وصول طائرة أمريكية تقلّ مُرحّلين إلى جنوب السودان وسط جدل قانونى وحقوقى متصاعد

كتبت : د.هيام الإبس
وصول طائرة أمريكية تقلّ مُرحّلين إلى جنوب السودان وسط جدل قانونى وحقوقى متصاعد
في تطور يُنذر بتداعيات دبلوماسية وإنسانية، وصلت صباح السبت إلى مطار جوبا الدولي طائرة أمريكية خاصة تقلّ ثمانية مُرحّلين من الولايات المتحدة، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا حول مدى شرعية الإجراء، خصوصاً أن أغلب المُبعدين لا يحملون الجنسية الجنوب سودانية ولا تربطهم بالبلاد أي صلات قانونية أو اجتماعية.
وبحسب مصدر في إدارة الهجرة بمطار جوبا، فإن الطائرة وصلت في تمام الساعة السادسة صباحًا بالتوقيت المحلي (04:00 بتوقيت جرينتش)، حيث تم تسليم المُرحّلين فور وصولهم إلى جهاز الأمن الوطني، دون توضيح رسمي حول الإجراءات اللاحقة أو وضعهم القانوني داخل البلاد.
وجاء الترحيل بعد قرار أصدرته المحكمة العليا الأمريكية في 4 يوليو الجاري، قضى بالسماح بترحيل المهاجرين الثمانية إلى جنوب السودان، متجاوزًا أوامر سابقة من محاكم أدنى كانت قد علّقت العملية على خلفية مخاوف من تعرضهم لانتهاكات محتملة في بلد يعاني من هشاشة أمنية وسياسية.
وقالت تريشيا ماكلوفلين، مساعدة وزيرة الأمن الداخلي الأمريكي، في بيان صحفي، إن العملية تمثل “انتصارًا لسيادة القانون ولسلامة وأمن الشعب الأمريكي”.
وأضافت أن القرار يعكس التزام الإدارة بتطبيق قوانين الهجرة، ولم تُذكر تفاصيل إضافية عن المهاجرين أو طبيعة قضيتهم.
وبحسب تقارير، فإن المُرحّلين ينحدرون من خلفيات متعددة، تشمل دولًا مثل كوبا، ميانمار، لاوس، فيتنام، السودان، والمكسيك، وكانوا قد احتُجزوا في قاعدة عسكرية أمريكية في جيبوتي منذ مايو الماضي، بعد أن أُعيد توجيه رحلتهم الأصلية نتيجة طعن قانوني.
وتُعد هذه العملية واحدة من أكثر عمليات الترحيل إثارة للجدل في عهد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ واجهت انتقادات حادة من منظمات حقوقية، اعتبرت أن الترحيل القسري إلى دولة لا يحمل المرحّلون جنسيتها يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ولمبدأ “عدم الإعادة القسرية”.
وفي الوقت ذاته، دافعت السلطات الأمريكية عن القرار، واصفة المُرحّلين بأنهم “أفراد خطرون أدينوا بارتكاب جرائم عنف داخل الولايات المتحدة”، وشددت وزارة الأمن الداخلي على أن الترحيل يهدف إلى حماية الأمن القومي، مؤكدة أن جنوب السودان وافق على استقبالهم “بشكل مؤقت” دون نية احتجازهم رسمياً.
لكن مراقبين يرون أن قبول حكومة جوبا باستقبال المرحّلين – رغم هشاشة الوضع الأمني وعدم توفر الوثائق الثبوتية – قد يفتح الباب أمام توترات دبلوماسية جديدة، ويُعيد طرح تساؤلات حول مدى سيادة القرار الوطني في مثل هذه الملفات الحساسة.
انتهاكات قانونية:
من جانبها، أفادت القانونية والمهتمة بشؤون الهجرة، ابتسام حسن، بأن تحوّل مصير المهاجرين المرحّلين إلى جنوب السودان إلى نقطة توتر في الجدل القانوني والسياسي بشأن سياسات الهجرة في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وأضافت، أن الإدارة تبنت نهجاً صارمًا يقوم على الترحيل إلى ما تعرف بـ”الدول العالم الثالث”، رغم التحذيرات من المخاطر الأمنية التي تهدد حياة المرحّلين.
وأوضحت أن المهاجرين الثمانية الذين أُعيدوا مؤخراً إلى جنوب السودان أكدوا أن إعادتهم تمثل انتهاكًا للدستور الأمريكي، خصوصاً المادة التي تحظر التعرض لعقوبات قاسية أو غير معتادة.
وأشارت إلى أن “هذه القضية المعقدة وصلت إلى المحكمة العليا الأمريكية مرتين، بعد تداولها في محاكم أدنى، مما يعكس عمق الخلاف القانوني حول مشروعية هذه الإجراءات”.
وترى الخبيرة أن هذه القضية تثير أسئلة جدية حول التوازن بين سيادة القانون ومبادئ حقوق الإنسان، خاصة مع استمرار النزاع المسلح في جنوب السودان، ما يجعل أوضاع العائدين محفوفة بالمخاطر، خصوصاً أنه لم يتضح حتى الآن المكان الذي أُرسل إليه المهاجرون في جنوب السودان بعد وصولهم.
سياسات ترامب حول الهجرة
بدوره قال الأكاديمي والمحلل السياسي، خالد عبدالرحمن، إنه في ظل هذه التطورات، تتصاعد الدعوات من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني داخل الولايات المتحدة وخارجها لمراجعة سياسات الترحيل، لا سيما تلك التي تستهدف دولاً تعاني من نزاعات سياسية ومسلحة مثل جنوب السودان.
وأوضح عبدالرحمن أن هذه الجهات تطالب بوضع معايير إنسانية واضحة تراعي ظروف المرحّلين وتوفر لهم الحماية القانونية الكافية، خاصة في الحالات التي قد يواجهون فيها التهديد بالعنف أو الاضطهاد.
وأوضح أن إدارة ترامب تعتبر الدفاع عن هذه الإجراءات ضرورية لحماية الأمن القومي وفرض سيادة القانون، ما يسلّط الضوء على التباين في الرؤى حول ملف الهجرة داخل الولايات المتحدة نفسها.
يُذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية لا تزال تُصنّف جنوب السودان ضمن المناطق التي يُحذر السفر إليها بسبب مخاطر الجريمة، والخطف، والقتال المسلح، ما يُفاقم من الانتقادات التي تواجهها الإدارة الأمريكية بشأن سلامة المُرحّلين.