الصراط المستقيم

وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا

كتب:محمود هاشم.

الإسلام يحض على إحسان الظن بالناس وتجنب سوء الظن بهم؛ لأن ظروف الناس لا يعلمها إلا الله سبحانه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ــ قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا»؛ لذا فإنه لا يفترض بالإنسان أن يشغل نفسه بأفعال الناس وأقوالهم وتصرفاتهم، والمفروض أن يشغل نفسه بنفسه ويرتفع بها عن مواقع الزلل إلى مراقي الرفعة بعيدا عن سوء الظن بالناس أوالفرح بمصائبهم والنيل منهم والسير بذلك بين الخلق.
قال عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه:
«لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرا، وأنت تجد لها في الخير محملا».
إن إحسان الظن وعدم إساءته أمر عظيم، يستلزم من الإنسان أن يتقي الله في الناس وفي عباد الله، ولا يفرح بمصائبهم، ولا يتتبع زلاتهم أو ما يدور حولهم من ابتلاءات أو شائعات أو أقاويل، وما ينطوي عليه ذلك الفعل من مخالفات شرعية وسلوكية، بل ويتنافى مع مبادئ المروءة والقيم الأخلاقية..
قال بكر بن عبدالله المزني ــ كما في ترجمته من تهذيب التهذيب: (إياك من الكلام ما إن أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظن بأخيك).
وقال أبو قلابة عبدالله بن زيد الجرمي ــ كما في الحلية لأبي نعيم: ( إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذرا فقل في نفسك: لعل لأخي عذرا لا أعلمه)، ومن أهم الأسباب الداعمة لحسن الظن إنزال النفس منزلة الخير وحمل الكلام على خير الاحتمالات والتماس الأعذار للآخرين وترك التعجل بإصدار الأحكام على النوايا.

قال أبو حاتم بن حبان البستي في روضة العقلاء «الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه؛ فإن من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنه ولم يتعب قلبه، فكلما اطلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وأن من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه وتعب بدنه وتعذر عليه ترك عيوب نفسه».

ومن أقوال السلف أيضا:

قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: (إذا استولى الصّلاح على الزّمان وأهله، ثم أساء رجل الظّن برجل لم تظهر منه خزية، فقد ظلم) وعنه أيضاً: (ليس من العدل القضاء على الثّقة بالظّن)وقال ابن عباس: (إنَّ الله قد حَرّم على المؤمن من المؤمن دمه وماله وعرضه، وأن يظنَّ به ظنَّ السّوء) وقال ابن مسعود: (الأمانة خير من الخاتم، والخاتم خير من ظنِّ السّوء) وقال سلمان الفارسي: (إني لأعد غراف قدري مخافة الظنّ) وقال ابن عطية: (كان أبو العالية يختم على بقية طعامه؛ مخافةَ سوء الظنّ بخادمه)وقال الخطابيّ: (الظنّ منشأ أكثر الكذب)ومن الجدير بالذّكر أنّ هذا الزّمن مليء بالإشاعات والانقياد وراء عدم التثبّت، وإن آثار ظنّ السّوء المتفشّية في المُجتمعات لهي مُؤشّر سلبيّ على صلاح المجتمع، فلو حرص كلّ مُسلمٍ على ما يُفكّر وما يقول؛ لتجنّب مساوئ الأمور، وبات مجتمعه مُجتمعاً مُتحابّاً مُتعاوناً صافياً

خاتمة:قال الشافعي ــ رحمه الله:
لسانك لا تذكر به عورة امرئ
فكلك عـورات وللنـاس ألســن
وعـينك إن أبـدت إليك معـايبا
فصنها وقل يا عين للناس أعين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.