي إلا أيام ثم تعود إليك .

– وما علاقة ذلك بما تعانيه ؟

– الجني الذي دخل جسمها اشترط قبل خروجه منها أن تُطلّق منك !!

– وماذا يفيده طلاقي لها ؟!

– إنه يحبها … يحبها .. ولا يريد أن يشاركه فيها أحد !!

وبعد تردد ومشاورة قام بتطليقها .. وانتظر فترة كان خلالها يأخذُها إلى ذلك الدجال … على أمل أن تُشفى .. لكن الأيام تمر … ولم يظهر له أي دلائل على شفائها ..

قال لها : يبدو أننا وقعنا فريسة لهذا الدجال .. ولابد أن تعودي إليّ .. صرخت في وجهه .. انتفضَ جسدها وتصبب عرقاً وكلماتها ترنُّ في أذنه : لا أريدك … لا أريدك .

خرج من بيت أبيها وقد يأس من شفائها .. وعندها بدأ العاشقُ ينسج خيوطَ المؤامرة ليصل إلى هدفه ..

رتب للقاء أبيها .. وعندما قابله أظهر له الشفقة على ابنته، وأنه لما علم بحالها أصابه الألم والجزع .. وأنه على استعداد للزواج منها إذا كان ذلك سيخرجها من النفق المظلم الذي هي فيه !!!

– احتار الأب .. هل يوافق .. أم يرفض .. لكن زوجته قطعت عليه الطريق قائلة : إننا لا نريد أن نخسر ابنتنا ..

وتحقق للعشيقين ما يصبوان إليه .. تزوجا ونجحت الخطة الشيطانية .. وأتت أُكُلها .. وجلس الزوج المصدوم غير مصدق لما حدث .. لابد أن هناك شيئاً ما … ما حدث يدعو للريبك والشك .. كيف ضحت بأيام العشرة .. وبولدها .. كنت أراها كالشجرة الوارفة التي بدأت تُؤتي ثمارها .. فما الذي أصابها حتى ذبُلت .. وسقطت أوراقها .. هل كانت شجرة خبيثة !! .. إن كانت كذلك فالحمد لله أنها اجتُثت من حياتي … ثم قال : حسبي الله ونعم الوكيل !

أما زوجها الجديد فقد شعر بنشوة النصر عندما وجدها تعيش معه تحت سقف واحد … ومضت الأيام في سيرها بطيئة .. ومر عام متشابه الأيام متكرر الشهور .. وفي مساء يوم سيظل ماثلاً في خاطره .. وقعت على الأرض .. قال لها : هل أدمنت التمثيل ؟!

لم ترد عليه .. أقبل نحوها .. مد يده وأمسك بذراعها ليقعدها .. شعر بثقلِ جسدها .. كانت بالفعل غائبة عن الوعي .. أصابته رعشة .. تملكه الخوف .. ومرت لحظات ثقيلة عليه .. استدعى خلالها الطبيب فلما أفَاقت قال لها : ماذا حدث ؟

– منذ يومين وأنا أشعر بألم في بطني ..

ابتسم زوجُها وقال لها : ولم لا يكون …

– الطبيب : تقصد حملاً ؟

– ولم لا ؟

– لا أظن .. فآلامُ الحمل معروفة .. لابد من إجراء التحاليل والأشعة ..

عاش بين الأمل والألم .. أمل أن تكون حاملاً. .. وألم أن يكون هناك شيء آخر .

وحانت لحظةُ الحقيقةِ ونظر الطبيب إلى الأشعة والتحاليل .. غابت ابتسامته .. ووضع كل شيء جانباً .. نظر إليه .. شعر أن هناك مصيبةً ما … قام الطبيب من على كرسيه .. تحرك ببطء ثم قال : أنت تعلم أن كل شيء يجري بقدر الله .. ونحن لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً ..

– ( بقلق شديد ) ماذا في الأشعة يا دكتور ؟

– بصراحة زوجتك مصابة بالسرطان .. وأيامها في الدنيا معدودة .. تنهد ثم قام .. لم تعد قدماه قادرتين على حمله .. تذكّر كلمة قالها واعظٌ لمحكومٍ عليه بالإعدام : من دخل من باب الجريمة خرج من باب العقاب !!!!

علاء الصفطاوي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.