(يا ولاد العكاريت) هي أقرب كلمة تسمعها من عم محمد ابراهيم،كنا نلتف حوله وهو يلتهم البطيخ او الشمام، نسخر من تلك الأصوات المنبعثة أثر إلتهامه للبطيخ بطريقته الفلكورية، حواجبه تتحرك بعفوية شديدة مع كل مرة يترك قطعة البطيخ وقد أتي عليها تمام، حتي ظننا أن هذه الأصوات أنين البطيخ أسفل ضروسه أو نتجة لعراك لثته الخاوية من القواطع، دماء البطيخ تسيل من بين فكيه متأنية، مشكلة خطوط طويلة متصلة إلي جلبابه المقلم بألوانه الزاهية، يمسح يديه في ثنايا الجلباب ظنا منه محو أثار جريمته؛ فتزداد الرقع الحمراء اتساعا، زوجات أبناؤه الخمسة يتغامزون عليه ويتهامسون من فعلته، ولماذا يتخذ مجلسه بعيدا عن العيون أثناء إلتهامه للبطيخ، وعندما يسألونه عن تلك الخطوط الجديدة في جلبابه لايرد، ينطقون صراحة دا بقايا بطيخ ، يرد سريعا وكأن عقرب لدغته ( إن شا الله أعدمكم واحدة واحدة ولا شفته ..يا عكروتة انتي وهي)، يضحكن متمايلات وقد غلفهن خجل أنثوي مصطنع ، وخاصة أن عم محمد سيفتح قاموس البذاءات ولا مانع أن يرشقهن بما لذ وطاب من كلمات خادشة، كل مرة نلتف حوله مع أحفاده .. ينهرنا من جديد يخفي ما تبقي من جثث البطيخ المعتدى عليه أسفل ساقيه الطويلتين، يتحرك كرحاية يفرم حجرها العلوي ما ببطانها غير عابئ ما سيحدث، او كحية تبرد جلدها بالرمال يعلو من شق ويهبط من الأخر محافظا على ما أخفاه أسفله مصرا على عدم ظهوره لنا، نداعبه بشقاوة الأطفال المحببة للجميع إلا عم محمد، نبدأ رحلة المفاوضات العسيرة والمساومات في الحصول على قطع من البطيخ مقابل إخفاء سره عن الجميع، يعلنها صراحة ( جايبه للطيور والرفاه.. يا ولاد العكاريت)، نجادله ..لقد رأينا بأم أعيننا البطيخ ومازالت دماؤه تسيل من بين فكيه ينهرنا من جديد خاتما.. قذفه لأمهاتنا ( صفارتك ..زمارتك) ربما لا نعي ما يقول او يستغل جهلنا بما يقول، لكن هذا لا يمنعا من المرح والضحك كل مساء ، حتي تلك الليلة التي جاء بائع الخضار والفاكهة يطالب عم محمد بباقي ثمن البطيخ، زاغت نظرات عم محمد وقف حائرا لم يجد ما يقوله للبائع ولا لأولاده، تسلل من بين الجميع كماء يتسلل من بين الصوابع إلى حجرته في الطابق السفلي من البيت الكبير، ظل أيام وليال وحيدا لا يغادر غرفته، لم ينزعج أولاده ولا زوجاتهم لما طرأ على عم محمد، على ما يبدو أصابتهم السعادة وكأنهم اتفقوا على الأقامة الجبرية لعم محمد، يلقون إليه بالطعام والشراب يعوفه، يعود الطعام كما جاء، لن يشغلهم الأمر كثيرا لقد أراحهم من جعجعة ضروسه ومن التفافنا حوله كل مساء، لم نرحم وحدته ..نصعد فوق المصطبة حتي نصل للنافذة حتى تدرك عيوننا وجه عم محمد ونهمس: عم محمد زمارتك ..صفارتك ..يا ولاد العكاريت، يمنحنا نظرة محملة بأنكسار روحه وبسمة تحمل طعم صبار الدنيا، نسرق بطيخ بائع الخضروات ..نشج بعض منها نلقيها لعم محمد عبر النافذة..يلقيه عم محمد جنبا؛ عيونه المحملة بالدموع والذل والانكسار تمنحنا نظرات اللوم، نردد في حزن زمارتك صفارتك على أمل أن يبتسم او يصعقنا بقوله المعتاد لكنه لم يفعل.